الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث العقائد

46/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الرياضات الروحية القلبية مفترق طرق

 

لسان الرواية كما مر بنا عن الامام الصادق ليس التأسيس بقدر ما هو امضاء وتشذيب وتهذيب للرياضات والمدارس الروحية المحللة فهناك رياضات روحية حرمها الشارع كالسحر والشعبذة والكهانة لان الارتباط بالجن والشياطين ايضا رياضة روحية ولكن محرمة وكثيرا ما بسبب هذه الرياضات في نهاية المطاف هو او ذويه يصاب كما قال القرآن الكريم وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن يعني يتصلون ويرتبطون برجال من الجن رهقا فزادوهم رهقا فيصير مضاعفات في نفسه او في ذويه .

فهذا ارتباط عبر السحر او الكهانة او الشعوذة او التنويم المغناطيسي حيث الكثير من التنويم المغناطيسي هو ارتباط بالجن والارتباط بالجن عند القدماء مطلقا حرام ولكن السيد الخوئي اقتصر على حرمة السحر والشعبذة لكن الكهانة لم يحرمها الا اذا التزم الكذب وتسخير الجن فلم يحرمه لضعف المستند لكن الصحيح ما ذهب اليه القدماء ان السحر والكهانة والشعوذة والتسخير والتنويم المغناطيسي وووكله حرام .

هنا نقطة جيدة في هذا الباب ان الارتباط بالجن مختلف وربما يأخذ في كل زمان قالب معين ولكن هو نفسه او ربما تستحدث له تسميات مختلفة يعني مثلا قضية التنويم المغناطيسي هو ارتباط بالجن ولكن استحدث له اسم معين فعلى مشهور القدماء كل هذه محرمة وان استبدلت اسماؤها لان ماهيتها واحدة بينما عند السيد الخوئي خصوص السحر والشعبدة اما الباقي ليست حرام الا اذا استوجبت عناوين محرمة كالايذاء والضرر وكذا تلاميذ السيد الخوئي ولكن ما ذهب اليه القدماء هو تام .

قد يقال ان في روايات كثيرة ورد ان الائمة لهم شيعة من الجن يخدمونهم ولكن هذا بحث اخر فارتباط الائمة ارتباط العالي للداني وليس ارتباط المساوي بالمساوي نعم الائمة هم محل قدوة واقتداء ولكن نص القرآن الكريم وبيانات الائمة هو شيء اخر فالجن رعية للامام يأمرهم وينهاهم وورد ان جملة من العلماء كالشيخ جعفر كاشف الغطاء او غيره من الكبار كانوا يجيبون على استفتاءات الجن وهذا لا مانع فيه لانه حسب الادلة الشرعية ان الجن كالانس مكلفون فهم يسترشدون في احكام دين وهذا لا مانع منه فهذا المقدار من الارتباط صحيح اما الارتباطات برياضات روحية هذا محل كلام .

اذن اصل باب الرياضات الروحية شيء والارتباط الجن شيء اخر ، فالسيد الخوئي استشكل بالكهانة من جهة الجزم بالانباء والاخبار لا من جهة الارتباط بالجن وكثير للاسف ممن يعتمد على الساحر او العراف او الكاهن او من يرتبط بالجن ياخذ كلام الجن كانه وحي منزل ويرتب عليه اثار وهذا لا يجوز بحال بان فلانا عدو لك وكذا وكذا هذا كله هراء وحرام ولايترتيب الاثر عليه وهذا الذي يشير له السيد الخوئي ولكن هذا حرام على حاله صحيح ولكن اصل الارتباط بالجن عن طريق الكهانة لا يسوغه المشهور .

