46/04/29
الموضوع : منهجية بين العلوم الإمضائية وتأسيسية التعبد
لا زلنا في هذا الحديث الشريف الذي يستعرض الامام الصادق مدارس الرياضات القلبية والروحية والنفسانية ومر بنا في هذا الحديث الشريف ان استعراض الامام لهذه المدارس ليس من باب التأسيس والتشريع وانما من باب الامضاء يعني الرياضات في الاصل افعال تكوينية ونتائجها تكوينية غاية الامر ان الوحي والشرع وظيفته الارشاد الى ما هو هداية والتنبيه والارشاد عما هو غواية لكي يتجنبه الانسان ، فاذن الاصل في الرياضات الروحية او القلبية او النفسانية تكوينيا ان لم يأت له نهي من الشارع ان فعلها كبقية افعال المباحات ان لم تكن هي بذاتها منهي عنها او شيء محرم فهل هذا معناه ان باب الرياضات الروحية والنفسانية والقلبية لا نحتاج الى الوحي? كلا وانما نحتاج الى ارشاد الوحي بل هو ضرورة قصوى غاية الامر الاسترشاد من الوحي في نفسها اباحتها ليست تأسيسية .
ان قلت اذا كنا نحتاج الى امضاء فبالتالي هو تعبد
نقول كلا ليس هكذا ، فلماذا الفقهاء يفرقون بين العبادات يقولون هذا تأسيسي تعبدي اما المعاملات امضائي ؟ طبعا المعاملات ليس المراد به فقط المعاملات المالية يعني حتى المعاملات السياسية والعسكرية والامنية والاجتماعية الدولية فلماذا يركز القرآن على ان هذه امضائية وتلك التأسيسية? وما الثمر فيه? كما الان في الرياضات القلبية والروحية والنفسانية لماذا نركز على انها ليست تأسيسية ولكن تحتاج الى امضاء الشارع ؟
العلة ان المعاملات امضائية لا يعني ان الامر انفلاتي كما يظن الصوفية فهو امر بين امرين ففي حين هي امضائية مع ذلك نحتاج الى الاارشاد سيما في القضايا الخطرة كقضايا الروح والقلب والنفس حتى في باب السياسة نقل عن السيد ابو الحسن الاصفهاني ومعروف عنه هذا الشيء وان كنت لا اتحمل عهدة النسبة اليه كأنما سئل انه لو حصل لكم التمكن من اقامة دولة اسلامية دينية فما هي الاطر والقوالب والقواعد? قال الاصل في هذا الجانب هو الامضاءيات الا ما حدده الشارع وما ضيقه .
بعبارة اخرى فرق بين باب الامضاء وباب العلمانية فبالتالي الوحي يتدخل ويقول الربا حرام في كل اصقاع الارض واعترفوا هم الان في هذه الازمة العاصفة الاقتصادية من سنة الفين وثمانية الى الان ما يقرب ستة عشر سنة او اكثر احد الغدد التي تفجر الوضع الاقتصادي في العالم هي الغدة السرطانية الربوية باعتراف منظريهم وكبار الدول ومن ثم تعتبر هذه احد البراهين لاعجاز شريعة سيد الرسل ، احد الغدد السرطانية الاخرى هي باب الدعارة والفجور واحدها الاحتكار و احدها نهب الثروات من قبل الدول العظمى لثروات دول اخرى بل حتى في الدول العظمى هناك تهارش عصابات فيما بينهم البعض من غسيل الاموال وما شابه ذلك .
فالمقصود الغدد السرطانية التي شخصها سيد الانبياء قبل الف واربعمائة سنة هذه الغدد تفتك باقتصاد البشر بحيث الان لا يستطيعون السيطرة عليها فهنا ازمة تباغتهم كلهم وتفاجئهم وتسبب انهيار الهياكل الاقتصادية في العالم من دون ان يتنبأون بها كالاعصار المباغت المائي او الهوائي فلو الانسان يتابع هذا الملف يجد معجزة عصرية لسيد الانبياء بلغة الاقتصاد ، فمنظري العالم في البنوك وفي النقد وفي التجارة وفي الصناعة كلهم يسجدون علميا لسيد الانبياء فمن اراد ان يكون حيادي علمي يرى الحقيقة وهذا ملف جدا عظيم ويمكن تأليف موسوعة من عنده بتصريحات المعتقين النخبويين الدوليين المعترف بهم فيمكن الانسان يلاحق منصات علمية كثيرة في هذا المجال من المقالات والكتب والتصريحات وهي رصدت من قبل اكبر منظري البنك وهو رجل كبير السن فلان الامريكي يعترف بجدارة تشريعات سيد الانبياء .
اذن معنى ان باب المعاملات امضاءي ليس هو ان الدين لا يتدخل ، فاذا كان لا يتدخل يكون هذه سرطانية ففي باب المعاملات الدين موجود وكذا في باب الامضاءيات فما الفرق بين البابين? هنا المعاملات بالمعنى الاعم باب السياسة نظام سياسي نظام امني النظام العسكري نظام روحي الرياضات الروحية الرياضات النفسانية الرياضات العقلية ، فالامضاء هو انه قد يردع الشارع وقد يمضي ويرشد ويهدي ومسؤولية الهداية والاهداء فما الفرق بين البابين?
هناك فروق عديدة ذكرها الفقهاء لان الدين ليس فقط عبادة وانما هو العلاقة بين الانسان وربه والدين يتدخل في كل صغيرة وكبيرة ولكن نمط التدخل يختلف فهناك فرق بين باب المعاملات بالمعنى الاعم مالية سياسية فردية اسرية وبين العبادات هناك عدة فروق يجب ان نلتفت لها لانها ترتبط ببحث فقه القلوب والرياضات القلبية والعقلية وحتى العقائد وهذه وقفة مهمة في بحث العقائد والرياضات الروحية والقلبية .
اول الفروق ان العبادات غالبا او اجمالا تأسيسية من الشارع من البداية للنهاية عكس باب الامضاء التأسيس هو تكويني او اعتبار عقلائي وليس من الشارع انما الوحي يأتي ويشذب ويهذب وينظم ويردع عن الفاسد ويمضي الصالح وهذا الفرق يترتب عليه فوارق اخرى الفارق ان في العبادات من الضروري الرجوع الى استنطاق الادلة اولا ثم اللغة ثم ثم ثم اما في باب الامضائيات انت اولا اذهب التفت ما هو علم السياسة ثم التفت الى ان الادلة الواردة في عالم السياسة في القرآن والعترة ما هي? فاذا كنت عالم السياسة لا تعرفها وكذا عالم القوى العسكري والنظام الامني والنظام الاداري فكيف تستنطق الشارع?
اذا انت لاتعرف عالم اللغة العقلية كالفلسفة وعالم اللغة القلبية والنظام القلبي والنفساني والروحي كيف تستنطق الادلة في بابه ؟ فالائمة يوصون انه انت بنفسك احط بتلك البيئة ثم اسأل عن الدليل عنها ولذلك نجم من هذا الفرق تقصير في الانجاز العلمي الديني الشيء الكثير باعتبار ان الوسط العلمي الخاص اذا كان ما منفتح على السياسة وعلى الامن وعلى العسكر والبيئة العسكرية كيف ينفتح على باب الجهاد? يعني الجهاد هي عبارة عن منازلة عسكرية وامنية فكيف يمكن نستجمع ونستقصي الادلة القرآنية والروائية الواردة في باب القتال اذا لم يكن هناك المام عسكري ؟ وليس المقصود من الالمام العسكري ان نكون متخصصين لكن الثقافة العامة لابد من ان نلم بها كما في الرجوع الى النحو والصرف والبلاغة ، فليس من الضروري ان يكون الانسان هو نحوي لكن لابد ان يراجع وان يلم ولو بشكل خلاصة البحث النخبوي .،
لذلك قالوا في الاستنباط ليس من الضروري ان يكون الفقيه نحويا ومتخصصا في النحو ومتخصص في البلاغة ولا في الصرف ولكن عنده القدرة على الرجوع الى اي مسألة نحوية مرتبطة بالبحث فاذا لم يكن عنده ثقافة اجمالية بالنحو كيف يعرف الرجوع? وكيف يعرف ان هذه الزاوية نحوية وهذه صرفية? كذلك الحال في باب الرياضات العقلية اصلا اللغة العقلية اذا لم يكن عنده ممارسة كيف يفهم ان فيها امضاء ام لا ام المردوع عنها ماذا?
مثلا الروايات التي وردت في ذم الصوفية او لعن الدروشة ربما رواها صاحب الوسائل اثنى عشر رواية وهناك رواية في تفسير الامام الحسن العسكري في ذم الفلسفة فاذا هو اللغة العقلية ما يلتفت اليها يظن ان هذا ذم للفلسفة بل ضم لاصل اللغة العقلية وهذا اشتباه او ان ذم الصوفية والدروشة هو ذم لاصل الرياضة القلبية والروحية وهذا هو لاجل عدم الالمام بهذا الموضوع الامضائي .
يقال ان العلامة الحلي متميز في باب المعاملات من بين كثير من الفقهاء مثلا كتاب التذكرة للعلامة هو كتاب عجيب وكذلك كتاب المبسوط للشيخ الطوسي يقولون سببه ان العلامة لما يبحث في المضاربة اللي هي استثمار كأنما هو عامل استثمار محترف ملم ببيئة الاستثمار وكذلك المزارعة ملم بها بشكل قريب ومأنوس به ولما يبحث بحث النكاح والطلاق كانما مختص وعنده مكتب لعقد الزواج وله تجارب كثيرة في النزاعات الزوجية فهذه امور مؤثرة يعني الالمام والاحتراف بها مثلا في باب القرض تراه ملم بباب الديون وفي باب القضاء والحدود كانما قاضي متمرس محترف وكذلك في باب الجنايات .
كذلك في باب الرياضات القلبية والرياضات الروحية والرياضات العقلية كثير من اهل الفضل عندما تقول له بان باب العقائد ولغة الوحي لغة عقلية وليست لغة تعبدية لا يمكن ان يتصور ذلك حيث هو ليس عنده الا التعبد الذي موجود في باب العبادات لذلك لاحظ هنا الامام الصادق ليس لسانه في هذه الرواية وحتى بيان امير المؤمنين في دعاء الصباح ودعاء كميل ونهج البلاغة الذي سنتعرض له عنده دورة رياضة روحية جدا مهمة شرحها كثير من العلماء الامامية يبين كيف المكاشفات وضابطتها صفحة واحدة في نهج البلاغة وكذلك الصحيفة السجادية والادعية ودعاء ابي حمزة الثمالي كلها عبارة عن قواعد في الانظمة الروحية والقلبية او دعاء السحر ودعاء البهاء للامام الباقر كله عبارة عن لغة عقلية بامتياز فالذي لم يطلع على باب البحوث العقلية بغض النظر عن المدارس وانها بشرية وانها نتاج بشري وفيها غث وسمين ولا تتطاول الى مستوى الوحي ولكن بالتالي انت اصل الموضة يجب ان تعرفها والا كيف تشخص الخطأ من الصائب?
