46/05/21
الموضوع: ضرورة معية علم الكلام وعلم القلوب في المعرفة
لا زلنا في هذه الرواية الشريفة التي يبين فيها الامام عليه السلام جملة من الامور المرتبطة بالرياضات القلبية وانه من الامور التي تسترعى الانتباه ما مر بنا ان في صدر الرواية الكلام عن توحيد الله وتجسيمه ومع ذلك الامام ربط البحث بالرياضات القلبية مما ينبه انه اذا كان الامر في التوحيد هكذا فكيف بكيف النبوة والامامة والمعاد وكيف يتسنى للانسان ان يحصر هذه المعتقدات بالاداء الفكري؟
طبعا كيف يكون الربط بين التوحيد والادراكات القلبية ؟ الربط بكل اختصار ان القلب يدرك ما لا يدركه الحس فادراك القلب اوسع مدى من مدى الحس فعليه كيف الباري تعالى يحصر في المدى الضيق للحس والمحسوسات وينحسر عن العوالم الاخرى ؟؟ فهذا ينبه على انه لايكفي البحث في المعارف في التوحيد والنبوة والامامة والمعاد ان نقتصر على اللغة الفكرية للعقل النظري نعم العقل النظري لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها يعني يمكن ان تترجم بلغة عقلية وفكرية ولكن العقل النظري الفكري منبع لا متناهي هذا شيء وقدرة الانسان ان يستعصم للتمسك بالحق والحقيقة فقط بالعقل الفكري هذا شيء اخر ومحل تأمل .
بلا تشبيه القرآن فيه كل صغيرة وكبيرة وتبيان لكل شيء لكن هذا الكتاب العظيم ليس بامكان البشر من دون معلم عظيم ان يستخرج كل ما فيه كلا فالنقص ليس في الكتاب وانما النقص في الانسان فلا بد ان ينضم الى هذا العظيم الثقل الاخر فالكتاب العظيم يحتاج الى معلم عظيم لا لنقص في الكتاب وانما النقص في البشر لانه ليس من قدرته استخراج المعاني منه .
لذلك البشر في كل مراحل التعليم الاكاديمي او غيره لابد ان يستعين ببشر فهذا ليس الغاء لعقل التلميذ ولا يتوهم هذا احد انه استعباد للتلميذ وجعل عبودية للمعلم؟ فما بال الرجوع الى الانبياء او الوحي او الائمة يطعن عليه بذلك ؟ فهنا ليس التعليم معناه ان تشطب عقلك ولا ان يستعبدك بالعكس هو يصعد وينمي من عقلك وعلمك بالاستعانة به .
اذن النقص ليس بالكتاب وانما في قدرة الانسان وهكذا في العقل الفكري والقلب فالعقل الفكري بامكانه تغطية كل المساحات ولكن الانسان ليس لديه القدرة لو تفرد بالعقل الفكري ان يكتشف كل الامور لا ان العقل الفكري ليس فيه القدرة ، كلا ! العقل عين مسلح لكن هذه العين المسلحة ليس من قدرة الانسان ان يستثمرها بما لها وفيها من كل القابليات الا ان يضم اليها القلب او رياضات القلب او علم القلب والعلوم القلبية والعلوم الرياضية القلبية فهذه ضرورة ملحة .
هذا ليس عرفان وليس تصوف وانما الكلام يعتمد اولا واخرا على الفاظ الوحي ومباحثه وليس على نتاج البشر فاولا هذه ضرورة ثم الاعتماد يكون على الوحي فلا يمكن ان نؤمن ببعض الوحي ونكفر ببعضه كما ان الوحي له لغة فكرية وعقل نظري وهلم جرا وكذلك له لغة رياضات روحية .
اذن هذه الرواية فيها بيان عظيم بان المعرفة الايمانية بالتوحيد وبقية اصول الدين لا يتم بالعقل الفكري والنظري وهذا ليس قصور في العقل النظري ولكن الانسان عنده قصور يجب ان يستعين بقوة القلب والرياضات القلبية والروحية كي يتمكن ويتسنى له معرفة اصول الدين على ما هي عليه فلو اقتصر على مدركات لغة علم الكلام لكان الانسان مقصرا في المعرفة .
