بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

34/05/20

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: التكفير
 كنّا في الروايات الدالة على قاطعية التكتف للصلاة وقد استعرضنا الطائفة الثانية
 الطائفة الثالثة: مصحح علي بن جعفر [1] ومعروف انه من مؤسسي الفقه الجعفري مابعد الائمة الأطهار (عليهم السلام) في المدينة قال قال أخي قال علي بن الحسين (عليهما السلام) وضع الرجل احدى يديه على الاخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل
 وتقريب مفاد الحديث ان التكتف في الصلاة هو نوع اشتغال بعمل وهذا العمل موجب لمحو صورة الصلاة باعتباره عمل وهو منافي للصلاة
 وكون هذا الحديث مصحح باعتبار ان في السند عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر فقيل انه غير موثق ولكن الصحيح انه ثقة باعتبار ان هذا العلوي من بيت أهل صلاح وتقوى وهو أمر مؤثر وان لم يكن علّة تامة كما انه قد روى عنه الحميري الذي هو أحد زعماء فقهاء الامامية فهو من زعماء فقهاء قم وله اتصال بالناحية المقدسة في الغيبة الصغرى ومعنى قرب الاسناد يعني انه يتخير في كتابه الطرق القريبة للائمة (عليهم السلام) فهذا الكتاب المعتبر قد أكثر من الروايات عن عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر
 وثالثا ان الروايات التي رواها عبد الله بن الحسن العلوي عن جده علي بن جعفر في قرب الاسناد أو في كتب اخرى وجدت مطابقة تماما لمتن الروايات المروية عن علي بن جعفر في كتابه المعروف باسم مسائل علي بن جعفر وقد وصل هذا الكتاب الى الشيخ الطوسي بطريق صحيح
 فالصحيح انه ثقة وهو ليس نكرة بل له موقعية علمية مرتبة وان لم يوثق لفظا من قبل النجاشي أوغيره
 وقد استشكل في دلالة هذه الرواية حيث قالوا ان لفط هذه الرواية يدل على ان وضع اليدين على الاخرى هو عمل ولايصح العمل في الصلاة فلايمكن التمسك باطلاق هذا العنوان من انه مطلق العمل فلابد من حمله على الكراهة
 ولكن هذه الخدشة ضعيفة لأنه من الواضح ان العنوان المراد به هنا هو الماحي لصورة الصلة ففي بحث القواطع ان أحد قواطع الصلاة هو الفعل الماحي لصورة الصلاة فهناك قالوا لايوجد دليل خاص على ان الفعل الماحي يوجب بطلان الصلاة فان صورة الصلاة اذا زالت فلامكان ولامجال لصحة الصلاة فهذا وان كان تاما الاّ ان كون للصلاة صورة وان بعض الأفعال توجب محو صورة الصلاة وبطلانها هو هذه المصححة فمفادها ليس بمجمل
 أما المصداق فهو ليس كل عمل ماح لصورة الصلاة بل العمل المنافر والمنادد لصورة الصلاة وبالنسبة لخصوص التكفير فهو تعبد باعتبار ان الشارع قال ان التكفير ماح لصورة الصلاة باعتباره تشبه بالمجوس واليهود فهو ماح لصورة الصلاة التي هي عبادة
 أيضا من الروايات التي يتمسك بها هي نفس رواية علي بن جعفر [2] وسألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى يديه على الاخرى بكفه أو ذراعه؟ قال لايصلح ذلك فان فعل فلايعود ربما يستدل على ذلك بانه من باب الكراهة
 ولكن الصحيح (لايصلح) في الروايات الظهور الأولي فيه وضعي ففي المعاملات والبيع والاجارة والهبة والطلاق والايقاعات ان كلمة (لايصلح) محمولة في ظهورها الاولي على المعنى الوضعي الالزامي