فالسيد الخوئي جعل الحرمة من جهة الاخبار بينما المشهور قالوا نفس الكهانة الروحية مع الجن حرام فالمقصود الرياضات الروحية ان لم تكن مع الجن والشياطين وكانت رياضات للنفس وقوى النفس بالعكس الادلة تشير الى ان بابها مفتوح كما يقول امير المؤمنين انما هي نفسي اروضها لذلك كثير من الرياضات البوذية او الهندوسية التي تأتي من بلدان الصين او الهند ليست رياضات روحية فقط للنفس وانما هي رياضات توجب استعداد للارتباط بالجن والشياطين وكثير من الناس الذين يهوون الرياضات الروحية ينزلقون في تلك المسالك كما ان الصوفية لا سيما الدروشة رياضاتهم لها ارتباط بالشياطين والجن كما يشير لها الروايات وجمعها الحر العاملي .

هذه عقبة كؤودة في بحث الرياضات الروحية والرياضات القلبية والنفسية انه كيف نميز بين الرياضات النفسية المباحة والراجحة والمحرمة ؟ نقول ان كانت اعمال شرعية فبها ونعمت اما المباحة والاداب الشرعية كما مر بنا انضباط وضبط للنفس والقوى البدنية ، والاخيرة غير النفس فالقوى النفسانية فوق البدنية والقوى البدنية غير البدن ، القوى البدنية طاقات في البدن غير مرئية ولكن متشابكة او متنفذة في البدن هذه القوة البدنية مثل القوة الهاضمة وقوة العضلة هي غير مرئية ولكن موجودة في البدن اما الاداب فانضباط للقوى البدنية والاخلاق انضباط للقوى النفسية والقوى النفسية اكثر لطافة من البدنية .

فعندنا شهوة نفسانية وعندنا شهوة بدنية الشهوة البدنية هي قوى بدنية والشهوة النفسانية قوى نفسانية من باب المثال ربما الانسان عنده عطل عضوي في القوى الهاضمة لكن شهوته النفسية للاكل موجودة هناك شهوة بدنية للاكل او للجنس وهناك شهوة نفسانية للاكل او للجنس فكبير السن شهوة بدنية غير موجودة لديه لكن الشهوة النفسانية موجودة فهما طبقتان وهذا تمييز بين القوى النفسانية والبدنية .

فعند الشارع هناك اداب للقوى البدنية واداب القوى النفسانية مثلا في الشرع عندنا طريقة الاكل لابد ان تكون طريقة فيها لطافة لا عنجهية وانما شبيه الطيور فهذه تهذيب للقوى البدنية وعندنا تهذيب للقوى النفسانية في الشرع وان كانت التحكم فيها اهم من التحكم في تلك وان كان كل له درجة وضرورية ولدينا قوة روحية وهي اعلى من القوى البدنية .

لذلك مر بنا انه عندنا اربع طبقات من العلوم فقه واحوال القلوب والرياضات الروحية والرياضات النفسانية ورياضات القوى البدنية والاداب وغالبا الاداب تتحكم في قوى البدن انت ايها الباحث في الاداب الشرعية وحتى في الحمام وقضاء الحاجة هناك اداب موجودة وسألت انا يوما احد تلاميذ السيد الخوئي القدماء ان الاكل والشرب والنكاح عند المعصومين هل يشابه غير المعصومين؟ قال كلا يعني هو اكل وشرب ونكاح بشري ، عيسى ومريم كانا يأكلان الطعام او ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الاسواق لكن هل اكله كاكل بقية البشر او بنحو بهيمي؟ كلا وانما لطيف اكله كاكل اهل الجنة ليس بنحو بهيمية وكذلك النكاح ليس بهيمي وانما المراد يعني يمارس بالبدن ولكن باداب معينة .

لذلك في الحقيقة في الروايات ورد ان اضعف من يلتذ بلذائذ الدنيا هم الانبياء لا الاشقياء لانهم يمارسون هذا بنور لابظلمه وسيأتي في ذيل هذه الرواية ان الامام يقول فاذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته ومحبته في خالقه يعني من نور واللذة الشهوية النورية اعظم بمراتب من اللذة الشهوية الظلمانية والجنة فيها ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وما متاع الحياة الدنيا في الاخرة الا قليل .

