46/05/29
الموضوع: منهج الاستنباط في فقه القلوب
الايات القرآنية او طوائف الروايات قد يستدل بها الفقهاء في جهة ونفس الطائفة يستدل بها المفسرون لجهة اخرى والمتكلمون لقاعدة ثالثة وبتعبير الشيخ حسن زادة الاملي القيم ان علماء العلوم الدينية استخرجوا من حديث واحد لسيد الانبياء ص : انما الاعمال بالنيات ست وثلاثين قاعدة وليس مسألة ، فانها قواعد كلامية فقهية تفسيرية عرفانية معنوية عقلية ووو ... وهذا ليس تمحل ولا تكلف وانما بموازين وضوابط في الدلالة .
فاذن طبيعة كلام الوحي يجب الا تحشره وتضيقه وتحبسه في مجال واحد والامام الصادق من نفس حديث انما الاعمال بالنيات استشهد لبرهان عقلي بكيفية خلود اهل الجنة في الجنة واهل النار في النار فالمقصود ان طبيعة كلام الوحي يختلف عن كلام البشر فكلام الوحي منفتح على ابعاد مختلفة وهذا ليس هلوسة وتخرص وانما بموازين وضوابط في الدلالة وفي بنية الظهور وبنية الاستدلال ، وما نقله الشيخ حسن زاده الاملي في كتابه هو من باب التتبع وربما منقولة عن استاذه الميرزا حسن الشعراني .
فالعلماء استفادوا من هذه القواعد ولم يقولوا انها تلاعب في الحديث وانما كلها منضبطة بموازين كما ان مثلا قاعدة لا تنقض اليقين بالشك هناك تسعة قرون الفقهاء يستدلون بها على مسائل في باب الطهارة ثم اتى والد الشيخ البهائي واكتشف ان هذه القاعدة هي عامة اصولية شرعية وليس بخصوص ما استفاده الاعلام في باب الطهارة وهو الصحيح .
اللطيف ان العلماء يقرون ان هذا التعدد في الاستنباط وفي المفاد كله صحيح لانه منضبط بالموازين ولا يمتنع ان النتائج تكون متعددة وكما قالوا عليهم السلام ان القرآن له بطن ولبطنه سبعين بطن يعني تعدد في المعاني ولكن شريطة الانضباط .
الان هذا العاجز عن فهم ترامي الاستنباط هو لعجزه والا القدرات بين المجتهدين ايضا تختلف ولا يحكم قدرة الضعيف على القوي ما دام الاستنباط على انضباط فانت ناقش الموازين .
كما انه قد تواتر عنهم عليهم السلام ان كلامنا كالقرآن يتصرف الى سبعين وجها او سبعين بطنا وهذا ليس تلاعب وانما بلحاظ الموازين والضوابط .
الان مثلا في سورة البقرة الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين لاحظوا وجوه الاعراب اللي ذكرها النحويون وكلها صحيحة وكلها على طبق القواعد وليس بينها تعارض لان خالق الكلام يلتفت الى الكلام والياته فيمكن ان يتشكل بعشرين شكلا كلها منضبطة وكلها حجة وكلها ظهور لا انه تحصر الظهور بواحد دون اخرى وانما حصرك لعجزك او انك لا تستطيع ذلك اما رب العزة معجزته في كلام نوابه وهم الائمة عليهم السلام خزنة الوحي وعندهم هذه القدرة .
لذلك يقول امير المؤمنين في رواية الاحتجاج بعث الانبياء بالتصريح يعني مفادهم واحد او اثنين او كذا وبعث سيد الانبياء بالتعريض لان علوم سيد الانبياء ما تقايس بها علوم بقية الانبياء ومن ثم صار اوصياؤه علومهم وكلامهم لا يقاس ببقية الانبياء او الاوصياء يعني القدرة العلمية للمتكلم هو وحيانية وحتى الوحي يتفاوت فيتفاوت كلام سيد الانبياء عن بقية الانبياء بسبب غزارة علمه .