 أما فان فعل فلايعود فليس تصريح بأنه قد فعل ذلك عمدا بل قد يكون قد ارتكبه وهو جاهل فبعض القواطع والموانع إنما اخذت في حالة العمد مثل تقدم صلاة الظهر على العصر فهو شرط في الصحة لكنه شرط علمي أي في حالة العلم والعمد مبطل
 فالمركبات سواء كانت شرائط أو أجزاء أو قواطع أو موانع بعضها تعتبر مطلقة علما أو عمدا أو جهلا أو سهوا وبعضها تعتبر فقط في حالة العمد وهذه لاتوجب اعادة الصلاة مع الجهل والسهو
 هذا تمام الكلام في أصل المسألة والصحيح ان التكتف مانع وقاطع وضعي
 التكفير بمعنى وضع إحدى اليدين على الأخرى على النحو الذي يصنعه غيرنا إن كان عمدا لغير ضرورة فلا بأس به سهوا وإن كان الأحوط الإعادة معه أيضا أي حتى مع السهو وذلك لاطلاق الأدلة فإنه اذا بني على انه ماح لصورة الصلاة فهو مشكل حتى في صورة السهو كما هو مفاد مصحح علي بن جعفر فالاحتياط من السيد الماتن في محله
 وكذا لا بأس به مع الضرورة كما لو كان للتقية فهو جائز حتى لو كان ماحيا لصورة الصلاة وهذا منصوص
 بل لو تركه حالها أشكلت الصحة لأن الشارع يريد الصلاة والحج من المكلف بهذه الشاكلة
 وهذا البحث مطرد في الحج وبقية شرائط الصلاة فان الانسان لو أتى بالعمل بغير صورة التقية كما لو وقف في الحج في غير يوم موقفهم فان الكثير من الأعلام يستشكلون في ذلك لأن التقية تقتضي منك الوقوف في يوم موقفهم فاذا اتيت بموقف اخر قد لايكون ذلك مطلوبا وهكذا في الوضوء والسجود
 وان العمل بالتقية مجزي وان أدلة التقية قد تكون عامة وقد تكون خاصة كما في خصوص السجود على مالايصح السجود عليه وهناك تقية بالادلة العامة
 وان البعض من متأخري الأعصار فصلوا في التقية فقالوا بالإجزاء في التقية التي أدلتها خاصة أما التقية التي تثبت بالأدلة العامة فإن الإجزاء فيها محل كلام وذلك لأن أدلة التقية الخاصة هي آمرة بهذا المركب الناقص فتكون مجزية أما أدلة التقية العامة ففي الحقيقة ليست هي أدلة آمرة ومثبته كي يستفاد منها الإجزاء بل هي أدلة رافعة للالزام بالمركب التام والدليل الرافع ليس مثبتا لمشروعية الناقص بل هو رافع فقط فان إثبات مشروعية الناقص لادليل عليه
 وهذا المبنى لانقبله لما حررناه في محله من ان الدليل الرافع يقتضي الإجزاء ببيان صناعي متعدد
 فذهب المشهور الى ان مشروعية المركب التام باقية على حالها بينما جملة من أعلام العصر ذهبوا الى ان المركب التام الأولي غير باق على المشروعية فتنحصر المشروعية فقط في المركب الناقص الذي هو بصيغة التقية
 ولكن هذا المبنى غير تام وغير صحيح ففي باب التقية أو باب الأدلة الاضطرارية فان الاضطرار هو أعم من التقية ففي باب التقية أو عموم أبواب الاضطرار الصحيح ان المركب التام الاولي باق على المشروعية فمثلا اذا كان بسبب الخوف من استعمال الماء لابد من التيمم ولكن مع ذلك لو أوقع المكلف نفسه في الحرج وتوضئ فانه يصح اذا لم يكن مضرا وكذا في باب الحرج وذلك لأن المشروعية باقية وذلك لأن حرمة ترك التقية قد ارتكبها ليس في الصلاة الصحيحة بل بترك الصلاة مع التقية فالمحرم هو ترك التقية لا العمل الملازم لترك التقية فالنهي هنا لايتعلق بنفس العمل
 وللكلام تتمة
 


[1] وسائل الشيعة، أبواب قواطع الصلاة، الباب15، الحديث 4
[2] وسائل الشيعة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 15 ، الحديث 5