46/06/05
الموضوع: كيفية الرياضة القلبية واستثمارها
لا زلنا في مبحث فقه القلوب وعرجنا عليه وانه علم مهم اساسي بمناسبة رواية عن الامام الرضا ع في اصول الكافي حيث بين ان الايمان ليس عملية فكرية مجردة وانما العمدة في الايمان انه فعل من افعال القلوب وليس مجرد فعل من افعال القوة الفكرية وان كانت القوة الفكرية والعقل النظري له دور عظيم في الايمان ولكن الايمان الشطر الاكبر من اركانه يقوم به القلب.
وبين قوسين العقل والقلب اذا اجتمعا افترقا واذا افترقا قد يجتمعان يعني اذا استعمل العقل والقلب يراد من العقل القوة الفكرية والعقل النظري والقلب المراد به العقل العملي او القلب لان هناك مشاعر باطنية .
كما ان الفلاسفة عندهم العقل عقلان ، ابن سينا ايضا كان هكذا في بداية حياته ثم تأثر بالاشعري ولم يتخلص من هذا التأثر والا عند جل الفلاسفة العقل عقلان نظري وهو قوة الفكر وعقل عملي او القلب او الضمير او الوجدان والسر والخفي والاخفى وهو فوق الروح وفوق النفس .
ما الفرق بين القوى الغضبية والفكر؟ الفكر كانما صورة جامدة او منعكسة اما قوة الغضب والشهوة او الخشوع او الخوف او الطمع او الحرص او الهوى او الوجد او القلب المتيم والحب والبغض والكراهة هذه ليست نقش على ورق وانما هذه اشياء حية نابضة بالحياة وبالشعور .
فالانسان كيف يتعرف على ذاته ؟ لان ذات الانسان منظومة قوى ، هناك قوى راصدة هذه حتى قوى والفكرية حتى الخيال والوهم والحس هذه منفعلة فهذه قوى كما ينشغل به الانسان يجب ان يلتفت وينشغل بالقوة الحية التي فيها نبض الحياة ونبض الشعور وهذه قوى اخرى فهي قوى ملؤها الوجود الحي الشاعر النابض بالاحساس وهلم جرا يعني الحس الباطن والشعور الخفي والمشاعر الخفية لقد كنت في غفلة عن هذا فكشفنا عنك غطاءك .
كثيرا ما الانسان يركز على تلسكوب الفكر وهو نعم التلسكوب وناظور الفكر والخيال نعم الناظور لكن ليس هو متن وجود الانسان ، المتن الوجودي للانسان هي الذبذبات التي تأتيك بمشاعر حية فاذا كانت عندك ميول هذه الميول تنجذب الى اين؟ وما هو منشأها؟ ومن اين الى اين؟ فاذا كانت عندك انجذاب ما هو سره؟ وهل عندك قدرة للتحكم عليه ام لا؟ يعني جذبات .
اذا كانت عندك نفرة منشأ النفرة ما هي؟ واذا كانت عندك تبرم ما هي منشأه وهل هو تبرم منطقي ام لا؟ فالمبنى الوجودي للانسان هو هذا انما تلك عيون كقوة الفكر وقوة الحس والا الاليات والمبنى الاصلي ها هنا ولكن كثيرا ما الانسان يغفل عنه انساهم انفسهم والا اذا يركز الانسان في هذا الجانب كما بين في روايات الامام الصادق يرى الاعاجيب وتنشط عنده قدرات كثيرة سواء نشطها في الخير او في الشر ولكن هي رياضة .
فاي ميل وتبرم واقبال وادبار هو من اين وكيف ؟ قد يعبر عنه بالواردات القلبية فانت عندك دائما استيراد وعندك تصدير في القلب والروح فانت دائما راقب هذا الجانب وهو الجانب الاصلي فيك فما الارتباط بين قوى الانسان الحية الشاعرة سواء غضب او شهوة ، هناك شهوة الاكل والجنس وشهوة الرئاسة والسمعة وو .... وللشهوة شعبات كثيرة ، عندنا من جعل شهوته في هواي ... فبالتالي هي طبقات كذلك الغضب والخوف هذه القوى قد تفعل بشكل افراط وقد تجمد بشكل تفريطي .