هذا الحديث الذي مر بنا وهو عبارة اعجازية لامير المؤمنين يقول نظام الدلالة وبنية الدلالة والتخاطب والكلام عند سيد الانبياء هو بنظام التعريض وبحسب علماء البلاغة التعريض يعني الدلالة وهي مرنة وتتشكل بقوالب عديدة وكلها صحيحة فيجب الغوص في الفرق بين الكناية والمجاز وهو بحث معقد ومهم جدا في بنية الظهور ويترجل فيه ائمة البلاغة وما هو بالدقة المجاز واقسام الكناية ؟
رحمة الله على الشيخ محمد رضا المظفر في مباحث الالفاظ في كتاب اصول الفقه يذكر دلالة الايماء والتنبيه والاشارة فغوصوا وانظروا ما الفرق بين انواع الايماء والتنبيه والاشارة وما فرقها عن الدلالة التضمنية والالتزامية والمطابقية ؟ هو رحمة الله عليه لا يبسط الحديث فيها وانما يرسلها حوالة على علم البلاغة والبيان فهذه البحوث صعبة وليست بسهلة.
المهم ان بنيان الظهور بحث اساسي وبالمناسبة يجب ان لا يترك دراسة المطول ومختصر المعاني وجواهر البلاغة فتكون دراسة البلاغة مثل السندويتشات ويكبر الانسان ولكن هو في علم البلاغة باعه قليل فيجحد كثيرا من الاستدلالات في الظهور لان بنيته العلمية ضعيفة فهناك بحوث اساسية بنيوية موجودة وكذلك كتاب التصريف في اللغة يعني تشكيل وتغيير اللغة كيف المادة الواحدة تتشكل بتصاريف مختلفة؟ فاذا انت لم تضبط هذه العلوم كيف تكون مفسرا وفقيها ومتكلما؟
الشهيد الثاني يقول عن نفسه انه بعد ان وصلت الى الاجتهاد والفقاهة اعدت دراسة العلوم اللغوية من النحو والصرف والاشتقاق من جد وجديد لكي اقوى ولكن ترى البعض يتمجمج في الاستدلال ويقول هذا تكلف وتحكم مع انه ضعيف في علم البلاغة وعلم الصرف والنحو فحقه ان يتمجمج وينكر ويجحد البنية اللغوية ، مع انها هي من عاديات الاستنباط في كل العلوم الدينية .
اجمالا البعض يقول اصل علم الرياضات الروحية والقلبية غير موجود في القرآن لان العلماء ما كتبوا فيه ، نحن نقول لنفترض ان العلماء ما كتبوا فيه فهل كلما وجد في الوحي انجزه العلماء كتابة؟ كلا وانما يأتي جيل بعد جيل ويستنبط مع ان جملة من العلماء كتبوا فيه كالسيد ابن طاؤوس في كثير من كتبه عنده لفتات روحية معنوية قلبية ويستدل بالايات والروايات وكذلك ابن ورام جده من الام ايضا عنده عدة كتابات في هذا المجال وكذلك الديلمي المعاصر لفخر المحققين عنده اربع كتب في الرياضة القلبية وكذلك السيد علي خان من علماء القرن التاسع او العاشر عنده شرح على الصحيفة السجادية وهي دورة معنوية عظيمة وكذلك ابن ميثم البحراني فحل في هذا المجال وشرح نهج البلاغة بلغة معنوية عرفانية وهو من العلماء الكبار وتتلمذ على يد العلامة الحلي والخاجة نصير الدين الطوسي فجملة من العلماء خاضوا في هذا المبحث وهؤلاء علماء فحول ، فبعض الاحيان العجز في العلوم المقدماتية للاستنباط ينتهي لنتائج ضعف في الاستنباط والاجتهاد ويمكن للانسان ان يستدرك ولا مانع منه فيدرس ويطالع بينه وبين نفسه ، فالشهيد الثاني لما يقول انا لما اصبحت مجتهدا وفقيها و اعدت العلوم البلاغية من جديد ليس معناه انه تتلمذ وانما بينه وبين نفسه .
انا شاهدت اغا رضا المدني عنده عدة كتب فقهية وهو من تلاميذ الشيخ عبد الكريم الحائري وكان يباحث السيد الكلبيكاني وهو كان عضو جلسة الاستفتاء الشيخ عبد الكريم الحائري زرته عدة مرات فهو نفسه يقول بعد ما اصبحت فقيها واردت ان اكتب الرسالة العملية والاستدلالية درست كتاب مغني اللبيب بكل ابوابه الثمانية مرتين فلما درسته قوة الاستنباط زادت عندي وهو عنده كتاب في الحج وفي الحدود والديات والقصاص .
فالمقصود ان هذه الادوات الضرورية ومؤثرة في الاستنباط فاذا رأيت تمجمج في الاستنباط فان هذا يرجع الى الضعف في المقدمات او في العقليات .
فتعدد الدلالة هذه ليست هلوسة انما انت عندك ضعف في قدرة صناعة التحليل والحوزات العلمية اذا لا تترقى في مستواها العلمي التحليلي يصير جوها سطحي وتقليدي وشبيهة بما بعد الشيخ الطوسي كما هو معروف من التراجم ان المئة سنة او اقل الحوزات عاشت حالة تقليد وجمود الى ان اتى ابن ادريس فبدأ التحقيق وتغير الجو ، فحياة الحوزات العلمية وحياة العلم بالتحقيق وليس بالتقليد .
احد تلاميذ المحقق العراقي والمحقق الاصفهاني والسيد ابو الحسن والنائيني سمعت منه انه يقول في تلك الاجواء في النجف الاشرف يقال ان المجتهدين غالبهم مقلدين علميا والمحقق فيهم قليل ، المحقق يعني ان تدقق وتبتكر وتعبد الطرق في مساحات وبراري لم يدخلها احد .
اذن قد تكون رواية واحدة ولكن المتكلم يستنبط منها شيء والفقيه يستنبط منها شيء اخر وكذلك المفسر وهذا ليس تناقض ولا تهافت ولا تدافع .
البعض يقول سنده ضعيف نقول له انت مقلد وان كان يسمي نفسه مجتهد هو ما عنده قدرة على التحقيق والتدقيق والتنقيب ، الميزان الاجتهادي هو انه لا تخالف الضروريات وان يكون بدليل هذه ضابطة التدقيق والتحقيق وانا اركز على هذه الجوانب لاني ارى كثيرا من الاشكالات او التساؤلات او الاعتراضات منشؤها يرجع الى هذا .
فهذا الحديث الشريف في حين ان الخزاز ادرجه في بحث النصوص على الائمة الاثني عشر ونعم الادراج ولكنه يستفاد منه علوم كثيرة ومنها ما بينه الامام عليه السلام من نظام دورات رياضة القلوب او رياضة الارواح ولسان الامام الصادق ليس تأسيس او حقيقة شرعية وانما ارشاد الى ان هذه الامور هي تكوينية والشارع يرشد اليها .
مر بنا ان البعض ربما يظن انه اذا كان من باب الارشاد اذن نحن لسنا ملزمين به ، وهذا يقوله بعض الفلاسفة او العلمانيين ، كلا نحن ملزمين اكثر بالوحي كما مر بنا ان غالب علماء الكلام من العلماء الامامية قالوا الحكم في باب العقائد ليس اعتباري تقنيني وانما هو حكم تكويني او عقلي ارشد اليه الشارع وانا لا ارتضي هذا الكلام على اطلاقه ولكن اقول لاحظ هذا المبنى وحتى غالب الفقهاء ايضا يتبنونه ان في علم الكلام الحكم ليس تشريعي اعتباري تقنيني وانما ارشادي ولكن هذا الارشاد الالزام به اشد من اداء الصلاة لان هذا الارشاد تثبت به اصل العقيدة واصل تشخيص الصراط المستقيم وصراط الجنة عن صراط النار .
