بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ محمدالسند

34/03/03

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضوع: التسليم في الصلاة
 كنّا في بحث ان المصلي اذا أحدث قبل التسليم بصورة غير عمدية أو استدبر فهل تبطل الصلاة أو لاتبطل؟ وان جملة من الأعلام حرر القاعدة فقط ولم يتعرض الى النصوص الخاصة مع ان النصوص الخاصة الواردة في البين كثيرة
 وانتهينا الى ان كل من وجه الصحة ووجه البطلان يمكن ان يكون كل من الوجهين وأدلة الوجهين واردة على الآخر ومرّ ان هذا يقال له مبحث التوارد وهو من المباحث الجديدة الصناعية عند متأخري العصر
 والتوارد يعني التفاعل من الطرفين فكل طرف يكون واردا على الطرف الآخر وان صيغة التوارد الصناعية تختلف عن التعارض المعهود فهو بصورة ان كل دليل وكل حكم يعدم موضوع الدليل أو الحكم الآخر
 وهكذا يختلف عن التزاحم أيضا لأن التزاحم هو ان يكون حكم كل من الحكمين محفوظ وثابت ومقرر وليس هناك تدافع ولا تكاذب في المحمول بل ان المكلف ليست له القدرة على الأداء
 والفرق بين التوارد والورود هو ان الورود يعني اعدام أحد الدليلين وأحد الحكمين لموضوع أو دليل موضوع حكم آخر بخلاف التوارد فهو اعدام من الطرفين
 ان علاج التوارد كما قال بعض الأعلام هو ان يدرج التوارد في التعارض لكن الصحيح لدينا هو ان التوارد لايندج في التعارض أصلا لأنه ليس فيه تكاذب لابنحو التباين ولابنحو العموم والخصوص من وجه بل التوارد هو نحو من التزاحم الملاكي وليس من التزاحم المثالي وقد تعرضنا لبحث التزاحم الملاكي في بحث اجتماع الأمر والنهي
 وإجمالا يشترك التزاحم الملاكي مع التزاحم الامتثالي في كثير من الأحكام والعلاجات لافي كلها
 فلو كان المقام من مقام التوارد فيكون من التزاحم الملاكي وهو صورة توارد وعلاج التوارد هو التزاحم الملاكي فلابد من شرح المقام وكيفية تصوير التزاحم الملاكي في المقام
 ان الصناعة الفقهية والصناعة الاصولية تشتركان في جهة وتختلفان في جهة اخرى فان الصناعة هي عبارة عن الدقة في تنسيق تنضيد المعادلات والقواعد فان كانت صناعة فقهية فهي في القواعد الفقهية وكيفية التأليف بينها واذا كانت الصناعة اصولية فهي في القواعد الاصولية
 وفرقها عن العارضة والذوق الفقهي فهي فراسة وفطنة في المواد أي في تنقيح صحة المواد من سقم وفساد المواد
 وان الوقوف والجمع لأكبر عدد من المعطيات والمواد الفقهية لاينفع في الصناعة الفقهية ولا الصناعة الاصولية ولا الذوق الفقهي بل الذي ينفع فيه هو العارضة الفقهية والتتبع الفقهي فلابد للانسان من ان يجعل هذه الامور من ملكاته الفقهية
 ففي المقام هناك نكتة صناعية فقهية أشار اليها متأخري الأعصار في بعض الموارد وهذ النكتة الصناعية مفيدة في أبواب المعاملات وأبواب العبادات، وهي:
 ان الأدلة الوضعية أو قل ان الأدلة على الأحكام الوضعية الواردة في المركبات العبادية أو المركبات المعاملية أوالمركبات في باب القضاء أو المركبات في أبواب الايقاعات فهذه الأدلة للأحكام الوضعية ليست في صدد الصحة الفعلية التامة بل هي في صدد الصحة الاقتضائية التأهلية
 وبعبارة اخرى ان أدلة الأحكام الوضعية هي ليست في صدد الفساد الفعلي بل في صدد الفساد التأهلي الاقتضائي
 وان الفساد الاقتضائي هو كأن يقال لاتأكلوا اموالكم بينكم بالباطل الاّ ان تكون تجارة عن تراض فبيع الفضولي باطل أي باطل بالفعل أو باطل اقتضائي تأهلي وكذا الكلام في بيع المكره
 والمراد بالباطل الاقتضائي هو ان يمكن علاجه وتبديله الى الصحة فنفس عقد المكره يمكن ان نبدله الى الصحة مع تحقق طيب النفس وهذا على القاعدة فان العقد الذي زال منه الإكراه صار مع طيب النفس وان طيب النفس موجب للصحة في المعاملة
 وكذا الصحة فهي أنواع ودرجات وان كيفية استثمار وتطبيق هذه القاعدة في موارد عديدة يحتاج الى تمرس وتروّي والتفات كثير وهو ضروري جدا
 وأما تطبيق القاعدة فبيان ذلك هو انه عندما يأتي دليل يقول ان الحدث ناقض ومفسد ويأتي دليل آخر يقول ان التسليم ليس بواجب ركني فهنا لاتعاد هو دليل مصحح وكون الحدث ناقض هو دليل مبطل وان البطلان والصحة يعني التعارض والتدافع فلو كانا في صدد بيان الصحة والبطلان الفعلي فيستحكم التعارض والتدافع أما لو كانا في صدد البطلان الوضعي والاقتضائي فان التعارض لايستحكم بل بالعكس يخف ويمكن علاجه وهذه نكتة نفيسة ولابد من اثباتها لأنها مفيدة جدا
 والسبب في انه اذا كانا في صدد الاقتضائية فان التعارض يتخفف هو ان اجتماع المقتضيات المختلفة لمقتضيات متنافية لامانع منه فإن اجتماع المقتضيات بالكسر لمقتضيات بالفتح متنافية اذا كان التأثير فعلي فيكون تناقض أما اذا اقتضائي فتجتمع الأسباب غاية الأمر الذي يؤثر هو الأقوى
 فاجتماع الأحكام الوضعية أو أدلة الاحكام الوضعية اذا كان بدرجة الاقتضاء فلا تعارض فيه أبدا لأن أدلة الايجاب الصحيح ليست بصدد الصحة الفعلية بل بصدد الصحة الاقتضائية وان الصحة الاقتضائية تجتمع مع الفساد الفعلي أو مع الفساد الاقتضائي فلا تعارض ولاتنافي لأن المفروض هي درجة الاقتضاء
 فالتزاحم يمكن تصوره في باب الأحكام الوضعية ولا يقتصر على التكاليف لأن الأحكام الوضعية ليست بصدد الصحة أو الفساد الفعلي حتى يلزم التكاذب بل في صدد الصحة الاقتضائية وهي تجتمع مع عدد كبير من موجبات الفساد
 واذا تم هذا المطلب فيمكن حل المشكلة بسهولة فان أدلة لاتعاد اذا كانت تصحح الصحة الاقتضائية وأدلة كون الحدث ناقض للصلاة أيضا نحملها على الفساد الاقتضائي وهذا يجتمع مع الصحة الاقتضائية فلابد من بيان أيهما أقوى وسنثبت ان الصحة الاقتضائية أقوى من الفساد الاقتضائي فالصحة الاقتضائية تعيق الفساد الاقتضائي عن افساده للصلاة