فهناك نظام في هذه القوى انت لابد ان تستشعر بها ثم تستطيع ان تتحكم فيها ، فان لم تستشعر بها كيف تتحكم فيها فح تكون منفلت من دون ان تشعر وان كان هناك الالتفات التفصيلي درجات وهناك الالتفات الاجمالي درجات ، قد الانسان يسيطر بلا ارتكاز اجمالي وهذا صحيح ، فعالم الافعال القلبية وقوة القلب وما دونها من نظام منظومة قوى ومشاعر كما لو كان هناك انسان متفائل وهناك انسان محبط حتى لو كان احباط منطقي يجب ان تتغلب عليه بالتفاؤل .
قضية الاعلام المضاد من العدو هو هذا يلعب بمشاعرك ويحبطك ويفلجك عن القوى الموجودة لديك بالاياس والحبط والخداع والحرب النفسية ايضا هي هكذا فالالتفات الى عالم النفس وفقه القلوب مهم جدا ومن الاسس الاولى لهذا الجانب كما بين ائمة اهل البيت والوعي القرآني ان الايمان مرتبط به فضلا عما دون الايمان فالالتفات الى هذا الجانب ليس خيار ندبي او خيار زائد وانما وظيفة اصلية اساسية .
الحب يسأل عنه الانسان انت تحب من؟ ولماذا وفي من ولاجل من؟ واذا تبغض لاجل اي شيء ؟ فاذا انت اذا تبغض تبغض لاجل من؟ وفي من؟ وكذلك الكراهة كحالة في الانسان وكذلك الحب هذه كلها يسأل عنها الانسان نعم يمكنك ان تتحكم انت في الحب الذي تفعله في نفسك اوالي من واليتم واعادي من عاديتم هذا واردة في كل الائمة وفي فاطمة فهذه القضايا النفسانية هي محل تحكم الانسان .
افترض ان انسانا لا يمكنك ان تتبرأ منه هذه الحالات النفسية يجب ان تكون تحت سيطرة الانسان وذلك لا يكون الا بتوسط الالتفات لهذا العلم ، فاذن النصوص كفقرات وكمقاطع هي الان ما شاء الله ويجب دراستها وهي تحتاج الى جهود اجيال وهي جانب عظيم في الدين ،
لذلك هنا الامام الصادق يبطل الرؤية الجسدية بعلم الرياضة القلبية وهذا مر بنا فالامام في صدد ابطال ما ذهب اليه المذهب المالكي في الرؤية الجسمانية والحسية فيبطلها الامام الصادق في زمنه مع تلميذه وغالب الائمة لديهم فقهاء تتلمذوا عليهم من الجمهور لان اهل البيت كانوا يحرصون على الانفتاح العلمي على الطرف الاخر مهما كان من دون ان يذوبون فيه وفي حينها ينفتحون عليهم وهذا شيء عظيم وترى هذا الجانب في السياسة العلمية والتربوية لائمة اهل البيت والمذهبية والاديانية .
هناك من تتلمذ من مذاهب متفاوتة على اهل البيت من علماء الجمهور يعني سعة الصدر لدى ائمة اهل البيت باعتبار هو امام لكل الخلق ، حتى ان الامام الصادق بلغ به الامر ان احكام باب فقهي كامل اودعه عند احد علماء العامة وهو عبدالملك ابن الجريح او جريج وهو من علماء مكة و اصله من الشام ولكنه يؤمن بالامام الصادق في هذا الجانب ومعروف عنه ان ابن جريج تلقى هذا المبنى وهذا المسلك من الامام الصادق وقد اودع عنده الامام الصادق احكام كثيرة في هذا الباب حتى جملة من تلاميذ الامام الصادق يسألونه ع عن هذا الامر فيقول اذهب واسأل عبد الملك ابن جريج وكذلك قضاة من العامة كبار معروفين رموز في الدولة العباسية والاموية كانوا يتلمذون على يد الامام الصادق والسجاد وهلم جرا .
