الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث العقائد

46/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: فقه القلوب وأساس الاعتقالات

في سلسلة فقه القلوب مر بنا ان اهمية فقه القلوب ليس مجرد الرياضة الروحية بل اصل الايمان متقوم بفعلين اساسيين فعل القوة الفكرية والادراك العقلي النظري والفعل الثاني يقوم به العقل العملي او القلب ومر بنا هذا الفعل الثاني مغفول عنه في بيانات علماء الكلام طرا وهذه من نواقص علم الكلام بينما البيان الوحياني للعقائد جامع وحياني بينما بيان الكلام والفلسفة او حتى العرفان لا تخلو من نقائص واخفاقات غالبا بخلاف قوالب عناوين الوحي فهذا ليس مبحث تسامحي وهين وانما جدا مهم وخطير يجب ان يؤخذ في الايمان البعد القلبي الى الله ورسوله والعطرة والا بدونه ما يتحقق الايمان وهذا ليس امر ممتنع عن الانسان فالحب والبغض اختياريان لدى الانسان يمكن للانسان ان يحبب لنفسه ويمكن ان يكره لنفسه شيء فالحب والبغض امران اختياريان قد لا يكون اختياري وممكن دفعة وبسرعة ولكن بالتدريج اختياري ولا سيما على كل انسان ان يلتفت لنفسه انه ليس هو جوهر واحد وانما جواهر متعددة ، نعم هو شخصية وهوية واحدة لكن جواهر متعددة فالانسان مجموعة جواهر وغرائز ونوازع ، نزوع القوة يعني تنزع الانسان تحركه تجذبه او تنفره قوى نزوعية تنزعك من مكان وتحلل مكان اخر فهذا باب كبير واساسي معرفي في الانسان .

من عرف نفسه فقد عرف ربه وعرف نبيه وعرف امامه وعرف معاده فهذه النفس حقائق الانسان وليست تمام حقيقة الانسان فتعدد حقائق الانسان اعظم غنيمة تكوينية يستحصل عليها الانسان فليست المعرفة فكرية فقط وانما المعرفة وجدانية يجد نفسه انه عبارة عن مملكة فيها احزاب متعارضة وفيها جواهر متنافسة فيجد ذلك لا انه يفكر فاذا انتبه الانسان الى هذا الاصل المعرفي العظيم حينئذ لن يستغفل من قوى الشر وسوف يحاول ان يعطي الغلبة لقوى الخير في نفسه حتى لو كانت قوى الخير مغلوب على امرها الهي عقلي مغلوب ونفسي معيوب وهواي غالب ولكن هو الانسان يقلب الكفة شريطة ان يدرك وجدانا لا فكرا فقط .

فبداية الوجدان هو الفكر فالادراك الفكري للعقل النظري والادراك الوجداني للقلب والعقل جناحان يطير بهما الانسان الى الكمال وسيطر بهما على قوى الشر وعلى قوى الخير ويغالب وينصر قوى الخير على قوى الشر في نفسه وان اطبعت قوى الشر في الانسان بان تعطيه رشوة الحلاوة والجذابية .

قد انت ترى في نفسك بغض الله لكن هذا لا يمثل كل قوى نفسك وانما قوة من قوى نفسك الشهوة هي التي تبغض لماذا تحكمها؟ اذهب الى قوى العقل وقوى اخرى نشطها قويها ستجد حب الله وحب الرسول وحب العترة اذن الميول في الانسان تحت سيطرة الانسان يعني يمكن ان يسيطر عليها اياك ان تخدع من قوة واحدة وتظن ان هذا تمام ذاتك ، فانت لست قوة واحدة وانما مجموعة قوى فالانسان مجموعة من الاجواء والفضائات .

ربما بعض الفلاسفة او المتكلمين او الفقهاء وعلماء الاخلاق يرون بان المحبة والكراهة ليست اختيارية وانما جبرية وهذا دعوى خاطئة ليست صحيحة الحب والبغض من الافعال الاختيارية للانسان يمكن للانسان نفسه ان يحبب لنفسه شيء ويمكن ان يكره لنفسه شيء اليات المحبة والكراهة ذكرناها مرارا فدائما الانسان يميل الى الاحسان اذا يتذكر نعم الله لان تذكر نعم الله عبادة حيث تطوع ذات الانسان الى الله وهو امر مؤثر في استصلاح النفس وفي تحسين العلاقة بين الانسان والرب وحتى في بيانات الائمة ان تذكر النعم اعلى مراتب الحمد واعلى مراتب شكر النعمة يعني اعظم من شكر النعمة باللسان فتذكر النعمة في الذهن وفي القلب مهمة وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها .

اذن المحبة غير متناهية ممكن الانسان يغذي قلبه بمحبة الله بان يذكر النعمة الفلانية لذلك من اساليب اهل البيت في الادعية وغيرها كدعاء عرفة استعراض نعم الله فيخلق الانسان محبة لله ومديونية له والتفات الانسان الى مدى اللطف الذي لله على العبد وعلى المكلف تواتر اللطف وتواتر الاحسان ومن ثم يعبد الانسان ايضا للطاعة وعدم التمرد بالمعصية يرى ان المعصية كم هي قبيحة بغض النظر عن القبح الذاتي في الفعل والمعصية ، فاصل المعصية هي قبيحة حيث تمرد على المنعم المحسن .

