الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث العقائد

46/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أكمل العبادات وتعدد السبل

 

في هذه الرواية الشريفة المروية في كفاية الاثر للخزاز يقول عليه السلام : فاذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه .

ففرق ع بين عنوان المحبة وعنوان الشهوة مما يعني انه ترويض لجميع القوى من المحبة لان المحبة فعل القلب او الروح ، والشهوة فعل القوى النفسانية النازلة ، اذن الترويض لا يقتصر على القلب ولا على الروح ولا على النفس ولا القوى النفسانية والروحية بل لا بد ان يشمل حتى القوى البدنية وهي المسماة بالاداب ، هذه هي الرياضة الكاملة .

من ثم كبيان عقلي وبرهان عقلي ان العبادة الاكمل ليست انفرادا عبادة الاحرار دون عبادة العبيد وعبادة التجار لان قوله وجدتك اهلا للعباد فعبدتك هو العقل والقلب ، فالقوى النفسانية النازلة كيف تدرك? ولذلك الصحيح بحسب مجموع بياناتهم عليهم السلام ان الجمع هو الاكمل فالقلب والعقل الفكري يعبد عبادة الاحرار وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك اما القوى النازلة فطمعها في الحور العين وخوفها من النار وهذا نجده في سيرة اهل البيت انه كيف اصبر على فراقك?

البعض قال هذا تعليم للاخرين ، كلا هو حقيقة عند اهل البيت فالخوف عندهم موجود بل ورد لا يتم ايمان عبد الا ان يكون خوفه بمستوى رجائه ورجائه بمستوى خوفه يعني خوف حقيقي فمما يدلل على ان العبادة لاجل الخوف هي عبادة العبيد اذا كان كل حاصل عبادة الانسان هو الخوف فهي عبادة العبيد واذا كان كل عبادة الانسان الطمع في الحور العين والجنان فهذه عبادة التجار اما اذا كان مجموع هذه الامور من عقل وقلب والقوى النازلة تروض بالخوف والرغبة فلا مانع فتكون حينئذ اكمل .

هناك رواية انه رؤي الامام زين العابدين ليلة من الليالي وهو خارج من بيته متجها الى مسجد جده المصطفى لان بيت زين العابدين كان في المنطقة التي الان بين مسجد الرسول والبقيع كان هنا منطقة يسمى عقد بني هاشم يعني الطريق وكان فيه بيت الامام زين العابدين والامام الباقر والصادق والكاظم، فرؤي الامام خارجا وقد توشح من الثياب كانما عريس في بهاء وجمال فسئل الى اين يابن رسول الله? قال الى خطبة الحور يعني العبادات التي سيأتي بها في مسجد جده هي خطبة الحور العين .

كان النبي والائمة عندما يتجهون الى الوضوء للصلاة يشتد بكاؤهم الى درجة ان صوت صدورهم كالقدر فيه ازيز او كالمرجل يعني اذا شخص كثر بكاؤه يكون عنده صوت في صدره فعندهم قوة في البكاء عند الوضوء والاتجاه للصلاة بهذه الدرجة وهذا خوف .

وهناك خوف اشد من الخوف من النار كما قال امير المؤمنين في دعاء كميل هبني صبرت على حر نارك فكيف اصبر على فراقك? فالعذاب الروحي اشد من العذاب البدني وهذا ثابت في البحث العقلي الفلسفي وكذا النعيم الروحي انعم من النعيم البدني فاحدهما لا ينفي الاخر فهي درجات والخوف ايضا درجات فالخوف المعنوي اشد من الخوف البدني كما ان الطمع في النعيم المعنوي اعظم من الطمع في النعيم البدني ولكنه درجات بتعبير بعض البحوث العقلية القوى النازلة في الانسان هي قوى بهيمية حيوانية وهذه ما تستطيع ان تدرك الطبقات العليا من الشفافية واللطافة بمفردها وانما بمتابعتها للقوى الصاعدة تدرك هذه الامور ، فجعل شهوته في خالقه فشهوته في الخالق يعني متابعة ومشايعة فهي تطمع في الجنة بما هو اضافة اليه تعالى وبما موجود لديه عبادة الاحرار .

