46/05/28
الموضوع: الصناعة في علم الحديث
لا زلنا في حديث الامام الصادق المروي في كفاية الاثر في النص على الائمة الاثني عشر وهذا الكتاب العظيم من المصادر العظيمة لتراث اهل البيت ومؤلفه زميل الشيخ الصدوق ومعاصر له وهو زميل الصدوق الابن وابن قولويه الابن والاخير هو استاذ الشيخ المفيد وعليه اخذ علم الفقه وقبره بجنب تلميذه الشيخ المفيد هذا الكتاب هو في النصوص الواردة عن النبي وامير المؤمنين في ان الائمة اثني عشر بعد النبي والنبي امام الائمة .
ففي حين ان كتابه في الامامة لكن في الحديث الامام تعرض الى التوحيد والى المعرفة القلبية بالتوحيد ولايخفى ان المعرفة القلبية في التوحيد تختلف عن المعرفة الحسية الفكرية وما شابه ذلك فبهذه المناسبة تعرض الامام الى انواع الرياضات القلبية والروحية وانواع المواهب اللدنية ومنظومة من الابحاث ونحن نذكر هذه المطالب كما قال احد المحققين ان طبيعة الاحاديث وحتى الايات ليست كعلم الفقهاء او المفسرين او المتكلمين او علماء الاخلاق او علماء الاصول فردية وانما طبيعة الوحي منظومة علوم ومسائل ، فاية واحدة و رواية واحدة لكن فيها ابعاد عديدة فلابد ان نلتفت الى ان كتب الحديث عموما هي علوم مجموعية موسوعية مهما حاول المؤلف ان يجعل هذا الكتاب في علم من العلوم الدينية .
الان لاحظ كتاب الوسائل الكثير ينظر اليه انه فروع وهذا خطأ وانما الوسائل كتاب مملوء بالعلوم الدينية ففيه علوم التفسير ومباحث المعاد ووو لان طبيعة المادة الوحيانية هي هكذا مثلا ذكر صاحب الوسائل روايات يبين الامام الصادق فيها التصوير العقلي والكلامي للخلود في النار والذي هو ممتنع عند كثير من الفلاسفة او العرفاء وهذا في المجلد الاول في الوسائل وكذلك كيف الخلود في الجنة وهو تصوير عقلي شائق ، كذلك مبحث الموت وحقيقته موجود في المجلد الثالث من كتاب الكافي مع ان هذا المجلد معقود في احكام الميت وتجهيزه لكن في اثناء الحديث الروايات تذكر لنا حقيقة الانسان وتعدد اجسامه .
فلا تظن ان كتاب فروع الكافي المقصود منه فقط فقه الفروع وانما الروايات فوق ارادة الكليني وطبيعة الوحي هو هكذا فانت مثلا مسائل معقدة في العقائد تجدها معالجة في نفس روايات الفروع مع ان الكليني يقطع في الروايات كمنهج علمي يعني يقول محل الشاهد هو هذا رغم ذلك تجد موجود فيها مباحث كلامية وتفسيرية وما شابه وهذه نكتة منهجية مهمة في التراث .
البعض يقول هل هناك كتب في الحديث مختص بعلم التفسير؟ نقول له لن تجد الا البحار خصص مجلدين في القرآن وهذان المجلدان لا تنحصر روايات علوم التفسير بهما وانما هذا ما انتبه اليه المجلسي اما ما لم ينتبه فالى ما شاء الله لان طبيعة علوم الوحي هي هكذا فهي منظومية مترابطة نعم قد يرتكب الكليني وصاحب الوسائل التقطيع ولكن الحديث الواحد والاية الواحدة طبيعتها انها منظومة تتعرض الى علوم دينية متعددة مترابطة متشابكة في مسائل متعددة وهذي ليس فوضى لكن باعتبار ترابط الحلقات لمسائل متعددة وفي علوم دينية متعددة .
فحذار حذار في البحث في الوحي من ذلك لانه مصدرنا الوحيد هو الوحي وليست الهلوسات الذهنية البشرية نعم نقاشات العلماء بما هي شروح للوحي متخذة من الوحي ولكن المدار هو الوحي وليس شيء اخر فهناك منافسات علمية وجهود لفهم الوحي هذا صحيح اما المدار ليست الحذلقات العقلية الذوقية البعيدة عن الوحي فان هذه لا قيمة لها .
فاذا كان الوحي طبيعته هكذا اذن يجب ان نلتفت الى الوحي من هذه الجهة ولا نتخيل بان كتاب بصائر الدرجات هو عقائدي اما كتاب فروع الكافي او من لا يحضره الفقيه ليس بعقائدي بالعكس هما مملوءان بالعقائد شاء او ابى الصدوق ونفس كتاب كمال الدين للصدوق عقده في العقائد ولكنه مملوء بالفروع والاخلاق وكذلك كتاب الغيبة للشيخ الطوسي مملوء بالفروع مع انه للعقائد لان طبيعة الروايات او الايات هكذا انها مرتبطة بالفروع والاصول والاخلاق وعلم التفسير وهلم جرا .
