46/05/09
الموضوع: المواهب اللدنية و الامتحانات الإلهية
كنا في هذا الحديث الشريف وفي ذيله الامام الصادق يبين ان المواهب اللدنية متعددة : من حكمة وعلم لدني ومقام الصديقين وهو مقام عظيم فالصديق لا يغسله الا صديق مما ينبه على ان مقام الصديق وان كان منه درجة اصطفائية ولكن منه ما هو اعم ، فمقام الصديق ليس فقط ملكة نفسانية وروحية بل هو ايضا في الحقيقة موهبة لدنية و سبق انه هبة ملكوتية من الله لا يعني الجبر .
الان مثلا قوله تعالى ان تنصروا الله ينصركم ويثبت اقدامكم مع انه قال وما النصر الا من عند الله او وما رميت اذ رميت ولكن الله رمى او قاتلوهم يعذبهم الله بايديكم ، ففي حين هو فعل الله لكن جعله الله معلقا على فعل العبد ، فرهن عند الله تكوينا وتشريعا بفعل العبد ، فمن جهة تقول هذا فعل الله ولكن ليس معناه الجبر وانما متعلق بفعل الانسان .
من ثم مر بنا ان الاصطفاء فعل الله وليس فعل البشر ولكنه ليس جبر ... فعلمت منهم الوفاء به فاصطفيتهم ، فالاصطفاء الذي هو فعل الله معلق ومرهون بفعلهم المستقبلي ، فعلم الله بانهم ينجحون في الامتحانات التي يسقط فيها عامة البشر فيجازيهم قبل الفعل فالاصطفاء فعل الله ، وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من امرهم ففي حين انه نصب الامام من الله وكون النبي نبيا رسولا والاصطفاء والمصطفى والحجة هذا صحيح لكن في حين ذلك هو فعل الله وليس فعلهم لكن الله جعل اناطة ذلك بفعل العبد ، فمن جهة تستطيع ان تقول هذا فعل اختياري للعبد مثل الرزق هو فعل تكويني لله لكن الله اناط الرزق بسعي العبد فكون الفعل لله لا يعني الجبر ولا يعني انه بيد البشر وانما امر بين امرين .
فاذا بلغ الانبياء النبوة والرسالة وبلغ الائمة الامامة وبلغ الحجج المصطفين الاصطفاء ليس مجانا وانما بمكابدة وامتحانات فازوا بها وعلم الله فوزهم ووفاءهم وصدقهم فاصطفاهم من البداية ، يا ممتحنة امتحنك الله قبل ان يخلقك فوجدك لما امتحنك به صابرة .
اذن الاصطفاء لا ينافي انه مترتب على افعال اختيارية عند المصطفين مع انه فعل الله وليس فعل البشر ومع ذلك ليس جبر فهذه زوايا عديدة لابد من الالتفات اليها .
هذا كله في الاصطفاء كذلك في المواهب اللدنية اذا كنت طامع في الملكوت فالله تعالى يعطيك ولكن لابد ان يكون منك حركة ، وان كان يجب ان لا تكن محط نظر للذي يرتاض في الرياضة القلبية والروحية والنفسانية ولكن هي بالتالي موجودة واحد ثمار الرياضات القلبية والروحية والنفسانية هو انفتاح الملكوت للانسان وهذا الانفتاح لا يجعل من الانسان حجة اصطفائية يعني بين افراط وتفريط فبين ان نقول انفتح له الملكوت هذا نبي من الانبياء والعوام عادة هكذا يقولون ويقولون ان هذا حجة من الحجج ، ولكن هذا خطأ سواء حصلت له كرامات او مقامات ام لا فهذا لا يعني الحجية نعم هي كرامة من الله لكن ليست حجة ، فالحجة شيء والكرامة والموهبة اللدنية من الله شيء اخر .
القرآن الكريم يبين في موارد عديدة ان الانسان قد يرتقي الى الذروة لكنه يسفل بدل ان يرتفع كما يحذر الامام الصادق .
فمن اخذ بهذه السيرة ...
فهنا سمى الامام الصادق الرياضات الروحية والقلبية والفكرية والنفسانية سماها بالسيرة وهذا الاصطلاح يبين معنى السيرة عند الامام الصادق فسمى الرياضات بالسيرة ، فسيرة النبي يعني لاحظ الرياضات الروحية والنفسانية والقلبية والعبادات هي رياضات اقرأها بقراءة قلبية وقراءة فكرية وقراءة روحية ونفسانية .
يقول فمن اخذ بهذه السيرة اما ان يسفل واما ان يرتفع وهنا الامام يقول اكثرهم الذي يسفل ولا يرفع وسببه عدم الاستقامة لذلك معروف في باب الرياضات الروحية ان الوصول للكمال اسهل من الثبات على الكمال فالثبات على الكمال اصعب من الوصول الى الكمال لان الانسان موجود عجيب فحتى لو وصل الى ما وصل اليه فالقوة النازلة الحيوانية والشهوانية تظل معه وقد تمسك برجليه وتحط به الى الهاوية .
القرآن فيه قصة بلعم بن باعورا واتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا يعني موهبة لدنية من الله فانسلخ منها يعني كان له مثل الجلد والغطاء وانسلخ منها وليس نزع منها ، فانسلخ ارتباطه به اشد من لبس الثوب فهو تصور بها وكانت له بمثابة الصورة الملكوتية .
واخلد الى الارض ولو شئنا لرفعناه يعني اخلد الى الارض ظل يتعشق الامور الدنيوية واشتهاء الحرام خطير فشهوة الحرام وتعشقها ابتلاء عظيم يأخذ بمجامع القلب وبحسب بيانات سيد الرسل جهنم وشجرة الزقوم لها مغناطيس قوي جدا مغناطيس قلبي قوي وعكس ذلك الجنة عندها موج في البداية طارد بدل ان يكون جاذب فالزقوم ملكوت جاذب وحلو بينما الجنة محفوفة بموج طارد وبطاقات طاردة يجب ان تتجرعها .
