الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث العقائد

46/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: توازن العلوم الثلاثة في الاستقامة

 

لا زلنا في الحديث الشريف للامام الصادق وهو يتعرض الى رياضات القلب ومر بنا انها تفوق رياضات الروح والاخيرة تفوق رياضات النفس ورياضات النفس تفوق رياضات البدن والتي هي الاداب الشرعية في الابواب المختلفة ولكل باب اداب .

لا بأس بذكر هذه النظرية الادارية العصرية بين طبقات الرياضات وهي في علم الادارة حيث في علم الادارة العصرية ربما تكون هناك الية وليست استراتيجية يعني لدينا استراتيجية تخطيط استراتيجية في الادارة ولدينا تخطيط تقني في الادارة ولدينا تخطيط فني عالي في الادارة فهناك طبقات وكما يعبرون استراتيجية والتكتيك يعني التقنية وعندنا التكنيك والاخيرة هي انزل ادارة من التكتيك . فالتخطيط المتقن يسمى التكتيك يعني تخطيط بتقنية وفن والتكنيك هي اليات للادارة.

ربما هناك الية يدوية تقلب استيراتيجيات او حضارات يعني انت لا تتهاون بالاليات الصغيرة والقرآن الكريم ذكر في قصة داوود وجالوت ان الاخير كان صاحب دولة عظمى وطالوت امره الله كما في قوله الم تر الى الملأ من بني اسرائيل اذ قالوا لنبي له ابعث لنا ملكا نقاتل معه .... باعتبار ان النبي موسى لم يستطع تحرير الشام او فلسطين من الدول العظمى لانه خذله قومه فقالوا له اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون ان فيها قوما جبارين وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها قال ربي اني لا املك الا نفسي واخي فافرق بيننا وبين قوم فاسقين فقال انها محرمة عليهم اربعين سنة يتيهون في الارض الى ان وصلت النوبة الى طالوت الم تر الى الملأ من بني اسرائيل اذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا يعني هي قيادة قوية وعندها عزم نقاتل معه قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال الا تقاتلوا قالوا وما لنا الا نقاتل ...

وداوود هو من اصفياء الله كان فقيرا وحافي القدمين وراعي غنم وقصير القامة فاراد ان يشترك مع جيش طالوت في محاربة الدول العظمى وهي جالوت وكلمة دولة عظمى في اصطلاح الروايات او كتب التاريخ القديمة يعبر عنها بالعمالقة وليس المقصود منها انه بنيتهم الجسمانية كبيرة وانما هو اصطلاح للدول العظمى فجيش طالوت كانوا يستهزئون بقدرات داوود انه نحن لدينا اسلحة فكيف انت اتيت لنا بهذا الفقير؟ فداوود اخذ حجارة صغيرة وهي الالية كما يقال في الاصطلاح بالكزوة ... فهذه اين والرمح والفيلة اين ؟

المهم ان النبي داود قال افسحوا لي الطريق وقدر الله ان يموت جالوت وهو قائد الجيش للدولة العظمى بهذه الحجيرات والحصيات لداوود ، فانظر الية صغيرة تقلب حضارات وداود كانت لديه همة وعزم ارادي حديدي لا تثنيه ولا ترعبه تلك الدول العظمى بينما جيش طالوت مع انه معصوم وامام ولكن ارادة داوود كانت اعلى من همة طالوت لان داوود ايضا مصطفى وطالوت ايضا مصطفى لكن كانت همة داوود اشد احكاما وبأسا حتى من همة طالوت وجيش طالوت بهذه الهمة والعزيمة بادوات صغيرة لم يستخف بهمته ولا ارادته فقلبت المعادلة في الشرق الاوسط .

هذا مثل ضربه الله فقتل داوود جالوت فاتاه الله الملك ثم هو شكل دولة وورثها الى سليمان فداوود عنده قوة ارادة وعزيمة رغم قلة البضاعة من ثم الله اعطاه بأس قوي لهذه الهمة والا بحسب الاسباب المادية ان يكن منكم مئة صابرون يغلبوا الفا فالهمة والارادة شيء مهم اما الضعضعة والخذلان والتخويف والجبن والتجبين فكلا ، و ويل لمن يبث هذه الصفات المذمومة في عضد المؤمنين لان هذا يجمد الطاقات فداوود عنده طاقة صغيرة والية صغيرة ولكن بهمة قوية ان يكن منكم مائة صابرون يغلبوا الفا ... الان علم ان فيكم ضعفا يعني ضعف نفسي وليس ضعف مادي ، هي الاسباب المادية كلها واحدة ولكن لما يصير تضعضع وحرب نفسي يحصل انهزام فقضية الهمة هو امر آلي وليس استراتيجي فالحصيات الية وليست استراتيجية لكن هذه الاليات قد تقلب استراتيجيات وحضارات .