نحن في بحث علم التفسير وجدنا مبحث صعب والى الان لم اجد من وقف عليه فبمناسبة مبحث في الفروع الامام الصادق يتعرض لشيء حول القرآن في زمن رسول الله وهذا التعرض يحل لغز علمي عجيب في علوم التفسير مع ان المفسرين في حيص وبيص فمسألة فرعية في المعاملات ومعتبرة الاسانيد ومستفيضة متعرضة لهذا اللغز في علوم التفسير فلا تظن ان الايات او الروايات عندما يصنفها صاحب الوسائل او الصدوق او الطوسي في علم الكلام لا نجد فيها الفروع والرياضات الاخلاقية كلا فيها ذلك وفيها علوم متعددة .
الان نهج البلاغة من الف واربع مئة سنة لكن الان البشر اكتشفوا علما من العلوم الادارية التدبيرية الاستراتيجية من مئتين سنة واكتشف احد الباحثين المسلمين ان نهج البلاغة فيه محاور عجيبة غريبة لهذا العلم وكتب كتابا باللغة العربية والانجليزية وهو اكفأ مما هو مطروح لدى البشرية الان وهذا لم يلتفت اليه احد من علماء الفريقين .
فطبيعة العلوم الدينية او غير الدينية ان وجودها في مادة الوحي الى ما شاء الله لكن هي بحاجة الى تنبه ويقظة وفطنة علمية ، فنحن اذا لا نعرف التراث وتبويبه فكيف نفحص؟ والفحص لا بد منه في الاستنباط فاذا لا نعرف تبويب التراث كيف نفحص؟ فلا يمكن ان تقول لا نفهم لغة التراث ونفحص ، كيف تفحص؟ ما تستطيع الفحص؟
لاحظ اصول الكافي المجلد الثاني منه ما الفرق بينه وبين المجلد الاول؟ هذا تبويب صناعي ذكرناه كرارا ان الفهرسة لاي كتاب هي صناعة لذلك العلم فالتبويب صناعة لان فيه ترتيب ونظم وتركيز والتركيز على الصناعة في علوم الحديث هذا باب اخر يجعلك عفريتا في التتبع في ابواب الحديث انا رأيت مراجع وقامات علمية بكل تواضع يسألون احد المتبحرين في علم الحديث من باب الامانة العلمية وهذا تواضع للعلم وليس قضية اخلاقية فحسب وهذي من الاركان المهجورة والسيد الروحاني يقول هذا العلم مهجور الان في الحوزات العلمية مع انه خطير في الاستنباط فكيف يصير عندي قدرة في الفحص؟ وكثيرا ما اكابر هم مقلدون في الفحص وليسوا مجتهدين ، فهو مجتهد في الاستنباط ولكن في خطوة الفحص التي هي من اوائل الخطوط المهمة في الاستنباط هو مقلد !! لان صناعة ابواب الحديث ليست بيده وما ينتبه وصعب عليه او قليلا ما من المناسبات البحثية عنده قدرة ولكن كفحص اجتهادي متضلع ليس عنده قدرة وهذا يؤثر على نتائج الاستنباط .
من ثم عملية تبويب الحديث هي فهرسة للحديث وهي عبارة عن صناعة وهذا التبويب الذي ذكره الكليني لكتابه ثمان مجلدات هذا اجتهاد منه وليس بالضرورة ان نوافقه على هذا التبويب قد نحن نكتشف امور هو لم يتنبه اليها وهذا المطلب ليس هامشي وانما عمود فقري في البحث العلمي وفي الاجتهاد العلمي .
البعض اذا تقول له فقه القلوب والرياضات القلبية يقول لنا لم يضع احد من المحدثين والعلماء كتابا في الرياضات القلبية في الروايات اذن هذا العلم ليس بموجود والحال ان هذا التبويب وهذه التسميات للابواب هي اجتهادات من العلماء الكبار والمحدثين كالصدوق والطوسي والمفيد والكليني وليس بالضرورة ان ننحبس او نقتصر على ما اجتهدوا فيه .
الان كتاب اصول كافي الجزء الثاني هو مبحث مملوء بعلوم التفسير ومملوء ببحث النحل والملل والمذاهب والاديان فهذا ليس هو كلامي محض ولا هو فقهي محض ولا تفسيري محض وانما هو علم برزخي ممزوج من هذه العلوم المتعددة .
ايضا لاحظ علم الرياضات الروحية والاخلاق منظومة في البحث الاخلاقي هناك ابواب عديدة رصدها الكليني في الجزء الثاني من الكافي انت فقط تدبر علميا صناعيا في عناوين ابواب اصول الكافي الجزء الثاني سترى شيئا مذهلا سيما اذا كان عندك باع في هذه العلوم ولو حتى المام فوق المتوسط سترى عدة علوم حشرها الكليني في هذا الجزء.