ففي هذه الرواية الشريفة ليس الامام في صدد تأسيس وتعبد وانما هذه امور تكوينية يرشد اليها ونحن محتاجين لارشاد الوحي ومر بنا ان باب الامضاء ليس علمانية لا في الاقتصاد ولا في السياسة ولا في الاحوال الشخصية ولا في باب العسكر نحن عندنا انضباط ديني ولكنه امضائي وكذلك ليس عندنا علمانية في الرياضات الروحية ولا علمانية في التفكير العقلي فالعلمانية لا نؤمن بها في قبال مرشدية ومعلمية الوحي وانما العقل يتكامل وكذلك القلب وكذلك الانسان والاقتصاد والسياسة وبيت الاسرة الزوجية كلها تتكامل وكل هذه ابواب المعاملات ولكن تتكامل في ظل ارشاد الوحي لكن ارشاد الوحي في باب الامضاء يختلف عن باب التعبد في العبادات فيجب ان نلم بباب السياسة ولا نحمل الاخفاق الذي يحصل لدينا على الاحكام الشرعية ، فنحن عندنا اخفاق لا الاحكام الشرعية وهذا خطأ العلمانيين الذين يحملون الدين ذلك ، كلا التقصير من نفس رجال الدين او المتدينين ، هم يجب ان يلموا بخفايا النظام الامني ونظام السياسة والالاعيب السياسية كي يتحذروا منها وكيفية العلاج اما اذا كان الانسان يعيش نوع من الخواء السياسي والخواء الامني والقضائي والعسكري شيء طبيعي لن يلتفت الى توجيهات الشارع وارشاده ويظن ان الدين هو سبوح قدوس ، نعم هذا بعد من الدين اما البعد الاخر ايضا موجود ، فسيف ذو الفقار بعد اخر وصفين بعد اخر والجمل بعد اخر والنهروان بعد اخر وبدر واحد وخندق وخيبر هذا بعد اخر من الدين فهذا ايضا دين وليس فقط الدين هو العبادات.
فالمقصود باب العبادات على حاله من ثم انت لاحظ لغة الرياضات الروحية والقلبية قبل ان تنشأ صوفية الاسلام والفرق الباطنية الشيعية التي تولدت منها الصوفية هي هذه الالفاظ بقضها وقضيضها وكل كلماتها موجودة في روايات النبي وامير المؤمنين والقرآن وكلمات الائمة مثل ما مر بنا نزل منزلا كانما سفر ومقام يعني نفس الاصطلاحات الذي هو عند الصوفية هذه امور تكوينية الشارع يرشدها ويهذبها ويقننها وهو مطلع وحيانيا على الامور التكوينية اكثر من البشر حيث البشر تجارب اما الوحي هو اطلاع كما يطلع على الغيب والعرش والسماوات وعلى عوالم عديدة فاطلاع الوحي على العوالم ليس من باب التعبد وانما من باب الاخبار والارشاد .
طبعا نحن ملزمين بارشاد الشارع وبتهذيب وتشذيب وهدايته ولكن هذا الباب سواء عقليات قلبيات نفسانيات امنيات سياسيات عسكريات اقتصاديات ماليات ونظام البنوك يجب اولا يجب ان تطلع انت على البيئة ثم ترجع للوحي .
السيد الخوئي في المسائل المستحدثة وكذلك تلاميذه اعتبر البنك الاهلي يختلف عن البنك المشترك والبنك الحكومي فالبنك المشترك والبنك الحكومي ماله حكومي اما البنك الاهلي ماله ملك خاص وهذا لمن يطلع على بيئة البنوك وبيئة حركة المال يرى ان هذا فرض خاطئ جدا ، فالبنك الاهلي لا يختلف عن البنك المشترك في ان السيولة حكومية وليست فقط اهلية فموضوعا لا فرق بين البنك الاهلي والبنك المشترك ، فموضوعا رؤية السيد الخوئي وتلاميذه في غير محلها فالرجوع الى المتخصصين يكشف شيء اخر لان هذا البحث امضائي وليس تأسيسي وهكذا في العسكر وفي النظام العسكري والقضايا العسكرية والامن العسكري ما يمكن نبقى على الفاظ لغوية وانما يجب الرجوع الى كل من المتخصصين والخبراء .
حتى السيد الخوئي في باب الجهاد يقول يجب على الفقيه الرجوع والاستعانة بالنخبة العسكرية وهذا ذكره في الصالحين فالمقصود ان باب الامضاء ليس هي علمانية ولا هي محبوسة على النصوص وانما امر بين امرين كذلك في البحوث العقلية والعقائد الروحية والقلبية هذه منهجية جدا مهمة .