الانسان يجب ان لا يستخف بالاداب وهذا هو انحراف العرفاء والصوفية يقولون المهم هو ان يكون عندك معرفة ويقين والرياضة القلبية ، كلا الاداب يجب ان تلتزم بها فلربما سيئة ترتكبها وقد اخفى الله غضبه فيها فينتكس الانسان .

من ثم هناك نكتة جدا عظيمة في الرياضات الروحية والقلبية وضابطة جدا مهمة وهو الالتزام والتقيد بالشريعة فاي غرور وتهاون وتفسخ من الالتزام بالقيود الشرعية والاحكام الشرعية والاحكام الفقهية هو مؤشر خطير ولو بلغ الانسان ما بلغ في الرياضة القلبية والروحية والرياضة النفسية ، فالتهاون في الالية خطير ، صحيح هي الية والشريعة هي فروع دين لكن هذه قد تكون مؤشرة لزعزعة كيان العقائد كما قالت العقيلة ثم كان عاقبة الذين اساءوا السواى ان كذبوا بايات الله.

نحن عاصرنا كبار كثير من الفقهاء والعلماء والمراجع من ذوي المعنى يتشددون في رعاية القضايا الشرعية ويعتبرون عدم التقيد بها مؤشر على الخلل فكما ان الانسان يتقيد بالعقائد والمعارف لابد ان يتقيد ايضا بالقضايا الشرعية كما ان القضايا الشرعية من دون عقائد سليمة خواء فلابد من معية كليهما وهذا الذي اشار اليه سيد الانبياء في حديثه المتواتر العلم كله فضل الا ثلاث فاشترط معية الثلاثة .

هذا مثل اجنحة الطائرة هناك جناحان من الامام وجناح من الخلف والذي من الخلف رغم صغره لكن يتحكم مصيريا في اتجاه الطائرة لذلك لا بد من عقائد سليمة ولابد من نظام روحي سليم ونفساني ولابد من سلوك بدني مقيد بالشريعة فلا يمكن رفع اليد عن الشريعة لان هنا يتسرب الشيطان هناك فرق سحرة لكن عندها رياضات روحية او هم مشعوذين او كهنة او عرافين فهذه ايضا رياضات روحية لكنها غير متقيدة بالشريعة وبالتالي يزعزع حتى العقائد والمعارف .

اذن الفقه وعلوم المعارف لابد من معيتهما فعقائد بلا فقه غير صحيح وفقه بلا عقائد ايضا انحراف وانما المعية هو الصحيح ، العقائد وعلم الكلام وعلم الفقه بدون علوم روحية ايضا هذا خطر يزعزع الفقه ويزعزع الالتزام لان الجانب الاخلاقي امر واجب ، فهو يهذبهم يزكيهم ويربيهم ويطهرهم خذ صدقة منهم تطهرهم فهذا التطهير لابد منه والا سيكون سرطان يزعزع .

اذن ثلاث ابعاد حددها سيد الانبياء في كمال الانسان وهذا حصن حصين وقلعة حصينة الجانب الاول هو عقائدي ومن علم الكلام او علوم اخرى في المعارف يجب الانسان يتسلح بها حتى المعارف القلبية التي ترتبط بالمعرفة شاملة له والجانب الثاني النظام الروحي والقلبي كرياضات والنظام الثالث الذي بينه سيد الانبياء هو الشريعة والفروع .

فهذه اذن ثلاث ابعاد والفروع ليس فقط فقه فردي وانما هو فقه سياسي وفقه اجتماعي وفقه اقتصادي وفي جميع المجالات مع بعضها البعض والماسك لها ولو كحد ادنى طيلة الف سنة هو صاحب الزمان عجل الله فرجه لانقاذ البشرية فاذن لا بد من هذه الثلاث ابعاد اما التركيز على بعد دون اخر فيسبب الخلل مهما يكون .

