الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث العقائد

46/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المعرفة الفكرية والمودة القلبية قوام الإعتقاد

 

مر بنا ان افعال القلوب التي يقوم بها القلب اعلى طبقات تلك الافعال مرتبطة باصول الدين وباصول العقيدة وان ما ذكر من تعريف اصول الدين من التوحيد والنبوة والامامة والمعاد والعدل في كتب الكلام او الفلسفة او التفسير او الفقه هذه التعريفات لاصول الدين وللوظيفة العقائدية في اصول الدين هذه التعريفات ناقصة ليست كاملة تامة لان الاعلام ركزوا على فعل العقل النظري والقوة الفكرية واعملوا بعده العقل العملي وهذا بخلاف المحدثين .

طبعا الاذعان هو من فعل العقل العملي والتصديق الذي ذكروه من فعل العقل العملي ولا انفي ذلك لكن لم يتوسعوا في بيان فعل العقل العملي اللي هي طبقة من طبقات القلب وهذا يسبب الاخلال وقد مر بنا العام الماضي ان فقه القلوب علم اعلى رتبة من الرياضة الروحية وعلم الرياضات الروحية اعلى رتبة من علم الاخلاق وعلم الاخلاق اعلى رتبة من علم الاداب فهذه اربعة علوم ترتبط بالجانب العملاني .

فهذا مصدر اشتقاقي من العمل والجانب العملي والقوى العملية في الروح ، فليس المقصود من العمل عمل البدن وانما الفروع مرتبطة بعمل البدن كلامنا في فريق القوى العملية في النفس فعندنا فريق القوى الادراكية للعلم الحصولي وعندنا فريق عملي وادراكي للادراك وهو ليس عبر الصورة الحاصلة في الذهن بل عبر اجهزة زود بها الانسان يتلقى ذبذبات موجية كونية من عوالم غيبية .

فالعلم الحضوري اذا اردنا ان نفسره بتفسير اصح او ابلغ بلغة عصرية هناك فريق من قوى الانسان هي عملانية عملية وادراك لامور تكوينية غير مرئية وخفيفة وهناك روايات في كامل الزيارات ان سيد الانبياء يكون حاضرا في الزيارات العمدة لسيد الشهداء وكذا الانبياء والاوصياء واهل البيت عليهم السلام فسيد الانبياء يأمر ان توصل تحياته لزوار الحسين فتقول الملائكة يا رسول الله هؤلاء لا يسمعوننا كيف نوصلهم الرسالة ؟ فيقول ص انهم يستشعرون بكم فالبهجة التي تحدث لهم في الروح واستشعار اجمالي بكم والبهجة والطمأنينة والسعادة وانشراح الصدر الذي يحصل لزائر الحسين هي من الارتباط الروحي القريب بينه وبين الملائكة وهذا يعبر عنه في روايات عديدة اخرى بمصافحة الملائكة او مصافحة النبيين وليس المراد بالمصافحة مصافحة اليد وانما يعني صفحة وجودهم البرزخي النوري تتقابل مع صفحة روح الانسان فيشعر بانشراح الصدر وطمأنينة هذه الاستشعارات ليست من قوى الادراك الحصولية انما هي من قوى الاستشعار الحضورية ومن قوى القلب .

او لا سمح الله بالعكس عندما تذهب الى اماكن المعاصي ينقبض روحك كاغلب المدن الغربية في اوروبا يعبرون عنها مدن الاكتئاب حتى الدول الشرقية او الشرق الاوسط لانها مستغرقة في الذنوب والمادة ، فالاغراق في الجانب المادي دون الروحي يصير ظلمة ومرض الاكتئاب واكثر الادوية التي تباع في هذه المجتمعات هي ادوية الاعصاب .

هذه الاستشعارات لدى الانسان ليست بالقوة الفكرية وانما في ميدان الوجود غير المرئي فالانسان يجب ان يحاسب حالاته الروحية التي عنده كما يحساب افكاره واعماله ، فالذنب يوجب انقباض الانسان والطاعة توجب انبساطه وطمانينته ، فالذنب وجود روحي ملكوتي يتكلم وله شكل باشد قباحة من الشياطين .

