46/05/23
الموضوع: نظام العلوم القلبية و موازينه
مر بنا انه لا يظنن ظان ان هذه الرواية شاذة وانما لغة الرياضة القلبية والروحية والمعرفة بالقلب هذا النظام موجود في الوحي الالهي بشكل متواتر قرآنيا وروائيا في سنة المعصومين ، نعم لم تتكاثف وتتكاثر جهود الاعلام في الحوزات العلمية عليه وكما مر بنا بعض الاساطين خاضوا وذكرنا اسماءهم ولكن الكثير سواء من اصحاب الائمة عليهم السلام او علماء الغيبة الصغرى والكبرى لم يخوضوا فيه ولم تتكاتف الجهود وهذا سبب نوعا من هجران هذه العلوم .
نعم خاض فيه السيد ابن طاووس وشيئا ما الشهيد الثاني والمجلسي الاب والشيخ البهائي وخاض فيه السيد علي خان صاحب كتاب رياض السالكين في شرح الصحيفة السجادية وخاض فيه السيد بحر العلوم وكذلك هناك كتاب للسيد اليزدي وان لم يكن ينشر فايا ما كان قليل من الاعلام كتبوا او خاضوا في هذا العلم بل كثير من الذين خاضوا لم يكتبوا بشكل علني وانما بشكل تكتمي لان هناك حالة من التحفظ والخوف والحذر في الجو العلمي على هذه العلوم ظنا او وهما بان هذا يؤدي الى التصوف .
لكن الصحيح انه ليس كذلك فكما ان في كل العلوم مثلا علم الفقه هناك فقه جعفري وفقه المذاهب الاخرى وفي علم الكلام ايضا هناك علم كلام امامي ومدارس اخرى وكذلك في التفسير وفي كل علم هناك مشرب ومرام ومنهاج لعلماء ولائمة اهل البيت عليهم السلام وللوحي والقرآن وهناك مرامات بشرية اخرى تشط بعيدا او قليلا وهلم جرا ، فهذا ليس عذر ومانع من الخوض في هذا العلم لا سيما مع الضرورة الملحة .
وكما مر بنا مرارا ان من الامور العظيمة التي يشير لها الامام في هذا البحث ان المواهب اللدنية استمطارها من الله ، حيث يقول الامام الصادق اذا صنع كذا كذا صار من اهل الفوائد وتكلم بالحكمة ولكن ليس في صدر الامام الصادق انه اذا هذا الشخص وصل الى هذه المقامات اصبح من الانبياء او الرسل او الائمة او الاصفياء فهو ليس نبيا ولا اماما ولا رسولا ولا حجة ولا صفيا يعني لم يصر الى هذه المقامات لكن هذه مواهب من الله وهناك دعوة من الله الى هذا الباب كثيرا كثيرا في القرآن .
الاية مئة وخمسة وثمانين من سورة الاعراف : اولم ينظروا في ملكوت السماوات ، ما الفرق بين النظر والرؤية؟ رب ارني انظر اليك ، المرحوم الكمباني يقول فانظروا الى رجل روى حديثنا وعرف احكامنا ونظر في حلالنا وحرامنا نظر يعني فهم وتدبر وليس فقط راوي يجمع الروايات وانما يحللها ويكون صاحب ذوق وسليقة ويرتبها وينظمها لا انه بشكل عمياوي سطحي ساذج .
او لم ينظروا في ملكوت السماوات ، الان اصل السماوات بالنسبة الينا ملكوت ولكن الله يدعونا الى ملكوت هذه السماوات حيث بالنسبة الينا السماء الثانية والثالثة ملكوت فالله تعالى يطالبنا بالنظر الى ملكوت الملكوت ولم يقل الله اذا نظرتم الى ملكوت الملكوت ستكونوا انبياء او رسل او حجج ولكن هذا برهان لا اقل لنفسك او لا اقل تستطيع ان تستخرج من هذه المشاهدة الملكوتية القلبية براهين فكرية ، فمشاهدة الانسان للغيب ليس بالامر الممتنع وهذا موجود في تواتر روايات الفريقين فيمكن للانسان بمجاهدة القلب والرياضة يحصل عليه وهذا علم موجود بنظامه في القرآن وسنة المعصومين ويمكن للانسان ان يخوض فيه علميا .
