46/03/18
الموضوع: أهمية فقه القلوب في إلاعتقادات
بإلحاح من الأخوة أن نرجع إلى العقائد والتفسير وأن نوكل سلسة اعتبار كتب المقاتل إلى فرصة حسينية عاشورائية أخرى فاستجبنا لهم وسوف نواصل في مبحث العقائد والتفسير كالمنوال السابق .
كان الكلام في العقائد هي في سلسة فقه القلوب والتعرض إلى الرواية الواردة عن الإمام الصادق ع في كفاية الأثر في النص على الأئمة الاثنى عشر ع لمحمد بن الحسن الخزاز القمي زميل الشيخ الصدوق رحمة الله عليه ، وفي سلسلة القلوب كان البحث عن التوحيد في الكافي ولكن باعتبار أن في رواية من روايات التوحيد في أصول الكافي يبين الإمام عليه السلام خلافا لما هو معهود ومأنوس في كتب علم الكلام أن الإيمان ليس مجرد معرفة نظرية بأصول الدين وإذعان بها بل ربما حتى في كتب الفقه والتفسير ، أما الأدلة الوحيانية تبين أن الإيمان فعل آخر هو فعل القلب وفعل العقل العملي وفعل المشاعر والشعور والعواطف الباطنة في الإنسان ، فليس الإيمان مجرد إدراكات للقوى الإدراكية بل أفعال تقوم بها العواطف والمشاعر .
وهذه نكتة مهمة أن فريضة الإيمان بأصول الدين لا يكفي فيها صرف المعرفة والتصديق بل لا بد فيها من أفعال القلب مثلا اشترطوا المحبة قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله أو قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى وهذه غفلة ربما يقع فيها الكثير من المفسرين والمتكلمين والفقهاء أن لغة المعارف والعقائد في القرآن وفي الروايات والتي تأتي بلغة القلب يحملوها على أنها فرائض في فروع الدين ولا صلة لها بأصول الدين وبالعقيدة .
هذه غفلة لأن الأصول تارة يعبر عنها بلغة معرفية والإدراك وتارة يعبر عنها بلغة الحب والبغض التولي والتبري يعني بلغة فتمنوا الموت إن كنتم صادقين فيعبر عنها بلغة القلب ، فالقلب والعقل النظري قوتان في الإنسان هذه قوة مشاعر وعواطف وهذه قوة إدراك كمرآة صافية ، هاتان القوتان لابد منهما في حصول الإيمان ، اما بفعل واحد لا يتحقق الإيمان فهذا تسامح كبير موجود في عبائر المتكلمين يجب استصلاحه وإلا كما هو يكون خلل في الإيمان وهو ركن الدين وأساس الدين سيكون خلل أيضا في الأدلة التي يستدل بها على المعارف والاعتقادات أن لغة المعارف والاعتقادات لا تنحصر بلغة الإدراك .
مثلا يرضى الله لرضاها هذه اللغة يعني عصمة وحجية فكلمة الحجية والعصمة والإمامة هذه لغة العقل النظري ويرضى لرضاها ويسخط لسخطها أو رضى الله رضانا أهل البيت هي نفس لغة أخرى للحجية والإمامة والولاية وللزوم الطاعة أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الأمر منكم كما يقول إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا هذه إخبار عن مقامات نظرية إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا هذه لغة أخرى ، أو ألست أولى بكم من أنفسكم قالوا بلى قال من كنت مولاه فهذا علي مولاه .
فيبين سيد الانبياء ص والوحي ان الإمامة الإلهية ووصاية سيد الأوصياء بلغة القلب أو لغة الجانب العملاني وبهذا سوف ننتبه إلى أن شطرا كبيرا من الأدلة القرآنية على إمامة أو عصمة أو حجية أهل البيت هي بلغة أفعال القلب ولغة العمل القلبي أو العمل الروحي وليس لغة العقل النظري من كنت مولاه فهذا علي مولاه .
في بيان الإمام الجواد في أصول الكافي أيضا أن ولاية فاطمة افترضت على بقية الأنبياء والمخلوقات ، و افترضت هو نفس معناه الحجية والإمامة والولاية ومن هذا القبيل إلى ما شاء الله ، والنبي بيّن أمام الأول والثاني والثالث ومجموعة من الصحابة في حادث معروف عند الفريقين أن رضا فاطمة مفترض حتى على أمير المؤمنين مع أنه مقدم لكن بيّن النبي أن رضا فاطمة ملزم به أمير المؤمنين وبرعايته فكيف بغيره ، يعني لها اصطفاء ولها ولاية مقررة .
