46/05/25
الموضوع: الحكم في العقائد مغاير للحكم الفقهي
اخر نقطة وقفنا عليها ان في علم الكلام الاحكام العقائدية بحسب رأي مشهور متكلمي الامامية لامحدثيهم كالصدوق والكليني والمجلسيين انه الحكم في العقائد ليس حكما مولويا دينيا كالفروع وانا شخصيا لا اوافقهم على ذلك وانما ابين مبناهم مثلا في التوحيد لا يوجد امر مولوي امنوا بالله ورسوله وهذا ليس في التوحيد فقط وانما حتى في النبوة والامامة ، فليس هناك امر مولوي كما هو الحال في الشريعة بينما المحدثون في كلا الفريقين مبناهم غير هذا الشيء فالاحكام في العقائد يعتبروها عقلية وليست مولوية .
انا عمدا اتطرق الى هذا البحث لكي اصل الى ان الرياضات القلبية والروحية والمعارف القلبية والمكاشفات والمشاهدات فيها اعتبار مولوي شرعي ؟ او هي احكام تكوينية ؟ اذن اين دور الوحي في العقائد؟ مع ان دوره في العقائد اهم واخطر من الشريعة والفروع .
هم يقولون العقوبة والمثوبة في العقائد موجودة من الشارع ومن الله والهداية لابد ان تكون بالوحي والعقل يحتاج لمعلم ليتعلم منه فالهداية والمعلم لابد منه امنوا بالله ورسوله واليوم الاخر وكتبه ورسله وملائكته ولكن هذا امر ارشادي الى حكم العقل لانه حكم تكويني ، ايضا لما تقول احكام عقلية في الحقيقة العقل ليس هو حاكم فقط بل هو يدرك .
نحن نريد ننتقل من العلوم الادراكية الحصولية العقائدية الى الادراكات القلبية العقائدية فالكلام الكلام ، فصدق الحكم فيها يختلف ، لذلك هنا الامام الصادق اخذ يبين المسار التكويني للرياضات والادراكات القلبية لا انه مسارات تشريعية حيث قال عليه السلام : ان اولي الالباب الذين عملوا بالفكرة فليس امر ونهي وكتب عليكم وانما حتى ورثوا منه حب الله فان حب الله اذا ورثه القلب اضاء به .
هذه كلها خواص تكوينية يبينها الامام الصادق ، فقوله : استضاء به القلب اثر تكويني وليس شرعي اعتباري وحب الله ايضا شيء تكويني والمواهب اللدنية من الله ايضا تكوينية وليست انتزاعات اعتبارية ، وكذا : واسرع اليه اللطف فاذا نزل منزلا ... هذا النزول ايضا التكويني ، و صار من اهل الفوائد يعني صيرورة تكوينية ففي هذا البيان يعدد منازل سير النفس وسير الروح والقلب كلها امور تكوينية واحكامها تكوينية وموضوعها تكويني وفعلها تكويني واثارها تكويني فهو تكويني في تكويني في تكويني انما الوحي يرشد ويهدي .
الان الجنة والنار حقيقيين وليسا اعتباريين فلما يخبرنا الشارع عن الجنة والنار وعن البرزخ وعن عالم القيامة فالقضية ليست اعتبارية وانما اخبار وتعليم وتنبيه وارشاد لنا وانذار واخبار تكويني .
اذن على مبنى المتكلمين فرق بين الاحكام في باب العقائد عن الاحكام في باب الفروع حيث هي في باب الفروع احكام شرعية اعتبارية قانونية ما شئت فعبر اما في باب العقائد عند المتكلمين والفلاسفة هي احكام تكوينية يرشد الشارع اليها .
طبعا يجب التمييز بين الحكم العقلي والحكم التكويني كما نميز بين الحكم العقلي والحكم الشرعي ، الحكم العقلي ايضا يختلف عن الحكم التكويني ، مثلا المغناطيس يجذب الحديد وهو امر تكويني والعقل يدركه ، فاذعان العقل يسمى بالحكم العقلي هذه الامور من ابجديات بحث المعارف ويجب الانسان ان يلتفت ويتنبه اليها .
الحكم العقلي ايضا بدوره ينقسم الى حكم العقل النظري اي وجود وعدم ونفي واثبات والى الحكم العقلي العملي اي ينبغي ولا ينبغي وحسن وقبح ، فالحكم العقلي يختلف عن الحكم التكويني ، في الفيزياء يقولون طبيعة الحرارة تمدد وطبيعة البرودة تسبب انقباض الاجسام هذا امر تكويني يدركه العقل نعم هناك تطابق بين الحكم العقلي والتكويني هذا صحيح ولكن هناك فرق بين الحكم في الذهن والخارج ، مثلا في باب المعارف يقولون ان احكام الاخرة والبرزخ تختلف عن احكام الدنيا ولم يقصدوا الاحكام الشرعية وانما مقصودهم الاحكام التكوينية فهي تختلف وكذلك في عالم القيامة الاحكام التكوينية تختلف يقولون في باب المعارف والعقائد ليس مجال للاحكام الشرعية العرفية الاعتبارية القانونية ونحن الان في صدد شرح النظريات وليس المتبنيات .