متل التشرف برؤية صاحب العصر والزمان اذ كل علماء الاصول في مبحث الاجماع قالوا بان التشرف ممكن ويقع ويعبرون عنه بالاجماع التشرفي ولكن حجيته للذي يتشرف واما غيره فلا يكون حجة عليه هو ليس سفير ولا باب ولا نيابة خاصة ولا تمثيل رسمي ولكن يمكن للذي حصلت له التشرف بالساحة المقدسة ان يستنبط ويتنبه فكريا الى دلائل في القرآن وفي السنة القطعية للمعصومين بما يفيد هذه المعارف ، فهي بنفسها ليست حجة وليس لديها دور تمثيلي رسمي .
او انه يشاهد الغيب ففي زمن النبي ذلك الشاب الانصاري رأى الجنة ومن فيها ورأى النار ومن فيها قال ان شئت يا رسول الله اخبرك بمن في اصحابك من اهل الجنة ومن من اهل النار فاسكته النبي فهذا الذي يرى يستطيع ان يستنبط من محكمات العقل او محكمات القرآن ففائدة المشاهدات المكاشفات اذا كانت حقه ونورانية وربانية هي في نفسها بل حتى ليست حجة على الذي يشاهد الا بمطابقتها الى محكمات القرآن ومحكمات سنة النبي .
القيصري شارح فصوص ابن عربي في مقدمته يعترف ان عند كل العرفاء والصوفية مكاشفات البشر لا تكون حجة الا اذا عرضت على الثقلين فان طابقت الثقلين فبها والا فلا .
اذن ما هو دور المشاهدة والمكاشفة او التشرف ؟؟ دوره ان ينبهك لما في الثقلين من حجج وبراهين ما كنت لتهتدي الى تلك البراهين لولا المشاهدة والتشرف ولذلك الرؤى في المنام هناك من لايفرط فيها ويثبتها وهناك من يفندها ، نحن نقول لا هذا ولا هذا فالرؤيا ليست حجة ولكن في بيان الامام الصادق الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزء من النبوة ، فهذا ليس معناه النبوة وانما نوع ايحاء ولكن بشرط ان تعرف انها صادقة مع ذلك مدار الحجية ليست الرؤيا ولا الرأي وانما العرض على الكتاب وسنة المعصومين فلم يقل النبي اني تارك فيكم الرؤى ولا تارك فيكم عقولكم نعم العقل والقلب لهما دور لكن منبع الاخذ هو الثقلين .
اجل المخاطب هو العقل والقلب معا وليس العقل الفكري والنظري فقط بل حتى القلب مخاطب فاذن دور المكاشفة ان الذي تحصل لديه المكاشفات والمشاهدات اكثر حذاقة وحصافة وتنبه ويقظة في استنباط الحقائق من الكتاب والسنة من غيره ولكن شريطة ان يكون بالموازين فعملية المعرفة القلبية بنفسها تسبب لوذعية الفكر وتساند القوى الاخرى والا المعول اولا واخيرا فقط الكتاب وسنة المعصومين ولكن هذا الاغتراف من الكتاب والسنة تختلف فيه القدرات شريطة العمل بالموازين .
لذلك يقولون اعلم وغير اعلم وهذا معناه ان القدرات تختلف فالموازين ما تختلف ولكن القدرات تختلف فدرك الموازين ليست على قدرة واحدة مع ان الموازين متفقة والا هل الاعلام يتخذ من كيسه ميزانا ؟؟ كلا ، فالاقرار بوجود الاعلمية يعني ان الموازين موحدة لكن القدرات غير موحدة وهذا شأن كل العلوم مثل الفيزياء والكيمياء والرياضيات والاقتصاد والمحاسبة وتصنيع الصواريخ الصوتية وغير الصوتية . فقدرات البشر تختلف انما العلم واحد لكن الوصول الى درجات هذا العلم ليس واحد .
