بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

34/06/25

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: أدلة وجوب رد التحية
 مرت بنا طوائف الروايات الواردة في جواز أو وجوب رد المصلي سلام المسلم عليه مع كون المصلي في أثناء الصلاة
 وكانت الطائفة الاولى هي ان يرد المصلي بمثل ماقيل له وأما الطائفة الثانية فتقول بأنه يرد بـ (سلام عليكم) ولايقول عليكم السلام
 وقبل ان نواصل البحث نتوقف في التدبر في معنى هذا الحكم وهو ان المصلي يجيب بترديد وتكرار ماقيل له فهذا عرفا يعد تجاوبا مع الغير بدرجة ناقصة فإنه لم يتجاوب مع الغير ولاهو تجاوب بشكل تام لأنه في الصلاة
 ومر بنا مبنى القدماء من ان مانعية التوجه في الصلاة الى غير الله ملحوظة هنا وبالتالي فهو منشغل بالتوجه الى الله تعالى فلأجل ان وظيفة اخرى تتصادم معه فلا يؤدي تلك الوظيفة بدرجة تامة بحيث تتنافى مع هذه الوظيفة فلا هو ترك تلك الوظيفة بالمرة ولا انه أدى هذه الوظيفة
 مطلب صناعي وهذا متروك عند متأخري العصر ومعتمد عند القدماء وهو قد مرّ بنا الفرق المبنائي بين القدماء ومتأخري الأعصار في حقيقة التخصيص فان التخصيص عند متأخري الأعصار هو الإقلاع التام فهو كاشف خاص عن عدم وجود العام في الخاص من أول التشريع وان شمول العموم لمنطقة الخاص كان صوريا بينما القدماء فان التخصيص عندهم بمعنى ان الخاص مزاحم ملاكي في رتبة المرحلة الإنشائية
 بعد هذا نقول ان التزاحم بكل أنواعه وأقسامه غير مختص بالأحكام التكليفية أي يشمل ويعم الأحكام الوضعية او قل شامل لما بين الأحكام الوضعية
 وان تطبيق وفهم التزاحم والتدافع التزاحمي فيما بين الأحكام الوضعية يحتاج الى دقة وضوابط أصعب من الضوابط الموجودة في التزاحم بين الأحكام التكليفية فالتزاحم غير مخصوص فيما بين الأحكام التكليفية بين يعم التزاحم فيما بين الأحكام الوضعية وليس خصوص نوع من انواع التزاحم بل مطلق انواع التزاحم
 بل عند المتقدمين فان التزاحم كما لايقتصر على ما بين الأحكام التكليفية بين بعضها البعض بل يعم ما فيما بين الأحكام الوضعية فيما بينها البعض بينما متأخري الأعصار قالوا بالتعارض اما المتقدمين فقالوا بالتزاحم
 وأنواع التزاحم هذه غير مختصة فيما بين الأحكام التكليفية المقام الأول بل تشمل المقام الثاني وهو مابين الأحكام الوضعية
 بل قال القدماء بوجود مقام ثالث أيضا وهو ان التزاحم بأنواعه يشمل مقام ثالث وهو التزاحم فيما بين حكم تكليفي من طرف وبين الحكم الوضعي من طرف آخر وهذا شبيه المقام فإن مانعية الكلام مع غير الله هي مانعية وضعية في الصلاة تزاحم وجوب تكليفي آخر وهو اذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها فإن حييوا هو حكم تكليفي بينما لاتتكلم في الصلاة مع غير الله هو حكم وضعي وهذا تزاحم بين الحكم التكليفي والوضعي وان ضبط موازين التزاحم بين الحكم الوضعي والتكليفي أصعب من ضوابط الموازين في المقام الثاني وهو التزاحم في الأحكام الوضعية فيما بين بعضها البعض
 وان التزاحم بأنواعه في المقام الثاني وهو الأحكام الوضعية أصعب من ضوابط التزاحم في المقام الأول وهو ما بين الأحكام التكليفية
 فإن معرفة كون لاتتكلم في الصلاة هو مفاد وضعي وان اذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها هو مفاد تكليفي فهل النسبة بينهما تزاحم أو تعارض
 وان هذه الطوائف من الروايات هل هي في صدد بيان العلاج على مقتضى القاعدة أو بصدد بيان أمر جديد فبناء على تصوير التزاحم في المقام الثالث فتكون هذه الروايات على مقتضى القاعدة وليست تعبّد تأسيسي من رأس
 فمفاد هاتين الطائفتين التين مرت بنا هو مراعاة جنبتين وليس مفادهما فقط وقوع التحية بقول مطلق
 فهذه الروايات الواردة في جواز أو وجوب رد التحية من المصلي في الصلاة لماذا قيّدت جواز أو وجوب الرد بأن يكون مثل ماقيل له إبتداء لا تجاوب وهذا التقييد عند القدماء ليس عبطا بل هو ناشئ من التزاحم بين الحكم الوضعي والحكم التكليفي
 الطائفة الثالثة: لسانها مادل على رد الإخفات
 صحيحة منصور بن حازم في أبواب قواطع الصلاة الباب 16 الحديث 3 عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال اذا سلّم عليك الرجل وانت تصلي ترد عليه خفيا كما قال
 وأيضا موثق عمار في نفس الباب الحديث 4 عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سألته عن السلام على المصلي قال اذا سلّم عليك رجل من المسلمين وانت في الصلاة فرد عليه فيما بينك وبين نفسك ولاترفع صوتك وهذاخلاف العامة
 صحيح آخر لمحمد بن مسلم في قواطع الصلاة الباب 16 الحديث 5 اذا سلّم عليك مسلم وانت في الصلاة فسلم عليه تقول السلام عليك وأشر باصبعك وهو دلالة على عدم رفع الصوت
 فلو كنّا نحن وهذه الطائفة فهو يقتضي عدم الانشداد بشدة بل الانجذاب يكون بخفة وبدون شدة وذلك مراعاة لصورة الصلاة
 لايقال ان الروايات السابقة قالت ان محمد بن مسلم سلّم على الامام (عليه السلام) وقد سمع الجواب
 نقول نعم يمكن ان يسمع الجواب فهو لاينافي ان الصوت كان خافتا
 العلامة الحلي في التذكرة والشهيد الاول ف يكتبه وكثير من المتأخرين حملوا هذه الطائفة الثالثة على التقية
 الاّ ان هذا الحمل غير ممكن باعتبار ان التقية في بيان الامام (عليه السلام) غير ممكن واما التقية في عمل المصلي فهو أول الكلام بل هذا يتناغم مع افتى به الكل من انه لايرد بالجواب وعليك السلام بل يرد بـ سلام عليك فهو من التفاعل غير الشديد فان النبي (صلى الله عليه واله) رد لكنه لم يكن بتفاعل شديد حيث كان الرد سلام عليك