فالمحبة والكراهة لها اليات اختيارية كثيرة وهذا ليس مبحث اخلاقي وانما هذا مرتبط بالعقائد وكيفية علاقته بربه ونبيه والعترة احد اسرار فضائل اهل البيت انها تحببك الى اهل البيت الانسان مجبول على حب العظمة والجمال والكمال يقولون ما فائدة الفضائل تقرأها على المنبر؟ اذكر لنا فقط المشاكل الاجتماعية اي كلام هذا؟ الفضائل دين اذا ما تطبع نفسك على محبة اهل البيت ستنقلب الى ناصبي في ذاتك من دون ان تشعر وتكون من المعادين لاهل البيت من حيث لا تشعر فانت اذكر فضائل اهل البيت ولو بلغة عصرية .

ان سر محبة اهل البيت الذي افترضه الله فريضة عظيمة هو كي نقتدي بهم ونتقرب بهم ونتقرب اليهم ونتقرب الى النور فالتقرب الى النور ينور الانسان والتقرب الى الظلمة يظلم الانسان فالتقرب الى خط الشر يجعل من الانسان السبع والشرية والدموية والتقرب الى خط النور يجعل انسان نير ومحب وعطوف فمساران مختلفان مسار الخير ومسار الشر البشرية تعاني من تاريخها الاول الى يومنا هذا من الشر .

يقول لا تطبع كتب الفضائل تحت ذريعة انها غلو اي ذريعة هذه السخيفة ؟ فاي شيء الحسن يمكن ان يستغل بشكل سلبي هذا الصرح العظيم من العقيدة والمعارف فلسفتها الارتباط باهل البيت ومحبتهم فهل نزرع مكانها الكراهة والفتور والجفاء والتباعد؟ بينما انت تخلق لنفسك محاور اخرى تجعلها كانها الكعبة ... كلا القبلة الاصلية هي هنا لا مكان اخر الطواف هنا الطواف المقبول عند القلب ويطوف حول الله ورسوله واهل البيت فهذه نغمات عجيبة غريبة .

النفور يجب ان يكون من الشر ومن الظلمة الى النور وليس مجرد فكر والا لو كان الايمان فكر وادراك ابليس ايضا يدرك ، وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم عندنا في بيانات ال البيت ان ابليس رأى جهنم عين اليقين وليس علم اليقين بينما النبي يحيى لم يرها عين اليقين وانما علم اليقين فاذا انت ادركت بقلبك او رأيت بقلبك من بعيد يعبرون عنه علم اليقين بخلاف ان تراها بنفسك فتسمى عين اليقين كلا لو تعلمون علم اليقين لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين فهناك رؤيتان رؤية علم اليقين من بعد ورؤية عين اليقين ، حارثة الانصاري الذي رأى جهنم قوله تعالى وجيء يومئذ بجهنم يعني جيئ عن قرب على ابواب شفير جهنم هذا يعبر عنه رؤية جهنم عين اليقين وجيء يومئذ بجهنم الكل يراها عين اليقين ابليس رغم انه رأى جهنم عين اليقين لكن تمرده على الله بقي ولم يتولد في قلبه حب الله بالعكس ازداد جموحا والعياذ بالله فادراك قلبي وفكري موجود عنده لكنه تسليم ما موجود في قلبه .

فاذن فقه القلوب علم يرتبط بنفس العقيدة والمعرفة والايمان فليس فقط رياضات وغرائز وتهذيب اهواء وانما في القلوب شيء اعظم وهو اصل الايمان والمعرفة واول الدين المرحلة الابتدائية ثم يأتي كماله كماله كماله يعني يصعد يصعد يصعد .

فاذن ترويض النفس وفقه القلوب دخيل في اصل الايمان فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فاذن في النظام السياسي يجب ان نحكم حكم الله وكذا في السياسة في الاقتصاد في المجتمع في العقوبات الجنائية فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم تلك حدود الله فلا تعتدوها فكل نزاع بشري يحكم فيه حكم الله ثم لا يجدوا يعني وجدان وليس فكر فلا يجدوا ليس فضائل الاخلاق وانما اصل الايمان ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا يعني ضيق وتبرم فاي تبرم مع الله نقص في الايمان كذلك مع رسوله .

هذا بحث عقائدي الزامي الاصل ايمان الانسان ودين الانسان مرتبط به ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا فاذن الانسان يجب دائما يجعل فلترة انه هل يوجد حرج وضيق وفتور وتبرم مع الله ورسوله او مع احكام الله ؟ فيزيلها ، كالمكينة اذا ما تنظفها تخترب وتعطب ، لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت وهذا ليس بكافي بل ويسلموا لان القلب يجب ان يكون عنده اقبال وليس عنده ادبار ، وهذا ليس بكافي وانما يسلموا تسليما يعني تسليم كامل يحكموك في البدن والقول واللسان والنفس فاذا كان عنده تسليم بتمجمج وبتجبجب هذا لا يكفي .

فاذن فقه القلوب في اصل ايمان كيف يترك كبحث علمي ويقتصر على البحوث الفكرية في العقائد؟ هذا خطأ كبير ونوع من التقصير في تشييد العقيدة باب فقه القلوب كبير ... ان زعمتم انكم اولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت فاذا ما يحب الاخرة كيف يتمنى الموت؟ فباب فقه القلوب باب عظيم كبير حتى العرفاء والفلاسفة وعلماء الاخلاق وعلماء الفقه وعلماء الكلام الغالب في بيانهم انه كأنما هذه رياضة روحية اخلاقية كلا هذا بحث معرفي عقائدي لاداء الوظيفة العقائدية وان كان العرفاء شيئا ما قد التفتوا انه مرتبط بالعقيدة .

انا اكرر هذا البحث ببيانات وبزوايا عديدة لان اصل هذا البحث وهذا المحور شيء اساسي ومهم وللاسف مغفول عنه يعني نوع من المتاركة العملية لقرون لهذا العلم فقط بحوث العقائد تطرح بلغة فكرية وانما يجب ان تطرح بلغتين اساسيتين.