هذا بخلاف الطاعة كما يقول الامام الباقر في كتاب الكافي الطاعة كالصلاة وجود ملكوتي جوهري يتكلم مع الانسان في باطنه ويؤنسه وان لم يره الانسان الراوي يقول للامام الباقر او هل الصلاة تتكلم يا بن رسول الله ؟ قال رحم الله المستضعفين من شيعتنا نعم الصلاة تتكلم يعني جوهر ملكوتي نوراني يتكلم يأمر وينهي يؤانس الانسان وكلما زاد الانسان من صلوات النوافل ازداد النور الذي يحتف به .

هناك في حديث قدسي ان المؤمن او العبد اعظم ما يعين الله عز وجل في ارضه ان يكثر من الصلاة يعني يعين في هداية هذا العبد فهذا فريق من قوى الانسان ، او ليس منا من لم يحاسب نفسه يعني لم يراقب ويتحسس القوى الفكرية والقوى القلبية والاستشعارات لان هذه تجعل الانسان في حالة يقظة فالناس نياموا عن هذه الحقائق اذا ماتوا انتبهوا فانت من الان تستطيع ان تستشعرها وتعيش حالة ما بعد الموت ولو استشعارات من بعيد تلتفت انت انها الحالة البرزخية شيء فشيء تستطيع ان تستكشف مقعدك في القيامة اين?

عندنا بيانات متواترة من شهد شهادة زور يتبوأ مقعده من النار يعني الان له ارتباط بالوجود الاخروي والان يتبوأ مقعده من النار وكذلك يتبوأ مقعده من الجنة يعني من الان ترتبط تلقائيا وينشرح صدرك ويستنير قلبك وروحك ، فالمقصود المحاسبة هي نوع من استكشاف هذا الفريق وهذا الفريق ، فقوى الاستشعار الباطني عند الانسان التي ترتبط بالعلم الحضوري اعلاها القلب ثم الروح ثم النفس ثم القوى العمالة بين النفس والبدن اي الاداب اربعة طبقات من العلوم ولا يمكن للانسان ان يتمرس ويتضلع ويتبحر فيها الا بالدوام والمراقبة الداخلية يعني ان تستكشف وتستطلع حالاتك .

فقم بخوض واستشعارات هذه الحالة بشكل مجهري شيئا فشيء تتطلع تلقائيا بل هذا يعطيك التمرس والتوسم في حالات الاخرين ولكن الانسان يشتغل بنفسه افضل مما يشتغل بتتبع عورات الاخرين فيتوسم نفسه قبل ان يتوسم غيره فهذا بحث كلي ومهم وطرحناه اكثر من ستة عشر سنة في بداية بحث اصول الكافي لكن بوسع اوسع .

فافعال القلب غير افعال الروح وغير افعال النفس وغير افعال القوى العملية المرتبطة بين النفس والبدن ، افعال القلب هي مقومة للوظيفة الاعتقادية في اصول الدين وهذا الجانب مغفول عنه في تعاريف علم الكلام وكذلك في اصول الفقه حتى الفقهاء دوما يتعرضون لوظائف العقل النظري واجمالا العقل العملي واما تفاصيل العقل العملي لا يتعرضون له وهذا يسبب خلل كبير وتداعيات كبيرة حتى في الفقه والعقائد او التفسير .

ان مثاله العظيم الذي مر بنا في الجلسة السابقة هو التوحيد وهو اعظم من فريضة التوحيد يعني في تعبير القرآن الكريم في موارد عديدة بين الله وبين بني اسرائيل واذ اخذ الله ميثاقكم ان لا تعبدوا الا الله ولا تشركوا به شيئا فهذه ولو كانت فريضة وتعهد لكن الاعظم من التعهد هو اصل التوحيد وهو اعظم من الوفاء بالتوحيد فالتوحيد هو نفسه عقيدة وهو حب الله .

الامام الصادق في روايات عديدة يسأله الراوي عن الحب والبغض فيقول هل الدين الا الحب والبغض? فالدين يعني اصول العقيدة فانظر البون البعيد بين بيان الامام الصادق وعلماء الكلام وان كانوا هم قاموا بجهد مشكور وبينوا وظيفة العقل النظري وهذا صحيح وضروري كما هو مبين في الروايات اول الدين معرفته يعني الجهة الفكرية هذا لا اشكال فيه لكن تتمة اركان العقيدة لم تذكر فيجب ان نتبين مدى خطورة فقه القلوب في العقيدة وفي استنطاق الادلة الوحيانية في العقيدة .