فالصحيح ان هناك نحوان في الجواب : مجموع العبادات هو اكمل او قل للخوف درجات وفي بيانات اهل البيت الاحتراق من عوالم النور لمن لم يؤذن له بالدخول فيها اشد من احتراق النار ... فلو اقتربت انملة لاحترقت هذا احتراق للدخول في عوالم ليس لديه قابلية الدخول فيها وفي بيانات اهل البيت عليهم السلام ان هذا الاحتراق اشد من النار اضعاف اضعاف . فالخوف منه اشد من الخوف من النار وفي بيانات اهل البيت ان الامام امير المؤمنين وقبله سيد الانبياء عندما يقتربون من النار تخبت النار بينما نيران العوالم الفوقية لو لم يكن هناك اذن او رخصة فقابلية الاحتراق بها اشد فهناك نيران بمعنى اخر اشد واشد واشد بلا قياس مع النار وفي جهنم علاوة على النيران هناك خزي .

الان لاحظ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا هنا موت النبي موسى بالتجلي اشد من موت البشر بتوسط اعوان عزرائيل لانه جعل كالبودرة ودكا .

لعل المراد من ان النبي سينذر بنذارات اكبر واكبر واكبر او يبشر ببشارات اكثر واكثر لعله في هذا المجال فعالم الاسماء او العوالم العلوية فيها نيران ولكن ليس نيران كجهنم وانما جهنم تحترق بهذه النيران ، ولو تجليت لها نور الجنة مع احترامنا للجنة - لانها لديها شعور وتحسس وعندنا انها تعاتب المصلي ان لم يطلب الجنة في الصلاة كما جهنم تعاتب المصلي ان لم يستعد بها في الصلاة كما ان الحور العين تعاتب المصلي ان لم يطلبهن ويخطبن من الله الصلاة - فنورانية العوالم العليا فوق الجنة كأنما نور الجنة بالنسبة اليها ظلام ، كالرغبة والرهبة تشتد وهذا توجيه اخر لخوفا وطمعا ان الخوف درجات والطمع درجات فبمجموع بيانات ال البيت لا بد ان نوفق بين بياناتهم عليهم السلام بهذه المحصلة.

مثلا لفظة عشق الله او عشق المعصوم هل هي صحيحة ام غير صحيحة ؟ هناك لغط بين المحدثين والمتكلمين في ذلك لان العشق تعطي طابعا حيوانية وبهيمية فكيف تعبر بالاسناد الى الله? هذا بحث اخر لكن هنا التعبير جعل شهوته ومحبته في خالقه مر بنا انه نوع تشفف ولطافة فجماع اهل الجنة غير جماع اهل النار ولا يبعد ان في النار جماع ولكن نجاسة في نجاسة وغصة في غصة .

عندنا اداب في النكاح كي لا يرتكب هذا بغصة ومن ثم الانبياء هم اهنأ من يمارس الحلال لان عندهم بصيرة في الاداب وهذه الاداب ترفع نكد العيش سواء في الشهوة الجنسية او الشهوة الهضمية او الطعام لانه يمارسوها باداب ونقاء ولطافة ونور وصفاء مثل ما مر بنا فرق بين اكل العصافير والسباع او البهائم وفرق بين جماع الطيور وبين جماع البهائم او جماع السباع حيث مخلوط بشراسة وسبعية فلا يوجد صفاء فهذه الشهوات فيها طبقات من اللطافة فالاداب الشرعية لاجل تسغية ممارسة القوى النازلة بلا نكد وبلا غصة وبلا ظلمانية وبنور ولذتها اعظم .