فاذا اردت ان تعرف اتجاها معرفيا او عقائديا يجب ان تلاحظ هل فيه تفريط في الفروع الفقهية ام لا؟ فاذا كان فاعرف بان هذا مرض وانحراف وسوف يتكشف امره في الوقت الراهن او مستقبلا والعكس بالعكس .

كذلك مر بنا وذكرنا في ابحاث فقهية كما ذكر الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه منهج الرشاد لمن اراد السداد ان الفقيه يمكن ان يتلاعب بالفقه ان لم تكن عقائده مستقيمة فيمكنك ان تجعل من الفقه دولة مدنية علمانية لا دينية بمبررات فقهية اذا لم تكن العقيدة سليمة وهذا مضمون كلام الشيخ جعفر في اول كتاب منهج الرشاد لمن اراد السداد يقول ما يمكن يكون سداد عند الفقيه من دون ان تكون عقائده مستقيمة كاملة ويمكنه ان يحور الفقيه العقائد كيفما شاء فالفقه كالعجينة يمكن ان يشكلها ويبررها كما يشاء وانما الذي يمنعه عن ذلك هو استقامة العقيدة لان العقيدة نظام سيطرة على الابواب الفقهية والا يمكنه ان يجعل السلوك الاخلاقي للمجتمع والاسرة سلوكا اباحيا في الاخلاق ببوابات قانونية وفرعية .

فيدلل كلام الشيخ ان الترابط بين هذه العلوم الثلاثة امان واما احدهما بدون الاخر يسبب الانحراف بالتالي التقوى رياضة روحية نفسية ويمكن ان يمتحن الانسان بامتحان خفي لا يطلع عليه احد ويكون اشد الامتحانات ان يخون الله ، والله يعرف كيف يمتحن الانسان بما لا يطلع عليه احد فهل يكون عنده خشية؟ ام يكون جند لابليس في العصيان؟ فهي ليست قصة معرفة نظرية بالعقائد ولا معرفة نظرية بالفقه وانما نظام روحي حاجز ورع وتقوى لابد ان يكون في البين .

اذن الابعاد الثلاثة لابد منها كما قال سيد الرسل والا يحصل التحريف والانحراف اما كثير من الصوفية تركوا الفروع وانغمسوا في المعاصي سواء في الموسيقى والرقص والغنى والسمسرة السياسية والبيعة السياسية موجود عندهم .

فالفقه بدون عقائد مستقيمة يبرر ان يكون واعظ السلطان والسلطان في زماننا هذا هي الدول العظمى فتكون واعظ للسلطان والا حتى فرعون كان عنده من يفتيه ويبرر له فالذي يحمي الانسان في الاستقامة سيما لو كان ذا موقعية حساسة هو ذلك .

اذن الرياضة القلبية بمفردها لا تكفي وانما يجب تعلم الوحي ونحن رأينا وشاهدنا كثير ممن لديه رياضات ومطلع على غيبيات لكنه انحرف في العقائد لانه ليست لديه دراسة عقائدية فبدأ يقول بالتناسخ الباطل فالدراسة العلمية للعلوم الدينية صمام امان سواء للعلماء او لعموم المؤمنين فمن دون اطلاع على المعارف كم وكم شاهدنا من الاخطاء

انا يعجبني هذا الكلام من احد المعصومين عن النبي موسى والخضر وكلاهما مصطفين انه للخضر فضل ومن ثم اراد موسى ان يتعلم من الخضر العلم الذي لديه لكن يقول الامام الصادق والرضا ايضا لموسى فضل وعلمه وحياني تخصصي يختلف عن العلم الوحياني الموجود لدى الخضر اذن النبي موسى لا يستغني في مجاله عن الخضر ولا الخضر يستغني عنه .

فالنبي موسى يقول هل اتبعك على ان تعلمني مما علمت رشدا؟ وهذا صحيح سيما في جانب الرياضة الخضر عجيب وغريب ولكن في مجال الشريعة والمعارف المقدم هو موسى لان لديه تخصص وحياني واصطفائي فيقول الامام ع : ان لموسى فضل وحياني اصطفائي وللخضر كذلك ولكن اذا قارنا فضل موسى وفضل الخضر فالنبي موسى مقدم في مجاله وليس مقدم مطلق او قل نسبي والا اذا كان مطلق كيف يقول النبي موسى للخضر هل اتبعك؟ ففي مجاله الخضر هو امام وفي مجاله موسى هو امام لكن يقول الامام الصادق والرضا اذا اردنا كسر وانكسار فلموسى التقدم فاذا كان الحال في المصطفين هكذا فكيف بك بغير المصطفين؟

مثال اخر انت عندك في الصف المتفوق في الرياضيات شخص وفي الفيزياء والكيمياء واللغة شخص اخر اذا اردت ان تعطي نمرة مجموعية محصلة قد تعطيه لهذا ولكن في حين تقدمه في الصف يعني تقديمه في مادة الرياضيات من الاول كمجموع نعم ولكن يجب ان لا تغفل عن النسبية فلا هذا مقدم بقول مطلق ولا ذاك فالامور نسبية .