فالكتاب والسنة هي المصدر لكن اغتراف الناس يختلف رب حامل فقه الى من هو افقه منه ، هذه خطبة النبي في حجة الوداع رواها الفريقان وتدل على ان الافهام تختلف .
اذن احد فوائد علوم الرياضات القلبية والروحية زيادة المعرفة وعلاوة على المعرفة ان القوة الفكرية تنشط اكثر والحذاقة تنشط اكثر والجربزة الفكرية تقوى اكثر ، كما انهم في الرياضات الروحية يقولون الجربزة الفكرية القوية تذكي يعني اذكاء يعني تقوي القلب كما ان القلب يقوي الفكر ، فالفكر ايضا يقوي القلب فكل يقوي الاخر .
لاحظوا قوله تعالى ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد ، ما الفرق بين يتفكرون او له قلب؟ لماذا باين بين الطريقين وقال لمن كان له قلب او القى السمع؟ فلماذا قيد القى السمع وهو شهيد؟ فهل السمع يلقى؟ شبيه الاية لا تمدن عينيك فهل العين تمد ؟؟
وهو شهيد يعني هذا تنوع الادراك يشير له القرآن الكريم وسماه علم حصولي اما القلب علم حضوري ، وهذا باب واسع لا يمكن ان نتنكر لوجوده في نظام الوحي نعم هو بحاجة الى نظام وتكاتف جهود .
ففي هذه الرواية يفيد الامام الصادق ان المواهب اللدنية مثل مقام الحكمة ومقام اتيناه اياتنا ومقامات اخرى فان هذه المقامات لغير المصطفين يمكن ان تسلب ولا يثبت عليها الانسان وورد عن الصادق والباقر عليهما السلام او عن احدهما ان المغيرة ابن سعيد كان من خواص اصحاب الباقر ومن تلاميذه في هذا المجال بل البعض مال الى انه كان نائبا خاصا كما نحن نذهب الى وجود النواب الخاصين في زمان كل معصوم وهذا غير النواب العامين ولكنه انحرف وكان انحرافه كانحراف بلعم بن باعورا .
فالمغيرة بن سعيد العجلي اوتي الايات وكانت لديه نيابة خاصة ولكنه انحرف ومر بنا النيابة الخاصة نوع من الارتباط الروحي النوري بين النائب والمعصوم ولكنه انزلق وهذا ورد في الكشي وغير الكشي وهذا بيان واضح ان النواب الخاصين ليسوا محصونين بالعصمة وانما لا بد ان يستقيمون كما هو الحال في الفقهاء بانه لديهم نيابة عامة عن المعصومين ولكن بشرط العدالة وبشرط الاستقامة على العدالة ولا يمكن ان ينعطف احدهم عن العدالة.
فكون له منصب لا يعني العصمة المهم ان هذه المواهب اللدنية من الله مواهب ملكوتية وهذه ليست منح اعتبارية وصلاحيات اعتبارية وانما هي صلاحيات تكوينية وعطايا من الله بابها مفتوح .