قد يكون اكلك فيه بركة وقد يكون ليس فيه بركة فنفس الاكل تارة بهيمي واخرى نوراني ، المجلسي عنده كتاب حلية المتقين ومترجم باللغة العربية واداب الابواب كلها موجودة هذه الاداب تنور الافعال النازلة لدى الانسان وتجعلها في لطافة يعني كانك في عبادة وتكامل ولطافة وصفاء وهناء قوله تعالى ولنحيينه حياة طيبة يعني في نفس دار الدنيا حياته تكون طيبة يعني الان نحيي حياة طيبة فيها طيب ونعم من دون غصة ونكد وشراسة اذن عبادة العبيد تصير كاملة بالترادف والانضمام الى عبادة القلب وسيكون منظومة واحدة .

في تعبير الامام فاذا خشع القلب يعني خشعت المشاعر هذه المشاعر لما تكون اكمل وصفاؤها اكثر جعل شهوته ومحبته في خالقه فاذا فعل ذلك نزل منزلة الكبرى يعني كل القوى صارت عندها تشيع ومشايعة وولاء الى صراط الله .

فعاين ربه في قلبه هذه الرؤية قلبية ولكن كما مر الرؤية ليس ان الله روح والرؤيا العقلية ليس ان الله عقل وانما الله منزه عن حدود العقل وعن حدود الروح وانما بالايات من ثم في سورة النجم افتمارونه على ما يرى ولقد رأى من ايات ربه الكبرى ، مع ان رؤية القلب هي رؤية النبي للايات الكبرى فتسند الى اياته يعني هي التجلي له تعالى ومعنى التجلي الذي اسسه القرآن الكريم التجلي وحدة من جهة هو هي وهي هو وتغاير من جهة هو هو وهي هي نفس المطلب مثلا لا فرق بينك وبينهم الا انهم عبادك ولكن في الحكاية والتجلي وكذلك هو الاول والاخر والظاهر والباطن فهذه المعادلة غير محبوسة بلفظ هو هي وهي هو وانما هي اشارة الى المعنى .

البعض الذي هو جمودي وحشوي وقشري يجمد على الالفاظ انا اقصد المعنى هم مشكلتهم انهم ليسوا صيرفة معاني وانما صيرفة الفاظ وهذه مهنة الرواة وليست مهنة الفقهاء والعلماء .

فعاين ربه في قلبه وورث ...

هنا يبدأ الامام بعد ما بين هذه المدارس والمنازل يقارن فيما بينها وبين مدارس اخرى يقول ورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء فالحكماء يرثون الحكمة ورثة تكوينية ومر بنا المواهب اللدنية ليست بالضرورة ان تكون اصطفائية هنا الامام يبين ان مقامات الملكوت او منازل الملكوت التي تسير فيها النفس يمكن للنفس ان تصل اليها برياضات متنوعة مختلفة احدهما قد سبق وبينه الامام والباقي لم يبينه فقال ورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء يعني الحكماء ورثوا الحكمة بالصمت ولكن هو ورثه بالتفكر والمحبة وهلم جرا .

الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ما قال سبيل واحد لكن السبل متعددة الى الصراط ، هنا الامام ايضا يؤسس هذا المطلب من ان الرياضات الروحية متنوعة متوازية توصل الى مقامات واحدة ومنازل واحدة فقال ورث الحكمة بغير ما ورثه الحكماء وفي نسخة فانه ورثوا الحكمة بالصمت مع ان الحكمة موهبة لدنية .

اذن الامام يؤسس ان المواهب اللدنية يمكن ان تكتسب برياضات متعددة كلها محللة بعضها طريق قاصد يعني مختصر و ورد في زيارة الامام الجواد السلام على السبيل الاقصد يعني بدون دوران وبدون تطويل .

اذن لاحظ فانهم ورثوا الحكمة بالصمت وان العلماء ورثوا العلم بالطلب فيمكن بالاكتساب ويمكن بالرياضة وان الصديقين ورثوا الصدق بالخشوع وطول العبادة فاذا اردت ان تصير من الصديقين يمكنك ان ترتاض بالخشوع وطول العبادة او بالتفكير والمحبة والمنازل التي ذكرها سابقا فيبين تنوع الوصول الى المنازل والمقامات باليات مختلفة .

 

والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين .