الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث العقائد

46/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: ترويض النفس مبدأ عظيم في الوحي

 

لا زلنا في هذه الرواية الشريفة المروية في كفاية الاثر حيث يستعرض الامام الصادق المدارس المختلف للرياضات الروحية ومر بنا ان الترويض الروحي بالاليات المباحة فضلا عن الاليات الراجحة امر محبذ شرعا حيث الاليات قد تكون غير راجحة ولكن ليست مرجوحة او ليست ممنوعة ومحرمة قد تكون مكروهة والمكروه ليس بحرام فالترويض النفسي والروحي امر محمود عند الوحي كما يقول امير المؤمنين انما هي نفسي اروضها لتأتي سالمة يوم الفزع الاكبر .

احد اليات ترويض النفس هوالمحاسبة والوحي ذكر اليات متعددة لترويض النفس ، فمن لم يحاسب نفسه في اليوم ثلاث مرات ليس منا فهي محاسبة فكرية وهناك اليات بدنية واليات نفسانية واليات قلبية فالاليات عديدة لترويض النفس رغم ان الشارع بين اليات كثيرة وخطوط حمراء وهي المحرمات نعم الباقي كالمكروه والمباح والمستحب والواجب بابه واسع فالمكروه ولو كان مكروها لكن بالتالي ليس بحرام ومن ثم قال الفقهاء الشيء الراجح الاكيد لا يزاحم المكروه غير الشديد فاذن في حين ان الشارع بين اليات كثيرة بعضها اوجبها مثل الصلاة فهي ترويض وتطويع وتخضيع للنفس وهي احد الامور اللذيذة في الصلاة انها رياضة نفسانية وبدنية وسوق الرياضة البدنية في سياق الرياضة الروحية والنفسانية طول الركوع ترويض نفسي كذلك طول السجود اخناع للشهوة وكبح للتكبر وللشطط كذلك طول القنوت وطول الوقوف بين يدي الله في القنوت يكسر قسوة القلب سواء في صلاة الليل او غيرها.

فطبيعة الدعاء يجعل هذا الحديد القاسي للقلب مطاوعا فالمقصود ان الاليات التي بينها الشارع عظيمة جدا ولو يدمن عليه الانسان سنة او اربعين يوما او شهرين يجد اثره فبالتالي هذه المستحبات الكثيرة في العبادات الهدف منها انها اليات لرياضة النفس والروح والقلب ، الان ما هي فلسفة الاداب؟ كل باب من ابواب الفقه فيه اداب حتى قضاء الحاجة لان باب الاداب ايضا ترويض للنفس يبدأ من القوى البدنية الى القوى النفسانية الى القوى الروحية الى ترويض القلب فماهية الاداب في الشريعة عدة ماهيات وعدة هويات .

العام الماضي بينا للاخوان احد ابعاد الاداب في العشرة والتعامل لعل هناك مئة وستة باب ذكرها صاحب الوسائل في العشرة في كتاب الحج باعتبار ان الحج فيه تعاشر الناس وكذلك مستدرك الميرزا النوري وكذلك في البحار ربما تصير الفين او ثلاثة الاف رواية ، هذا يسمى بعلم الحديث انه نعرف المصادر اين؟ فاذا ما عندك اطلاع على كتب الحديث وابوابها وتعداد الاحاديث والابواب كيف يمكن لك ان تفحص عن الدليل الشرعي؟ فنصير علمانيين وليس شرعيين وهذا معنى علم الحديث .

نقلت لكم عن تلاميذ الشيخ حسين الحلي ينقلون عنه انه كان يحفظ عناوين ابواب الوسائل وهذي اعظم من الفية ابن مالك كي يلتفت ان هذا الباب ما هو معناه بل كانوا يقولون يحفظ الرقم العددي لكل باب مثلا هذا الباب فيه خمسة احاديث وذاك الباب فيه عشرين حديث مع ان الشيخ حسين الحلي منهجه اصولي ولكن لا يمكنه ان يبتعد عن الاحاديث فكونك تتضلع في الحديث ليس معناه ان الصناعة الاصولية تتركها وكونك عندك صنعة اصولية لا يفيدك ذلك اذا ما عندك مواد وحيانية .

كذلك العلامة الطباطبائي نفس المطلب وكذلك السيد هادي الميلاني من انبغ تلاميذ الميرزا النائيني في الاصول تباحث حتى مع العلامة الطباطبائي في متن الوسائل من الجلد الى الجلد والعلامة الطباطبائي لخص البحار مرتين ربما كثير من الاعلام لم يقرأ البحار كله مرة واحدة بينما العلامة الطباطبائي مع انه فيلسوف وعقلي ودقي لكن وجد لزاما على نفسه ان يسبر البحار مرتين وهذا نقل عنه الشيخ جعفر سبحاني فدارس البحار ولخصه بينه وبين نفسه .

فعلم الحديث لابد من الاطلاع عليه فيجب الاطلاع على كتب الحديث وصاحب الكتب ما هي ترجمته وفي اي قرن من القرون واخذ عمن ومن اخذ عنه هذه امور هي مشجرة لمصادر الادلة ولا يمكن الاستهانة بها .

يوم امس مع احد الاخوان كنا نلاحظ حديث في العقائد نقله بنمط بصائر الدرجات ونقله بنمط اخر الكليني فوجدنا ان الكليني في الالفاظ اضبط من البصائر مع انه كثير من مواد البصائر اكثر بسطا في الرواية من الكليني لان الاخير يقتصر على النقل المختصر لكن في هذا الموضع وجدنا الفاظ الرواية الكليني اضبط من بصائر الدرجات فمقارنة المصادر مع بعضها البعض مؤثر في ظهور الرواية ومفادها فاذا انا ما التفت ان هذا الحديث مظانه اين هل في الكافي او البصائر كيف يمكن لي الاستنباط؟

الان الشيخ الطوسي مع انه اصولي لكن يكتبون في وصفه المحدث الفقيه الاصولي المفسر الرجالي فهو كان حاوي لكثير من العلوم الدينية ومتضلع فيها فاذا لم يتضلع الانسان في علم الحديث سيترجل في الفحص وفي باب الاجتهاد والتقليد وكل الاعلام مقرين بذلك ان الذي لا يفحص فحصا كاملا فاستنباطه غير مجزي لنفسه فضلا عن ان يفتي الاخرين فيجب التروي والتريث والتضلع ومنها الاطلاع على علم الحديث .

الكتب الحديثية التي كتبها الشيخ الطوسي اكثر من كتب الاصول هو فقط كتب كتاب واحد في الاصول لكن عنده التهذيب والاستبصار والامالي والمصباح وكتب الحديث عنده اكثر من الفقه الاستدلالي كذالك المزار الكبير والمزار الصغير وكذلك المفيد عنده الامالي والمرتضى عنده امالي في الحديث فهؤلاء الاعلام كلهم عندهم كتاب في الحديث .

الشيخ الطوسي في الفهرس يقر بان اغلب طرقه لكتب الحديث عن طريق الشيخ المفيد فانظر تبحر الشيخ المفيد في علم الحديث كذلك النجاشي يعترف ان اكثر طرق الكتب الحديث التي وصلت اليه عن طريق الشيخ المفيد وكذلك ابن قولويه صاحب كامل الزيارات المرجع الاعلى للشيعة واستاذ الشيخ المفيد الف كتاب كامل الزيارات وهو كله حديث وهو الذي خلده وعند السيد الخوئي هذا من اعظم كتب الحديث .

فاذا لم تتضلع في علم الحديث انت مستقاك سيكون العلوم البشرية والعلمانية فالشيخ حسين الحلي كان يحفظ اسماء ابواب الوسائل وهذه قدرة عجيبة وليس بالامر السهل انا لااطالب بان نحفظ عناوين الابواب لكن على الاقل نطالع ونطالس الحديث ولا احد يزايد على اصولية الشيخ حسين الحلي لكن هذا ما يدعوه الى ان يوجد عزلة بينه وبين علم الحديث .