عاصرنا بعض المراجع كان يستحل او يستمرر كثيرا من الحالات وفي وصية من وصايا امير المؤمنين او احد المعصومين انه اذا اراد ان يسير على الصراط المستقيم يجب ان يستعذب ما استمرره الناس يعني طبيعة الجنة مرة والصبر نبات مر والانسان موجود عجيب غريب مهما بلغ من الكمال تبقى القوى السفلية الحيوانية البهيمية تجذب الانسان وتستحليله مغناطيس جاذب وان لم يتمكن الانسان من السيطرة عليها ستهوي به الى وادي سحيق .
هذه الاية تصويرها عظيم في بلعم البعورا واتل عليهم نبأ الذي اتيناه وهذه الاية الكريمة بالنسبة لعلم الرياضات الروحية والنفسية والقلبية وفقه القلوب فيها معارف عديدة بينت من قبل اهل البيت واتل عليهم نبأ الذي اتيناه اياتنا فانسلخ منها ، فالايتاء ان يتجوهر الانسان بهذه الموهبة خروج الانسان من جوهر الى جوهر سواء كان نوراني الى ظلماني او العكس هو انسلاخ ، فالانسلاخ تجوهر فاتبعه الشيطان فكان من الغاوين .
ما الفرق بين الغاوي والضال؟ الغاوي ينحرف عن علم والضال قد ينحرف بدون علم وبحماقة ، ففرق بين المغضوب عليهم الذين هم غوات وبين الضالين الذين قد ينحرفوا بدون علم ، دائما المغضوب عليهم هم اليهود اما النصارى فهم ضالين لم يكن مغضوب عليهم والمغضوب اشد عصيانا من الضال يعني علاوة على الضلالة عنده عمد وتعمد وعلم .
فكان من الغاوين يعني عنده علم وحسب ما موجود في الروايات شهوتان انزلق بهما بلعم بن باعورا شهوة الجنس وشهوة الرئاسة مسكتا برجليه وحطت به في وادي السعير ، فاخلد الى الارض يعني القوى الدنية فيه ولم يستطع ان يروض القوى الدونية فيه ولو شئنا لرفعناه بها فاتبع هواه ، فقوة الهوى مغناطيس حلو وخطير جدا .
الباري تعالى امتحن سيد الانبياء في لحظة واحدة بطاقة امتحن بها جميع الانبياء والمرسلين والبشر والاوصياء فربما شخص يمتحن بالتدريج زمانيا مكانيا امكانية ومقاومة وثبات موجودة اما كمباغتة فكلا ، فهذا الامتحان جاء بدون تحذير سابق ، يعني امتحنه كالطاقة المغناطيسية ولم تكن من سيد الرسل زلة شعرة حتى قال له جبرئيل لو ملت شعرة لتاثرت امتك بك انظر كيف تكون الامة تبعا للقائد ، يعني ارتباط تكويني كالنبي عيسى وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رافة ورحمة ، يعني الله خلى هناك نوع من الارتباط التكويني الروحي بين الامام والمأموم امامة روحية ملكوتية .
فانظر ايها مؤمن بمن تأثم بالسافل او بالزكي ؟ بالطيب او بالخبيث ؟ تلقائيا تتأثر روحيا وملكوتيا افمن يهدي الى الحق احق ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى ما لكم كيف تحكمون؟ فسيد الانبياء امتحنه الله في لحظة مباغتة مفاجأة ولم يزل ولم يمل قدر شعره فكل طاقات الشهوة النازلة اختزنها الله في طاقة وفوجئ بها سيد الانبياء مباغتة ولم تكن منه انجذاب بقيد الشعرة هذه مناعة وحصن ، يعني تخيل لو امتحن الله به ادم نوح ابراهيم موسى عيسى يوسف يونس وكل الانبياء والاوصياء جمعها الله مفاجأة لسيد الانبياء ولم يمل سيد الرسل لها وكل الشبهات الفكرية والمكرية والجهرية والجاذبية لم تشوشه قيد شعرة ، فكل الذي امتحن الله فكريا النبي ابراهيم وموسى وعيسى وادم ونوح وكل البشر جمعها الله في حملة واحدة ومباغتة لسيد الانبياء ولم تشوش عليه شيء .
انظر كم القدرة الفكرية عنده ! هذا امتحان ثاني كله في المعراج وفي بداية عروج سيد الانبياء لله امتحنه بهذه الامتحانات التي لا توصف فنجح وصعد وامتحن الله سيد الانبياء بامتحان ثالث جمع فيه كل الالتباسات والمغالطات والسهويات والاخطاء والنسيان التي صدرت بترك الاولى عند الانبياء او الاوصياء والمصطفين والحجج جمعها الله امام سيد الانبياء بغتة ومفاجأة ولم يحصل قيد الشعرة خلل لديه ، اي نظام عظيم انك لعلى خلق عظيم بل انت على خَلق عظيم وكل طبقات خلقك عظيمة .
اذا كان ريقك هو مفتاح لعلوم امير المؤمنين وما ادراك ما امير المؤمنين ولكن ريق رسول الله مفتاح علمه فسيد الرسل امتحاناته خاصة به واللطيف ان هذه الثلاث امتحانات وقعت على سيد الرسل تواليا تعاقبا مباغتة يعني صعبة صعبة صعاب .
لذلك هناك مرتبط في المخلوقات لا في الملائكة ولا في السماوات والارض ولا فوقهن مخلوق امتحن بها كما امتحن وارتاض سيد الرسل.