فهناك اللذة قوية والانبياء بممارستهم في النور يلتذون نفس لذة الجنة اللي هي شديدة ولكن ليست ظلمانية ، الان العصافير او الحمام يمارسون الاكل والشرب والنكاح لكن ممارستهم الطف من البهائم وغير معلوم ان شهوة البهائم اشد من شهوة الطيور ولكن شهوة الطيور بلطافة ، طبعا هناك من الطيور من السباع هذا بحث اخر .

هذا البحث يبين ان القوة البدنية والقوى النفسانية يمكن ان تهذب بالنور كما في ذيل هذه الرواية فاذا بلغ هذه المنزلة جعل شهوته في خالقه ، فبحث القوى البدنية شيء وبحث القوى النفسانية شيء وبحث القوى الروحية شيء وبحث احوال القلب ايضا شأن اخر .

مر بنا ان الكثير من علماء الشيعة والفلاسفة ومنهم ابن سينا لم يأخذوا بمجموع كلمات امير المؤمنين ان عبادة الاحرار او الشاكرين اعظم من عبادة التجار ومن عبادة العبيد ولكن في بيانات اخرى لاهل البيت ان العبادة الاكمل هي العبادة التي فيها مجموع هذه الثلاث فعبادة الاحرار تجتمع مع عبادة العبيد ومع عبادة التجار فاذا اجتمعت مع بعضها البعض تكون اكمل من ان تكون العبادة عبادة الاحرار فقط ، فهنا عبر عليه السلام جعل شهوته طبعا في الجنة يعني هذه عبادة شهوة يعني ولكن اذا جيرت ووظفت عبادة التجار تحت رعاية عبادة الاحرار تكون اكمل من عبادة الاحرار بمفردها وتكون في النور واذا وظفت عبادة العبيد تحت رعاية عبادة الشاكرين وعبادة الاحرار ستكون عبادة الاحرار اكمل لانها ستكون بالخوف والحب والشهوة في الله وهي نورية .

كثير من الروايات تدل على ان الجمع بين العبادات اكمل لا انه انت فقط تراعي العقل والقلب وتهمل بقية قوى نفسك هذا ليس تأديب كامل انت فقط تراعي القلب والفكر فماذا عن القوى النازلة هل تلغيها وتحصيها وتجبها؟ هذا ليس كمال اما اذا تجعلها منفلتة ايضا ليس بكمال حيث لغتها غير لغة العقل والقلب اما اذا وظفتها كما يقول الرواية فاذا بلغ هذه المنزلة صار كل نظام قواه بكل طبقاته هي عبادة الاحرار ، فموجودة عبادة العبيد وعبادة التجار لكن موظفة مجيرة لعبادة الاحرار فهي نور .

مر ان بحسب بيانات اهل البيت الجمع بين هذه العبادات هو اكمل فعبادة الاحرار بمفردها انت فقط داريت القلب والعقل فماذا عن القوى الاخرى؟ وملا صدرا في موضع من الاسفار تنبه لهذه البيانات وقال الاكمل الجمع تبعا للروايات وهذا هو الصحيح لا انه نجعل عبادة الاحرار المجردة هي الاكمل فانها ليست هي اكمل ، فالجمع مهما امكن اكمل .

طبعا في الرياضات الروحية والنفسانية هناك عقبة كؤود انه هل هذه الرياضات تسير في صراط النور والمستقيم او تنزلق الى الشياطين وصراط الجحيم وهذه عقبة كؤودة جدا في التمييز بين الرياضيات ، الم يمر بنا ان بيانات الشرع امضائية فكيف نميز بين الرياضات النورية والظلمانية فلو كانت رياضة تربطك بالشياطين والجن ما الفائدة فيها؟ اما اذا كانت تربطك بالملائكة والانوار هذا شيء جيد .

امير المؤمنين في وصيته لكميل الطويلة يذكر ظاهرة اكثر اشكالا يقول لربما الرياضات الشرعية المشروعة العبادية توظف للارتباط بالابالسة وليس الارتباط بالجن فقط ، وهذا تحذير مهم من امير المؤمنين فاذا كانت العبادات والرياضات الشرعية هكذا فكيف بك بالرياضات المباحة؟