هذا شبيه من يعتمد على علم الكلام من دون ان يذهب الى الايات والروايات وطبعا علماء الكلام لم يكفروا بالايات والروايات ولكن العصمة لاهلها هم بذلوا وسعهم ولذلك لا يجوز التقليد في العقائد فانت ولو كنت من العوام يلزمك الرجوع الى مصادر الوحي والاستعانة ايضا بالعلماء فلا تكتفي بالاستعانة بالعلماء من دون الوحي ولا تكتفي بالوحي من دون ان تستعين العلماء وانما لابد منهما معا وهذا ليس فقط للعوام بل هذا المنهج والنظام ملزم به اعلم العلماء فالنظام واحد بين العلماء والمجتهدين وبين عوام المؤمنين فالعلامة الحلي او الشيخ المفيد او الشيخ الطوسي او السيد المرتضى هل لهم ان يكتفوا بكلام العلماء عن البحث العلمي؟ كلا ليس لهم ذلك ، وهل لهم ان يكتفوا بالروايات والكتاب دون ان يرجعوا الى العلماء والاستعانة بجهود العلماء ؟ لا يجزيهم سواء في العقائد او في الفروع او في اي علم من العلوم الدينية ، فاذا كان العلماء ملزمين بذلك فكيف بعوام المؤمنين نقول لهم اقتصروا فقط على كلمات العلماء او من تقلدوه في الفروع كلا لا يمكن ذلك وانت مسؤول في الارجاع الى العالم في الفروع فقط اذ لا يكون هناك تقليد في الاعتقادات .
الميزان ان لا يستبد اي مكلف عالما كان او غير عالم بالرجوع الى الوحي ولا يقتصر ايضا بالرجوع فقط الى كلمات العلماء وانما يجب ان يجمع بينهما فالمسألة ليست مجاملات ومداراة وانما موازين شرعية فكما يلزم بالرجوع الى مصادر الوحي هو المكلف يلزم عليه ان يرجع الى كلمات العلماء ويستعين بها ولا يقتصر على احد الجانبين دون الاخر لا على الكتاب بمفرده ولا على الرواية بمفردها ولا على العلماء بمفردهم فضلا عن ان يقتصر فقط وفقط على من يقلده في الفروع .
هذه ليست مجاملة هذه موازين والكل صرح بها فلا يمكن ان نقفز عليها هذي موازين شرعية سيما في العقائد حيث هي اخطر مسؤولية للمكلف تجاهها من المسائل الفرعية ، اذا كانت المسائل الفرعية لابد من الميزان والشروط وشرط المقلد والمقلد فكيف بك بالعقائد؟ العقائد المسألة والتدقيق والمسؤولية فيها اشد بمراتب واضعاف على الفروع وان كان كل منهما مسئولية وكل منهما لابد من الرعاية فيها وليس مجاملة وتملق في الباب فالموازين الشرعية خارجة عن باب المصالح والمجاملات والتملقات الموازين الشرعية يجب التقيد بها .
هذه الرواية موازينها العظيمة انك لا تكتف بلغة علم الكلام في العقائد وانما يجب ان ترجع الى لغة القلب وبلحاظ الوحي انا لا استطيع ان اقول ان منهج عبدالله بن عباس يكفي في العقائد وانما منهج سلمان المحمدي لابد منه وكذلك منهج ميثم التمار ومنهج حبيب ابن مظاهر كل له مجاله ولا يمكن ان اجعل من عبد الله بن عباس المنهج الوحيد الذي يجتزى به كله ، هذا لا يكفي ، كذلك منهج هشام ابن الحكم وهشام ابن سالم ما يكتفى به وانما منهج جابر ابن يزيد الجعفي لابد منه وكذلك منهج مفضل ابن عمر ومنهج صفوان ابن يحيى هذه المناهج شيدت على يد ائمة اهل البيت ، منهج ابو ذر لابد منه ولكنه ليس بكافي .
وثانيا نحن كلامنا في الائمة وليس في ابي ذر ، الائمة ربوا سلمان ومقداد وابي ذر ومقداد وعمار فمجموع هؤلاء مدرسة ال البيت وليست مدرستهم احد هؤلاء ، .
القرآن كما ذكر محاججة الانبياء بلغة علم الكلام ذكر ارهاصات رحيل الانبياء فكما ان للقرآن نزول فكري باللغة الفكرية والمعنوية فالقرآن له نزول قلبي وكما ان هناك منح ونعم الهية ذكرها القرآن تنزل على جهاز الاستقبال عند الانسان اللي هو العقل الفكري كذلك القرآن ذكر جهاز يستقبل المنح الالهية والمواهب اللدنية وهو القلب والروح اما ان نستخف باحد الطريقين فهذا خطأ فكل منهما لابد منه .