الان لاحظ مبحث مرتبط بالتوسل والتوحيد والغلو وعدم الغلو اورده الكليني في احكام الاولاد هناك يتعرض الامام الصادق الى انه ما معنى التوسل والتعظيم للنبي وما هو الفاصل بينه وبين الغلو؟ فهي رواية مرتبطة ببحث توحيدي وطقوس التوسل والنسك وليست مرتبطة بالغلو فهذه الرواية اوردها الكليني في مباحث الفروع ولم يوردها في العقائد فليس يجوز لي ان اقلده انه هذه مقتصرة على الفروع واترك مبحث العقائد .
لاحظ الزيارة الجامعة او زيارات المعصومين كلها منظومة واحدة والشيخ الطوسي في التهذيب كاحكام فرعية اوردها والصدوق اوردها في من لا يحضره الفقيه والكليني اورد زيارات اخرى والحال ان هذه الزيارات بتعبير المجلسي الاب كلها دورات عقائدية مركزة من العيار الثقيل فعندما نقول عقائد ليس من الضروري ان نذهب الى بصائر الدرجات فانت اي كتاب تقف عليه من كتب الحديث او حتى في الايات والسور تجده هكذا .
نحن نظن مثلا المفسرون قالوا ان السور المكية عقائدية والصور المدنية غالبا في الفروع او في الفقه السياسي او الفقه العسكري او الفقه الاقتصادي هذا صحيح كغالب لكنك تجد في نفس السور المكية امور مهمة في الفروع وفي علوم دينية اخرى وتجد ايضا في السور المدنية رغم انها متكفلة لامور في الفروع او الفقه لكن تجد فيها علوم دينية اخرى .
طبعا مباحث الامامة والولاية كما هي موجودة في السور المكية بشكل كنائي ايضا موجودة في السور المدنية الاخيرة نزولا بشكل صارخ مثل سورة الاحزاب وسورة التحريم ، فاذن قضية تبويب كتب الحديث حذار ان ننساق ونقلد المؤلف في التبويب فهو في صدد شيء لكن الحديث فيه اشارة لعلوم ولمسائل عديدة اخرى .
ذكرت لكم كمال الدين للصدوق والغيبة للشيخ الطوسي موجود فيها كثير من الفروع وليس مختص بالبحث العقائدي الان اما الحوادث الواقعة كأنما في كلمات العلماء هي مرسلة ونقلها الاحتجاج مرسلا ولكني وجدتها مسندة في غيبة الشيخ الطوسي فحذار ان نقلد العلماء الاعلام في تبويب الحديث .
صاحب الوسائل مع انه يقطع كثيرا ويحذف من الروايات الكثير اجتهادا منه ان هذا ليس له ربط بالمسألة وبالباب لكن انت اذا تراجع هذه الرواية في مصدرها الاصلي تجدها اضعاف اضعاف ما ذكره حر العاملي وهي تؤثر في الظهور وفيها مواد عجيبة ، فلا نظن كتاب الوسائل كتاب فروع وانما هو كتاب العلوم الدينية كلها ولا نظن ان كتاب الكافي حسب تبويب الكليني قسم منه عقائد وقسم منه فروع هذا كلام تقليد محض امعي فلا تظن ان بصائر الدرجات مختص بالامامة وانما فيه امور كثيرة كثيرة في القرآن .
الانسان اذا تضلع في مسألة من علم معين يشمها من بعيد ويلتفت انها اين موجودة شريطة ان يتضلع في تلك المسألة ويلم بها مثلا انت تجد هذه الرواية التي رواها الخزاز مع انها في صدد الائمة الاثني عشر وفعلا في ذيلها ذكر الائمة لكن فيها مباحث التوحيد وطبقات الانسان ورياضات الانسان ومملوءة بمسائل من علوم وربما غفل الاولون والاخرون ان يبوبوا روايات لعلم معين ولكنه موجود فيها.
فطبيعة كل رواية وكل الايات فضلا عن السور فضلا عن طوائف الروايات اذا لم تقطع غالبا مليئة بمسائل عديدة وليست علما واحدا فلا يمكن مثلا في بحث سيرة امام من الائمة ان تقتصر على البحار حتى الكتب الاربعة فيها استعراض لسيرة الائمة ومقاطع غامضة في سيرة النبي وهي غير موجودة في المجلدات التي خصصها صاحب البحار لسيرة الائمة فهو ما استقصى كل شيء وليس بامكانه ذلك .
اذن هذه كلمة صناعية في علم الحديث ان طبيعة الروايات منظومة علوم ومسائل لعلوم عديدة وليست لعلم واحد .