46/04/26
الموضوع: السفر وسير الروح و منازلها ومقاماتها
لا زلنا في الحديث المبارك عن الامام الصادق حول المدارس والرياضات الروحية والقلبية ومر بنا انه ما هي المناسبة ان الامام كان يتكلم مع تلميذه حول بطلان عقيدة التجسيم وكفرها ولكن انتقل من هذا البحث الى الرياضة الروحية ؟
فانتقاله كان ببرهان ان القلب يرى ما لا يراه الجسم والايمان متقوم بالقلب فلا يمكن ان رؤية الله بالجسم وانما الرؤية بالقلب والرؤية بالقلب ليست جسمانية انما هي بالايات لذلك عليه السلام بعد ان تبرأ ممن يعتقد بالجسمية في الله قال فالله منه بريء ونحن منه براء ثم قال عليه السلام ان اولي الالباب الذين عملوا بالفكرة وهذه احد المدارس .
نفس التعلم الكسبي يقول عنه الامام الصادق رياضة من الرياضات الروحية والقلبية فمعروف عند العرفاء والصوفية ان العلم الكسبي الحصولي لا يسمن ولا يغني من جوع في الرياضات الروحية والقلبية وهنا الامام يدحض هذا ويقول ان الرياضة الفكرية تصب في الرياضة الروحية والقلبية و احد انواع الرياضة الروحية والقلبية هي الرياضة الفكرية فالفكر يورث رياضة قلبية ورياضة روحية ورياضة نفسانية شبيه ما ورد عنهم العلم امام او امام العمل بالتالي هو مصباح وكان اكثر عبادة ابي ذر التفكر في امر الله وقد وصل ابو ذر الى المرتبة التاسعة في الايمان وهذا ليس بالامر السهل .
فقال عليه السلام ان اولي الالباب الذين عملوا بالفكرة حتى ورثوا منه حب الله يعني حتى الذكر الفكري يورث الحب في القلب هذه تداعيات وتأثيرات الرياضة الفكرية على القلب فالانشداد الفكري بنحو الدوام للشيء يورث محبة ذلك الشيء في القلب ، وهنا يبين ان منازل الرياضات تتبع بعضها بعضا فان حب الله اذا ورثه القلب استضاء به فمنازل القلب من منزل حب الله الى منزل الضياء فيستضاء به واسرع اليه اللطف منزل اخر يعبرون عنه بالمنزل وهذه التعابير عند العرفاء والصوفية مأخوذة من ائمة اهل البيت نزل منزلا يعني الحركة موجودة .
فالامام هنا صريح بالسير والحركة والسفر وهذا السير ليس تخيلي وانما حقيقي يعني الروح تتحرك في عوالم وان كان الانسان في يقظته لذلك التفكر بالامور الحقة والنيرة تلقائيا تكامل للنفس وعروج وسير وسفر وحركة وكمال للنفس وعروج لها ، فلها نزول وهبوط واقبال وادبار وهذه العناوين كلها في الاصل ابتدأت في كلمات الوحي لدى العترة يعني هذه الكلمات هي حقائق عن مباحث الوحي .
اذا ورثه القلب استضاء به واسرع اليه اللطف فاذا نزل منزلا صار من اهل الفوائد فاللطف شيء والفوائد شيء وغالبا في المقامات الروحية المنزل اللاحق اكمل من السابق اذا كان عروج بخلاف ما اذا كان هبوط ، هناك كتاب مسمى بمنازل السائرين وهو نوع من الاقتباس والتلخيص الواضح من كلام اهل البيت ومع ذلك ترى جفاف في كتبهم وعباراتهم بخلاف بيانات اهل البيت هي نور طافح .
فاذا نزل منزلا صار من اهل الفوائد فاذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة فالمنازل هنا متعددة اولي الالباب منزلة والعمل بالفكر منزلة اورثه الله في القلب منزلة وضياء القلب منزلة واللطف الى القلب منزلة فمنازل بعضها تتلو بعض .