لذلك كان الامام السجاد يعظ احد تلاميذه من العامة لما رآه انه مال الى جاه الدنيا فوعظه الامام السجاد وهذا طابع عظيم عند اهل البيت انهم كانوا ينفتحون على الطرف الاخر لان نشر العلم والحق امر مثمر وبالتالي ليس من الضرورة ان ينفتح الطرف الاخر على كل قناعاتك بل حتى ولو في نسبة معينة عنده معك مشتركات يمكنك ان تزوده بما يوجب الهداية ولو النسبية ومن دون مجاملة ولكن من دون ان يثير التوتر معه بل ربما اهل البيت اباحوا لهؤلاء التلاميذ من العامة بامور لا يظهروها لعموم الجمهور من العامة كالمبادئ الاعتقادية مثلا في حق اهل البيت وامامتهم .
فهذا جانب مشرق مهم نلتفت له في سيرة اهل البيت يعني في حين ان الامام على خلاف مع الطرف الاخر لكن هناك نافذة قد تكون مشتركة لا يغلقها الامام فكيف بك اذا كان داخل معك في المذهب الواحد ورحماء بينهم ؟؟ وهذا معناه يعني انه يجب ان تكون جسور التواصل فيما هو مشترك بينا موجودة ولا ينسف بما هو مختلف فيه وهذه سياسة عظيمة رشيدة فيما بين البشر عموما .
لذلك المداراة ليست مجاملة اخلاقية وتعايش سلمي صرف وانما بالدقة هو نظام لاستثمار النقاط المشتركة لصالح البشر او الدين يعني استثمار المشتركات وفي حين عدم التنكر لنقاط الخلاف فهو نوع من التوازن فلا ذوبان ولا قطيعة وانما امر بين امور وهذه سياسة عظيمة من اهل البيت عليهم السلام وقبلهم من سيد الانبياء يجب الالتفات اليها وهذه برهان بنحو الالزام من اهل البيت انه النقطة المشتركة تبقى نقطة مشتركة بحدودها وقدرها فلايكون عندك افراط ولا تفريط وكذلك نقاط الخلاف فالتوازن امر مهم وهو من المعاني الوسطية .
من ثم الناظر في مواقف اهل البيت وسيرتهم قد يظن انها هي متغيرة ، كلا هي ثابتة لكن الجهات والنقاط المشتركة مشتركة والمختلفة مختلفة ولكن حجم النقطات يجب الالتفات اليها وهذه ليس تغير وتحول وانما هي تعدد جهات وتعدد زوايا وحيثيات .
فالامام نقض نظرية التجسيم ببراهين فكرية وبرياضات القلوب لان القلب يرى ما لا يراه البدن فكيف يقزم ويحبس ويقطع وجود الله في الجسم المادي ؟؟ مع ان هناك عوالم يراه القلب لا يراه الجسم والله من وراء ذلك .
فبمناسبة هذا البرهان الامام قال الغفلة عن العالم القلبي يسبب انحرافات فكرية ويصير العقل النظري للانسان مادي حسي بخلاف اذا ينفتح الانسان على عوالم القلب فيتحرر العقل النظري الفكري من سجن المادة والحس والعلمانية الى الاطلاع على عوالم اخرى غير مرئية فيمكن للانسان ان يتواصل معها عبر الشعور الباطني في ذاته ويفهم ان هناك غيوب وراء هذه الدنيا وعوالم غيبية وراء الحس ووراء البدن ووراء المادة الغليظة وهي وجهة الاخرة فبدل ان يتدارك الانسان الى الدرك الاسفل وهي الحياة الدنيا يتوجه الى جهة الاخرة .
فمن اشرف فضائل هذا العلم ان يولي وجهة الانسان الى جهة الاخرة وعوالم الاخرة والعوالم الغيبية وكفى بهذا العلم شرفا في هذا الجانب وهذا من فضائل هذا الحديث الشريف رواه الخزاز في كفاية الاثر .