الان مثلا في علم الاصول حجية القطع ليست اعتبارية شرعية وانما عقلية او تكوينية فما العلاقة بين حجية القطع والحجية الظنية سنخا ونوعا ؟ فهل اذا كان القطع حجية تكوينية وعقلية معناه ان باب القطع واليقين يستغني عن الوحي؟ كلا ، اصلا المتكلمون والفلاسفة يثبتون حاجة البشر الى وحي السماء وهي احد ادلة النبوة وما كنا لنهتدي لولا ان هدانا الله هذه جملة خبرية حقيقة تكوينية ، البشر اول ما يترعرع يحتاج الى ان يذهب الى ابتدائية ومتوسطة يعني التراكمات وتجارب علوم الاولين هي معلم للتالين من البشر الان في علم الفيزياء والرياضيات ليس هناك حجية الشرعية وقانونية اعتبارية وانما نظام البحث في علم الفيزياء هو نظام عقلي ادراكي ولكن هذا لا يعني استغناء البشر عن المعلم ، فالمعلم ضروري من الضروريات والا البشر كيف يستوعب هذه الجهود العلمية من البشر السابقين فكون علم الفيزياء والتجريبيات والرياضيات والكيمياء والاحياء والهندسة علوم تكوينية لايستغني فيها البشر عن المعلم؟
اليس النبي عيسى فاق في الطب البشري؟ اذن اتجاه البشر حتى في مخزون تجاربهم لابد ان يكون للوحي ، عندنا روايات ان قفزات البشر في معيشتهم التمدنية او الحضارات المختلفة اساس بركاتها هو ان الانبياء علموا البشر هذه القضايا التجريبية كما ان امير المؤمنين علم العلوم اللغوية كالنحو والصرف وما شابه ، فاذا العلم تكويني عقلي لكن مع ذلك لا يستغني فيه البشر عن المعلم بل لا يستغني فيه البشر عن معلم وحياني فضرورة وجود المعلم الوحياني امر وكونه علم تكويني عقلي امر اخر .
اذن دور المعلم ان يعلمك المعادلات والقواعد والتكوينيات والا بدونه انت تضل الطريق من جانب اخر وضرورة الوحي ان تترتب عليه العقوبة من الله والثواب من الله وبالتالي هناك مساحات غيبية البشر لا يستطيع ان يصل اليه وباعتراف ابن سينا يقول الى زمانه لم نستطع ان نكتشف او ندرك دليل على المعاد الجسماني ونحن مضطرين ان نصدق سيد الانبياء بشكل اجمالي طبعا ابن سينا معاصر للشيخ الطوسي والعجيب انه حبس نفسه على كتب الفلاسفة فقط لكن لو قرأ كتاب الاعتقادات لوجد ان الصدوق يشير الى دليل عقلي كشف عنه القرآن والنبي في المعاد الجسماني وهذا البرهان غفل عنه المتكلمون قاطبة وكذا غفل عنه فلاسفة الشيعة وغير الشيعة والى يومنا هذا هم غافلين عنه بينما هو برهان اشار اليه القرآن والتفت اليه الصدوق .
الشيخ الصدوق دقته في العقائد عجيبة غريبة وسببه ادمانه في القراءة العقلية لمواد الوحي في العقائد ومع احتراماتنا للشيخ المفيد ودوره العظيم لكن انتقاداته لاعتقادات الصدوق كثير منها خاطئة مبنية على منهج المتكلمين من نتاج البشر فالمقصود ان هذا البرهان مغفول عنه الى يومنا هذا وفلاسفة الشيعة والحوزات العلمية غافلين عن هذا البرهان مع انه اشار اليه الصدوق والتفت اليه الحر العاملي لانه عاكف على القراءة العقلية وابن سينا مئة سنة بعد الصدوق يقول الى الان البشرية لم تتوصل الى برهان على المعاد الجسماني وحتى ملا صدرا البرهان العقلي الذي اتى به على المعاد الجسماني فيه غموض كثير بغض النظر عن صحته وعدم صحته بينما هذا برهان سهل المأخذ اشار اليه القرآن والنبي فهو بحث عقلي تكويني لكن بارشاد من الوحي فمن استرشد الوحي وصل اليه ومن لم يسترشد لم يصله .
فإذن كون الأحكام في العقائد ليست شرعية اعتبارية هذا لا يعني عدم ضرورة الوحي هداية وارشادا وعقوبة ومثوبة ومن جانب اخر المحقق الاصفهاني عنده نظرية في قاعدة كل ما حكم به العقل حكم به الشرع اي انه الاحكام العقلية هل تستتبع احكاما شرعية ام لا؟ هو يقول كلما حكم به العقل لا اقول حكم به الشرع اعتبارا قانونيا وحتى الشيخ المظفر يذهب الى نفس المبنى وانما يقول كل ما حكم به العقل وافقه الوحي كما هو الحال في علم الكلام فوافقه الوحي في العقوبة والمثوبة ووافقه في الادراك والحجية ولكن ليس بمعنى انشاء اعتباري كما في الاحكام الشريعة .
هذه النظرية بغض النظر عن صحتها وسقمها في الفروع والتي يلتزم بها المتكلمون او الفلاسفة والعرفاء في علوم العقائد والمعارف انه في هذه العلوم لا نحتاج الى وساطة الاعتبار والقانون ولكن نحتاج الى الوحي ولكن ليس بمعنى الوساطة وهذا بحث حساس في المعارف ويجب التأمل فيه لانه هناك خلط بين طبيعة علم الفقه مع علم العقائد وعلم الكلام وفقه القلوب وهذا الخلط يسبب التشويش كثيرا ما فيجب التمييز بينهما وهذا البحث وراء علم الاصول وخزائن علم الاصول وموجودة في علم الكلام .