ما الفرق بين المنزل والمقام؟ المنزلة تصل اليه الروح او القلب من دون ضرورة ان تكون الروح والقلب متمكنة من ذلك المقام ومن ذلك الكمال فيسمى منزلا اما اذا صارت الروح او القلب متمكنة من ذلك الكمال يقال مقام لها يعني تقيم فيه ولا تغادره نعم تتكامل وتذهب الى مقامات اخرى وتكتسب مقامات اخرى ولكنها لا تفقد السابق ففرق بين المنزل والمقام منزل يعني انت في سفر او عبر عن المقام من المقامات انت مكنت النفس منها هو مقام فالمدينة الفلانية مستقر لك او منزل سفر ويشترط في السفر ان لا يكون مرور بالوطن او بمدينة هي مقر عمل لك .
فهنا كما ان في الجانب الحسي البدني درجات في سير القلب هكذا درجات حتى المقامات ربما الانسان يفقدها والمنازل هي حالات يمر عبر الكمالات بنحو الحالات والسفر فيسمى منازل وهذي بيانات من اهل البيت قبل ان تخلق الصوفية في النصف الاول من القرن الثاني .
هذا علم لم يخض فيه جملة من فقهاء وتلاميذ الامام الصادق ولكن خاض فيه اخرون من تلاميذه لاحظ حتى هشام ابن الحكم في علم الكلام والفكر متضلع اما في هذه المباحث فالمفضل ابن عمر ويونس ابن ظبيان مما يدلل على ان علوم الائمة متنوعة وبتنوعها تتنوع اختصاصات تلاميذ الائمة ومن ثم التلميذ ما يستوعب علم تلميذ اخر فتصير تشنجات وتوترات لان هذا مأنوس على اصطلاحات معينة وذاك لم يطلع على تلك فتصير صراعات .
فعلم فقه قلوب غير علم الكلام وان كان كل من العلمين يبحث حول المعارف والعقائد وغالبا اصحاب علم الكلام عندهم توتر شديد مع الطرف الاخر الان سلمان عنده علم الكلام والحكمة وابو ذر عنده علم الكلام وبحث الفكر من ثم في الاحتجاجات برز ابوذر مع الطرف الاخر وعنده اعتراضات على الثالث بل حتى في المصادر اعتراضاته بدأت على الثاني بل الاول فتلاميذ الائمة متعددون ومثال بارز لهذا التنوع والتعدد الفرق بين تلمذة عبد الله بن عباس على يد النبي واكثره على يد امير المؤمنين وبين تلمذة سلمان واويس القرني ، فالاخير كان في صفين لكن النبي وامير المؤمنين لم يؤهلاه كما اهلا عبدالله بن عباس فابن عباس في الحجة الكلامية الفكرية اقوى من اويس القرني بل كان امير المؤمنين يخصه في الاحتجاج ، مثلا في الجمل بعثه ليحاجج المرأة ولم يبعث عمار ابن ياسر لان عمار من صنف الجانب الروحي القلبي بخلاف عبدالله بن عباس ونفس عبدالله بن عباس اذا اطلع على هذا الجانب يستغرب ويترجل فكثير من معاجز امير المؤمنين اللي هي من جانب القلب والروح كان يندهش منها ابن عباس ويتعجب او قبل وقوعها يتردد انه هل ما قاله امير المؤمنين عنده قدرة عليها ام لا؟ فهو مع انه قوي في جانب الفكر ويثبت امامة امير المؤمنين وبقوة لكن عندما يأتي الى عالم اللغة الاخرى يتلكأ .
فاذن هي كمالات مختلفة وليست على وتيرة واحدة الان النواب الاربعة في الغيبة الصغرى عندهم قدرات روحية وقلبية لا يمتلكها الفقهاء في زمانهم ولكن الفقهاء اقوى منهم فكريا حتى جملة من الفقهاء سواء في بغداد او في قم كانوا اقوى من النواب الاربعة في الفقه والفكر فترى شخصا شجاع والاخر كريم فحاتم الطائي قمة في الكرم وليس قمة في الشجاعة وعنترة قمة في الشجاعة فالكمالات متنوعة هذي كمالات متعددة ليس من الضرورة ان تكون في شخص واحد نحن نظن انه اذا كان احد اصحاب الائمة كاملا في جانب اذن لا بد ان يكون كامل في كل الجوانب كلا ليس بالضرورة وغالبا بني البشر لا تتكامل قواهم بنسبة واحدة نعم الافضل ان يصير التكامل في كل الجوانب وبشكل متساوي ولكن ليس بالضرورة وكم شاهدنا شخصا قوي في الفكر لكن في امور الرياضات الروحية متوسط وذلك القوي في الرياضات الروحية في الفكر متوسط فهذه منازل ومواضع الى ما شاء الله حتى العلوم الفكرية تجد شخصا قوي في علم الاصول ومتوسط في الفقه وشخص قوي في الفقه لكن متوسط في الاصول او فوق المتوسط قد يكون في علم الكلام والاصول والفقه قوي لكنه مترجل في علم الكلام فهذه علوم فكرية والفكر فيه انواع الرياضات القلبية .