المثال الاخر من مدرسة ائمة اهل البيت النواب الخاصين الاربعة في زمن الغيبة الصغرى هؤلاء كانوا على مستوى رفيع من التقوى والورع والطهارة و وصلوا الى درجات عظيمة في الرياضة الروحية ورياضة الورع والتقوى لان التقوى رياضة على طبق الشرعية والدين وعندهم ارتباط خاص مع الامام الا انه مع ذلك فقهاء عصرهم اعلم منهم في الفقه وليس لهم ان يتخطوا الفقهاء نعم تارة يسألون الامام هذا بحث اخر لكن ليس لهم ان يتخطوا فقهاء عصرهم لذلك عندنا في روايات في غيبة الطوسي ان النائب الثالث وهو الحسين ابن روح كان يستفتي علماء قم لان الامام الحجة لا يعطيه كل شيء .

ومن ثم كان الشلمغاني قبل ان ينحرف اعلم من النائب الثالث في الفقه ولكن اخذه الحسد ولم يعرف التخصص فانحرف لعدم تهذيب النفس بينما الحسين ابن الروح ارسل كتابا فقهيا تعلمه من اساتذته في الفقه الى علماء قم قالوا له عندك اخطاء في هذا الكتاب كذا كذا واستجاب هو لذلك وهو لم يعرض على صاحب العصر والزمان لانه ليس منفتح على كل شيء وانما يعطيه بقدر وظيفته .

فلاحظ في هذا المثال النواب اين تخصصهم الوظيفي والفقهاء اين تخصصهم الوظيفي؟ حتى لاحظوا في العلوم الكسبية والاكتسابية هناك تخصصات ومجالات قد يكون فقيها في الفروع لكن ليس هو اعلم او متضلع في علم الكلام او متضلع في علم الكلام وليس في علم التفسير وهذه حقائق يجب ان نلتفت اليها وذكرها الفقهاء انفسهم .

مثال اخر في سورة الكهف ايضا استعرض القرآن قضية ذي القرنين وهو صاحب رياضات و وصل الى ما وصل بالرياضات فهو رجل احب الله فاحبه الله ومكنه فهو عن طريق الحب وصل الى ما وصل اليه واصطفي اذن هو نفس المجال الذي فيه الخضر لكن في بيانات اهل البيت ورد ان من باب الرياضات القلبية والروحية اللي وصل اليه ذي القرنين ووصل اليها اصطفاء الخضر هذا متشعب الى شركات ملكوتية لا تعد ولا تحصى وليست على شاكلة واحدة .

كما هو الحال في العلوم الكسبية فترى فقيها في المعاملات لكن ليس في العبادات قوي او العكس او هو قوي في علم الفقه وليس قوي في الكلام او قوي في الكلام وليس قوي في التفسير و احد النكات المهمة في هذه الروايات ان مدارس الرياضية القلبية انواع لذلك كان يقول الخضر لذي القرنين انت ذو فضل وانا مبتلى بك وانا ذو فضل وانت مبتلى بي مع ان ذا القرنين هو القائد لكن في بعض الامور ملزم ان يستجيب للخضر لان الاخير كان احد القيادات العسكرية لجيش ذي القرنين .

فمع انه من باب عالم واحد الا انه هو شركات وانواع فالعلم كله فضل الا اية محكمة يعني الايات في المعارف ترى احدا قوي في التوحيد لكن في المعاد ضعيف والاخر ضعيف النبوة وقوي في الامامة وشاهدنا من الكبار هو قوي في الامامة او التوحيد ولكنه ضعيف الامامة او قوي في الامامة بلغتها العقلية والمعرفية ولكنه ضعيف في لغتها الفقهية فيجب ان لا نغتر بان الطريق واحد وانما هي طرق عجيبة متعددة لابد من التوازن والتنبه .