اذن ليس كل حكم ارشادي يعني نحن غير ملزمين بالوحي بالعكس مثلا لاحظ مثال اخر الايمان بالله والتوحيد الفقهاء والمتكلمون والمفسرون قالوا الايمان بالله الالزام به عقلي واذا اتى الوحي فيه ببيانات فهو ارشاد ولكن نحن نرى ان الالزام به اشد من الالزام بوجوب الصلاة وان العقوبة والمثوبة فيه اشد من تفاصيل الوجوبات الشريعة وحرماتها .
فكون الشيء ارشادي ليس معناه انه ليس هناك الزام عقلي وليس عقوبة ومثوبة ومر بنا ان المحقق الاصفهاني في قاعدة الملازمة وان كلما حكم به العقل حكم به الشرع يلتزم بان كل ما حكم به العقل لا يحكم به الشرع تقنينا وتشريعا وانما يقول كلما حكم به العقل ارشد اليه الشرع وامضاه وهذا ليس معناه الاعتبار وانما وافق الشارع على ذلك بلغة عقلية يعني ليس عندنا حكم تشريعي في علم الكلام او في قاعدة الملازمة .
انا اطرح هذه المباني المختلفة مع انه لدي ملاحظات عليها لكي ابين ان الاعلام يلتزمون في موارد انه ليس هناك حكم تشريعي وانما هناك ارشاد وحياني وملزمون نحن به والعقوبة عليه اشد من الحكم التشريعي القانوني وهذا رد على الفلاسفة والعرفاء لمن يقول انه نحن غير ملزمين بالوحي في المكاشفات او في معارف القلب او معارف الفكر كلا نحن ملزمين بالوحي مثل ما مر بنا البشر في العلوم التجريبية والتي هي علوم تكوينية يلزمون انفسهم ان يتعلموا من معلم اعلى منهم واذا تخطى نهج تعلم المعلم يوبخوه واذا اخطأ وارتكب تداعيات يعاقب فكون العلم تكويني لا يعني انك تستغني عن معلم فكيف بمعلم المعلمين وهو الوحي؟ فكون الاحكام تكوينية او ارشادية لا يعني عدم الالزام بالوحي وارشاداته .
الشيخ الانصاري في تنبيهات القطع في الرسائل عند حجية القطع تكوينية وليست شرعية ولكن هو يقول في العقائد لو ان باحثا كبعض الفلاسفة او العرفاء تجنب الوحي وقال انا مكاشفاتي هي المدار وليس ما بلغه سيد الانبياء وعترته فانا اهتدي بنفسي لنفسي ثم ضل الطريق فانه يخلد في النار ، مثلا لو شيوعي او ملحد قطع بصحة طريقه وتجنب الانفتاح على الانبياء وارشادات الوحي مع انها غير تعبدية وانما عقلية ارشادية تكوينية فالشيخ الانصاري يقول هذا يستحق الخلود في النار .
اذن كون الشيء ارشاديا تكوينيا عقليا هذا لا يعني انه لسنا ملزمين بالوحي بل ملزمين وربما اشد الزاما حتى من الاحكام الشرعية الفقهية الفرعية فهذه الاحكام الفرعية اين والاحكام الاصولية العقائدية اين .
فهنا لسان فقه القلوب الذي يتعرض له الامام الصادق كالمنازل والمقامات لسانه ارشاد وليس تعبد ولكن هذا الارشاد نحن ملزمين به وملزمين ان نتعلم الطرق الغيبية الملكوتية من المعصوم .
لاحظوا كلام امير المؤمنين اني اعلم منكم بطرق السماء منكم بطرق الارض وليس مني ، فالغيب والرياضات الغيبية والرياضات القلبية والشريعة والطريقة والحقيقة هذي وان كانت ارشادية ولكنه انتم ملزمين بان تتبعوا هدي امير المؤمنين والا يضل بكم الطريق .
هذه الامور كلها انا اثيرها لان التساؤلات والاثارات كثيرة فاضطر لان اوضح هذه المنهجية في فقه القلوب والرياضات القلبية بتطبيق ضوابط اصولية لان علم الاصول منطق العلوم الدينية وليس فقط في فقه الفروع حتى في لغة فقه القلوب .