ونحن شاهدنا احد الاعلام في الاذكار فالق الصباح كالوحي واذا اختار الذكر فهو مسدد لكن في التحليل الروحي ليس قوي وشاهدنا عالم اخر يعطيك نسخة لامراضك الروحية لكن ليس قوي في الذكر ففي العلوم القلبية والروحية التنوع اضعاف اضعاف كثيرة فلا تستغرب انه اذا كان قوي في جانب لا يكون قوي في جوانب اخرى يعني هذه الملكات الروحية والنفسانية ما شاء الله لها انواع وتطبيقاتها متعددة جدا كما ان العلوم متعددة جدا فهو قوي في الفقه لا تتوقعه قوي في علم الكلام .
معروف عن بعض العلماء انه قوي في علم الاصول لكن في الفقه متوسط بل دون المتوسط بل حتى في علم الفقه تراه في العبادات قوي لكن في المعاملات متوسط او العكس ، لذلك قضية اعلم بقول مطلق هذا فقط فرضية دائما التنوع والتعدد والكمالات الفكرية لا حصر لها وكذلك الكمالات الروحية والقلبية اضعاف اضعاف .
كما قال سيد الانبياء معادن كمعادن الذهب والفضة فلا تستصغرن احدا فكل له خاصية ولو يكتشف كل انسان ما اودعه الله فيه وميزه سيرى العجب العجاب عدا المعصومين الذين جمعوا الكل في الكل ، فلذلك الان في علم النفس الحديث وعلم التنمية البشرية الحديثة يقولون اكتشف نفسك لانه فيك معدن تختص به يغاير معدن الاخرين ولكن الحري ان تكتشف نفسك انت عندك عطية وتحفة من الله عجيبة تمتاز بها عن الاخرين ولا تستوعب ذلك .
فاذن هناك منازل ومقامات ومر بنا احد اوصاف امير المؤمنين عليه السلام وحتى بقية الائمة السلام عليك يا باب المقام والحجة في الخصام وفصل الخطاب لذلك قال عليه السلام اذا نزل منزلا اسرع اليه اللطف هذه اصطلاحات قبل الصوفية وقبل العرفاء والفلاسفة والمتكلمين هذه اصطلاحات وحقائق علمية في بيانات اهل البيت فاذا نزل منزلا صار من اهل الفوائد فاذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة فاذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة .
ان لقمان وصل الى الحكمة بعد ان طوى المنازل والمقامات ومما وصف النبي المؤمن انه كيس فطن حذر يعني المؤمن الذي لم يصل الى مقام الفطنة ايمانه ناقص فهنا يبين الامام ان الفطنة مقام وراء الحكمة واكمل منها فاذا نزل منزلا يعني عبر نزل حركة السير وسفر وهذا الاصطلاح من نفس وحي العترة وليس من نتاج علماء بشريين فاذا عمل به يعني بالفطنة او القدرة عرف الاطباق السبعة وهي عبارة عن مراتب وجود الانسان الروحية والارواح السبعة في الانسان وهي عبارة ثالثة عن الوجود السماوي الاول ، يعني في كل سماء لنا وجود وكون روحي مرتبط بنا ، فاذن الاطباق السبعة وراء مقام لقمان ومقام القدرة وراء مقام لقمان ولقمان وصل الى الحكمة وفي شأن سلمان موجود انه حصل على مقام الحكمة .
قدرة الاطباق السبعة ان تكتشف اكوانك وروحك في السماء الاولى والثانية يعني روحك من سنخ السماء الاولى وكذلك الثانية وهذا غير ارواح البرزخ التي فينا وغير الروح غير المرئية الدنيوية التي فينا ، فالانسان عنده ارواح عجيبة غريبة