لاحظ هنا الامام الصادق عالج شبهة التجسيم بمدارس الرياضات القلبية فهذا امامنا نأتم به ولا نأتم بك انت ، افترض مذاق المرحوم النجاشي او الفضل ابن شاذان في الجرح والتعديل للرواة فهؤلاء اصحاب الائمة وكلهم مرضيون عندهم لذلك لاحظ في نفس كتاب كفاية الاثر في النص على الائمة الاثني عشر لمحمد ابن الحسن الخزاز الذي هو زميل الصدوق والمعاصر له في نفس هذا الكتاب وايضا في الكشي موجود انه لو علم ابوذر بما في قلب سلمان لقتله وفي هذا الكتاب كفاية الاثر يبين هذا المطلب انه لو علم سلمان بما في قلبه مقداد لقتله والعكس لو علم المقداد بما في قلب سلمان لقتله هذا ليس نقص في سلمان وانما الكمال الجمعي هو عند المعصوم .
مثلا يريد المعصوم يقول في مادة الفيزياء فلان الاول وفي المعدل النهائي لكل مواد سلمان فائق وهذا يحصل حتى في الدراسات الفكرية والاكاديمية فتجد احدا عنده مواهب معينة ولكن مجموع المواهب لشخص اخر واهل البيت ينبهون هذه الامور لا لاجل الاستنقاص من اصحابهم وانما لكي يقولوا ان المنهج الجامع لا يقتصر على منهج ومنهجين وثلاثة واربعة .
وخير شاهد على هذا المطلب انهم ربوا اصحاب مناهج مختلفة نعم العقائد واحد لكن ادراك هذه العقائد الواحدة بلغات متعددة كلغة عقلية قلبية روحية مختلفة والا المعتقد واحد والية المعرفة والحقيقة واحدة يعني النهج واحد لكنه ربما اليات الادراك له بلغة عربية فارسية انجليزية من باب التشبيه ، فلا يصح الاقتصار على لغة علم الكلام وليس هذا للنص في علم الكلام او في اللغة الفكرية لكن البشر ليس بامكانهم ان يستخرجوا كل حقائق علم الكلام الا اذا استعانوا مثلا بعلم فقه القلوب وعلم الرياضات الروحية والعلوم الاخرى فاذا اكملت نقص ما لديك في بعض العلوم بعلوم اخرى هنا يجتزأ ويكتفى به.
لذلك في تعريف علماء الكلام لحقيقة الامامة تجد تعريفات جافة بعيدة عن عالم الملكوت بينما في الايات والروايات التركيز على تعريف حقيقة النبوة والامامة في عالم الاحوال القلبية والرياضات القلبية يعني القلب في ادراكه اقرب الى اجواء هذه العوالم نظير ما ذكره الشيخ الانصاري من روايه في كتاب المكاسب ان قوما اعترضوا على نبيهم بانك تتكلم عن الغيب والاخرة والمعاد فقط بلغة فكرية هلا اوجدت الينا احساسا روحيا بهذه العوالم فاحدث الله تكوينا الرؤيا فعلم الرؤيا ليس نبوة ولا امامة ولا وحي ولكن الرؤيا فيه يقين دامغ بان عوالم الانسان لا تقتصر على هذا العالم المادي ، فعالم الرؤية يفيد انك ايها الانسان لا عذر لك في الاقتصار على العالم الحسي المادي وانما عندك عوالم اخرى ، فانت لست بنبي ولست بوصي نعم هذا كله صحيح لكن لا تدعي انه ليس هناك عالم غير هذا العالم الحسي لانك كاذب ، فعالم الرؤيا يشرفك على ان هناك عوالم غيبية اجمالا فالرؤيا برهان قطعي وهناك سورة كاملة عقدها القرآن من اولها لاخرها حول عالم الرؤيا وهي سورة يوسف تجد من بدايتها للنهاية كلها في الرؤيا نعم هو نبي لكن النبي يحتاج الى برهان بما هو حجة نعم نحن لسنا بانبياء وائمة هذا كله صحيح ولكن عالم الرؤيا يبين لك ان هناك عوالم غيبية اخرى ولها شؤون اخرى ليس عالم المادة الثقيل فقط وانما فيه غيبيات اخرى .
فهذا المقدار لا يمكن انكاره فهذه الرواية الشريفة تبين ان الاقتصار في المعارف على لغة الكلام غير مجزئ لانه قد يقود الى الانحرافات بل لا بد من جمع علوم متعددة في المعارف بموازين الوحي وبلغته فلا تقل ان لغة الوحي هي على شاكلة واحدة لانك تربيت وترعرعت على لغة علم الكلام وعلم الفقه فتنحصر به كلا هناك لغات اخرى علمية استخدمها الوحي وانت ملزم ان تتعرف عليها .