الان قوله تعالى قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى المودة وظيفة قلبية عقائدية وليست فقط فرعية مثلا مقطع اخر في القرآن واذ اخذ الله ميثاقكم الا تشركوا بي شيئا يخاطب بني اسرائيل فهذا مرتبط بالعقيدة فالمودة ليست وظيفة فرعية وانما هي اعتقاد ولكنها بلون وفعل القلب لا فعل الفكر فاذا كانت المودة عقيدة وهي اصل ايمان وهي عقيدة فاداء العقيدة بالله ان تحب الله والعقيدة بالنبي ان تحب النبي تعرفه وتحبه وليس فقط تعرفه ، فابليس ايضا يعرف النبي وربما معرفة ابليس ازيد منا لكنه لا يحب النبي ومر بنا ابليس يعرف الله ولكنه يتمرد على الله ويحقد عليه اذن الان ابليس عنده حقد على الله .

اليهود الى الان عندهم حقد على الله يعتقدون ان الله ظلمهم لماذا قدم بني اسماعيل وسيد الانبياء عليهم ؟ فقام بالحيف والظلم لماذا قدم بني اسماعيل على بني اسحاق? وعندهم عداوة خاصة بجبرائيل من كان عدوا لجبرائيل وهذا الملك علاقته مع بني اسرائيل متوترة من كان عدوا لجبريل فانه نزله على قلبك باذن الله فالاعتقاد بالله ليس صرف المعرفة وانما المحبة اما انك تعادي الله قلبا هذا ليس للايمان فيه وجود المحبة لله ركن ركين في التوحيد نفس العداوة لله العداوة القلبية ارتداد عن الدين وليس معصية كبقية المعاصي في الفروع وانما انسلاخ عن العقيدة فانظر بعد افعال القلب .

كذلك بالنسبة الى ولاية امير المؤمنين هي ليست صرف معرفة فكرية الولاية محبة قلبية فالمودة المذكورة في ايات المودة هي عبارة عن نفس الوظيفة الاعتقادية ونفس العقيدة لا ان الوجوب الاعتقادي للمودة ليست اعتقادي وانما اصل المودة اعظم الوجود لها ، وكما مر بنا التوحيد اعظم من لزوم التوحيد و وجوب الصلاة اعظم من اداء الصلاة لان الصلاة من الفروع ولكن وجوبها من الاصول بينما التوحيد اعظم من لزوم التوحيد لزوم التوحيد ولو كان من الاصول لكن تبع لنفس التوحيد .

ذات الله اعظم من تشريع الله وهكذا في المودة وفي معرفة وحب النبي فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم يعني يقروا بلزوم حاكميتك يعني التحكيم نفسه هو ركن في الايمان ولزوم الفعل تبع ، فما قال يقروا بلزوم تحكيمك وبلزوم حاكميتك وانما نفس الفعل اعظم من حكم الفعل حتى يحكموك ولا يجدوا حرجا مما قضيت ، فنفس هذا اعظم من الحكم بلزومه ويسلموا تسليما .

فاعظم قراءة لاية المودة ان المودة هي عقيدة ووظيفة عقائدية لاصول الدين اعظم من حكم المودة ومن افتراضها من ثم نستطيع ان نستظهر تسالم المذاهب الامامية ان بغض اهل البيت المعلن هو نفسه ارتداد اما غير المعلن فهو ارتداد عن الاسلام الواقعي والمعلن هو ارتداد على الاسلام الظاهري فهو بنفسه ارتداد لا من جهة انكار الحكم ، هناك كثير من النواصب من الذين لديهم كتابات اسلامية ودينية عبر القرون يقرون بان اية المودة فيها فريضة المودة لكن يقولون مع ذلك نبغض اهل البيت فهم لا ينكرون الحكم لكن لا يمتثلوه .

فنفس البغض هو محظور اعظم من انكار حكم الضروري لان المودة اعتبرها الشارع اصل ثالث الشارع قال المودة تعدل الدين كله وليس حكم المودة عدل الدين وانما حكمها تبع ، شبيه قول امير المؤمنين ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك وانما وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك يعني ليس الحكم وانما نفس الوجدان ، فليس من جهة الحكم والعقوبة وجزاء العقوبة وانما هذه كلها ذيول وتبع وانما وجدتك يعني في التوحيد والولاية هكذا فالمودة اعظم من حكم المودة.