اتفاقا كثير من الابواب الندبية فيها الزاميات غفل عنها متأخرو الاعصار وفي تلك المسائل يقولون لا دليل ولكن الدليل موجود ولكن ليس في الابواب الالزامية وانما في الندبية وانا جربته كرارا ، ابواب المزار غالبا المعاصرين ما يقفون عليه في الوسائل مائة وعشرة باب كثير من الاحكام الالزامية للشعائر الدينية موجودة فيه او كامل الزيارات مثلا ما يتصفحونه يقولون هي مندوبات مع ان الروايات المندوبات فيها الاحكام الالزامية اذا انت تفحص عنها لا تجدها في الابواب الالزامية وانما تجدها في الابواب الندبية هذه ملاحظة منهجية اجتهادية جدا .

المجلسي الاول صاحب روضة المتقين يتعجب من طبقات اساطين الفقهاء مع انه يمجدهم ويعظمهم يقول لم يعنوا انفسهم ان يتدبروا مليا في عبارة الصدوق في الفقيه في الشهادة الثالثة ولو نظروا اليها بتدبر وتأني لانكشف لهم كثير من الاوهام الخاطئة التي نقلت جيلا بعد جيل عن مصادر الشهادة الثالثة والعلامة الحلي وكاشف اللثام ايضا في وصيته في كيفية الاجتهاد يقول لا تعتمد على نقل الاعلام انت بنفسك اذهب الى المصدر وتدبر فيه ربما هو نقل موهوم لانه هولاء الاعلام ليسوا معصومين قد يخطأون ويتسرعون وهذا لا ينافي العدالة لكن بالتالي هو بشر .

توصية مهمة ذكرها الاكابر في باب العشرة في العام الماضي ذكرنا انها ثلاثة الاف رواية مع ان هذه ليست كل ابواب العشرة لان باب العشرة مثلا في الاسرة بين الزوجين هذا امر اخر هذا في باب النكاح غير باب الحج فهذا بحث سيال في الابواب اذا ما تلتفت اليه ففحصك ناقص غير مجزئ فالعشرة وان ذكرها صاحب الوسائل ولكن ليس وحي منزل حيث هو مجتهد فقيه يخطئ ويصيب صاحب البحار كذلك والوافي والمستدرك للنوري فنفس التورق وتتصفح الاواب يصير عندك اخطبوطية في الفهرسة وتضلع وهيمنة فانت بدل ما تتصفح الانترنت تصفح فهرسة الكتب الحديث ككنز علمي عظيم ان هذا الكتاب كم باب فيه؟ لماذا الفه مؤلفه؟ فهذا يعطينا تضلع في الوصول الى مصادر الحديث وهذا لايفرق على اي منهج رجالي انت كنت ولكن بالتالي التضلع ضروري .

فباب العشرة احد عناوينه عبارة عن قواعد علم الادارة وفن التعامل الاداري والان هي من العلوم السحرية الاستراتيجية وعلوم نجاح الاسرة والمؤسسة ونجاح الشخصية والذي ليس عنده ادارة فاشل وليس بناجح ومن القديم الى الان ، فلو ان مؤسسة ارادت ان تبحث ما هي نظريات الشارع في قواعد علم الادارة وادارة الدولة وادارة المؤسسة والوزارة والاسرة والمجتمع لان الادارة مثل الدم الذي يسري في كل العلوم الادارة في باب العشرة يعني قواعد الادارة وهذا من هوية ماهية اداب العشرة اذا كنت تريد زوجية ناجحة بين الزوجين فانظر اداب العشرة بين الزوجين في باب النكاح وذكرت فيه قواعد لنجاح الاسرة وان قواعد تربية الاب لابنائه موجودة في ابواب احكام الاولاد فهذه قواعد للنجاح في الحياة الدنيا قبل الاخرة ، ثم هناك بعد اخر في الاداب هو ما نحن فيه وهو فقه القلوب وترويض النفس والروح وليس مرتبط بالقواعد الادارية.