نقرأ في سورة المعارج : سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج ، فالحارث ابن النظر الفهري هذا اعترض على النبي بعد حادثة الغدير وقال يا رسول الله انت وعدتنا ان كلنا سواسيا والمسلمون سواسيا لكن شيئا فشيئا صار حمز سيد الشهداء وصارت فاطمة سيدة النساء وصار علي سيد الاوصياء وصار الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة ، وهؤلاء كلهم ليسوا اسياد فقط في الدنيا بل في الدنيا والاخرة والبرزخ والجنة فانتم ميزتم انفسكم فاين السواسيا؟ واين الوعود السابقة التي وعدتنا؟
فمكث رسول الله هنيئة ثم قال هذه المناصب ليست ايثار مني لقرباي وانما من الله فهل نعترض على الله؟
والجواب الثاني من النبي ان منح الله ومواهبه لا تنفذ فلا تظن اننا نستحوذ على خزائن الله ونمنع خزائنه من ان تعطى لغيرنا ، الان مثلا مريم اعطيت ولقمان اعطي ... فمحصل الجواب الثاني لسيد الانبياء ان مواهب الله لا متناهية فانت لو ثابرت في التقوى وفي العمل الصالح والايمان يهبك الله هبات معنوية ... فقال له رسول الله لم انت تستبخل الله وتحدد خزائن عطاياه ؟؟ فانت جد ويعطيك الله يعني باب المواهب اللدنية من الله حتى لغير الانبياء والرسل والائمة ولغير الحجج المصطفين مفتوح ، ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن ثم العطايا كثيرة .
انا شخصيا طالست علماء كثيرين وصالحين ذوي صلاح رفيع جدا يلاحظ الانسان عندهم قدرات تكوينية لدنية وعندهم انواع الاتصالات مع الغير مختلفة تماما فليسوا كلهم على وتيرة واحدة ومع ذلك كل منهم لا يلتفت الى الاخر فكل في عالمه ، فطبيعة المواهب كثيرة ومتنوعة فهنا يشير الامام الصادق في هذه الرواية ان هذه المواهب الوصول اليها ايضا باليات متعددة وليس بالية واحدة وبسبل متعددة .
مثلا مقام الحكمة القرآن ذكر انه من طريق الاحسان ولكن الامام الصادق يقول هناك طريقة اخرى لمقام الحكمة وهي طرق الرياضية التكوينية هذه الاليات نعم هي صحيح باشراف الوحي ولكن ليس بمعنى التشريع وانما ارشاد الى امر تكويني وهذا بحث معقد انه ما الفرق بين باب العقائد وفقه الفروع ؟ فقه الفروع تشريعاته حكم اعتباري وهلم جرا واما باب العقائد حقائق ولكن ليس شريعة وانما ايمان والايمان غير الشريعة الايمان بالعقائد معارف تكوينية فكيف هذا التصوير؟
المتكلمين وقاطبة الفقهاء يقولون ليس هناك حكم اعتباري في باب العقائد انما الموجود هو ادراك لحقائق تكوينية كشف عنها الوحي ، فالوحي له دور ولكن ليس دوره كدوره في فقه الفروع والاحكام الاعتبارية وانما نظام اخر.
في العقائد وفي علم الكلام وفي علم القلوب للشارع الارشاد والاشراف والهداية ولكن ليس بنحو فقه الفروع ومن ثم الوحي يسمى هذا المجال بانه وان لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا فهنا عبر عنها الشرع بالطريقة فهذا ليس اصطلاح صوفية وانما هم سرقوه فهذه حقائق وهي ولاية امير المؤمنين .
سئل امير المؤمنين هل رأيت ربك؟ قال نعم ولكن رأيته بحقائق الايمان ، هذه اصطلاحات وحيانية سرقها الصوفية ويجب ان نؤمن بها لا ان نكفر بها فهناك حقائق الايمان وهناك طريقة في القلب كما ان المتكلمين قالوا ان العقائد ليس فيها تشريع فروع وانما فيها حقائق المعارف تكوينا وادراك هذه باستعانة من الوحي .
نعم الوحي له دور لكن ليس كدور الفروع فالهادي هو الوحي والمتعلم هو القلب ولكن دور الشرع في العقائد وفي القلب غير دوره في الفروع لا ان الوحي يقصى ذلك كما يدعي الفلاسفة او جملة من الصوفية والعرفاء فالوحي هو المعلم الاول والاخر ولكن دوره في العقائد وفي القلب يختلف عن دوره في الفروع هناك اعتباري هنا تكويني فما هو النظام التكويني في الهداية لدى الوحي ؟