مثلا في قضية النكاح النبي بين إن أمر ابنتي ليس بيدي وإنما هو إلى الله فبعض شؤون ولاية فاطمة بهذه الدرجة مع أنها هي المرتبة الثالثة اولا النبي ثم أمير المؤمنين ثم فاطمة لكن هكذا لها شؤون ، فإذن لدينا جملة من لغات المعارف والعقائد في القرآن وفي السنة القطعية أو المستفيضة بلغة القلب وبلغة العواطف إذن يرضى لرضاها ويسخط لسخطها ومن جفاها فقد جفى النبي ومن قطعها فقد قطع النبي ومن وصلها فقد وصل النبي ومن سرها فقد سر النبي ومن آذاها فقد آذى النبي هذه لغة العصمة والحجية والإمامة والولاية وليست ترنيمات أخلاقية .
مثلا لغة الفضائل التي هي لغة من لغات العقائد يبينها الوحي بلغات متعددة من ثم البحث في فقه القلوب ليس الغرض النهائي منه تهذيب النفس والكمال وإن كان هو أمر عظيم لكن الغرض الأكبر منه معرفة العقائد بلغة القلب والروح والمشاعر ، من ثم نفهم أن أصول الدين المبينة في الوحي بلغة فعل القلب والعقيدة مقدمة على الأخلاق .
أحد الاشتباهات في تاريخ علم المذاهب وفي الحوار المذهب بين الفريقين يظنون أن هذه الادلة التي بلغة فعل القلب لم يسلط عليها الضوء صناعيا بشكل كامل وكأنما هي ترنيمات أخلاقية فالبعض يقول لماذا يركز الخطيب الحسيني على الفضائل؟ ظنه أن الفضائل مندوبات كذكر عبادي لا حاجة للتركيز عليه، كلا وحاشا الفضائل لغة عقائدية وليست هي أذكار عبادية مستحبة.
ربما جهة تطبع كتاب من الكتب تحذف قسم الفضائل مثلا لأن هذه أذكار عبادية للبشر. كلا هذه لغة عقائدية وليست لغة أذكار عبادية مستحبة. وليس انه باب المندوبات غير مهم. هذه لغة عقائدية فإذن اللغة القلبية والتعرف على اللغة القلبية فيجب دراسة العقائد وهي غير قضية العرفان العملي .
المقصود من العرفان النظري هو أن الحقائق العقلية تدرك بإدراك القلب بدل أن يقتصر على الإدراك بالعقل النظري. إذن من الواضح أن لغة القلب ليس الدخول فيها من باب جملة معترضة، ثم نعرض عنها المفروض في البحث العقائدي أن تكون هناك مواكبة وموازنة وتلازم بين اللغتين لغة العقل النظري والعملي الذي يسمى بالقلب ومن عقل عمل.
ومر ان القلب له تسميات وطبقات متعددة. فإذن الدخول في القضايا المعنوية في الوحي سواء الثقلين لا سيما القطعية والمتواترة والمستفيضة، ليس بحثا ندبيا وإن كان تهذيب النفس شيء مهم، لكن ليس هذا هو الغاية، وإنما الغاية هو العقائد ومعرفة الأصول العقائدية وتلك قد بيّنت بلغتين، وليست هي فقط مبينة بلغتين وانما اداء الفريضة العقائدية أيضا بفعلين فعل إدراكي وفعل مشاعري قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى المودة فريضة عقائدية لا فقهية وإن كانت هي عمل القلب ولكنها مرتبطة بأصل الدين وإلا هناك من يدرك الله ويذعن ويصدق به ، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم لكنه ليس بمؤمن لأنه يكره ويبغض الله هو يذعن بوجوده ويدرك وجوده كإبليس الذي يدرك ويصدق وجود الله لكن يتطاول على الله ويكره الله ويبغضه فالتوحيد لم يحصل لأن شطرا منه موجود وشطرا آخر غير موجود .
كثير من علماء اليهود لتضلعهم في التوراة وفي القضايا الوحيانية أدركوا نزول الوحي على النبي واستيقنوا ولكنهم كانوا يكرهون أن ينزل الله وحيه على سيد الانبياء ص فلم يؤمنوا بسيد الانبياء ص بل كانوا أول كافر به فإذن الإيمان ليس صرف الإيقان كما عرف ذلك علماء الكلام أو كثير من المفسرين وهذا بحث أساسي في العقائد أن الإيمان علاوة على الإدراك والإيقان واليقين والإذعان هو حب وليس كره وتبرم وإلا إذا كان الإنسان دائما متبرم من الله وعنده نفرة منه أو من رسوله أو من أمير المؤمنين أو فاطمة أو أهل البيت هذا لا يستقر الإيمان في قلبه ولو عنده يقين وإذعان وإدراك .
لذلك أجمع المسلمون على أن ناصب العداء والمبرز له للنبي أو آل بيته لا يحكم عليه بالإسلام وانما يمرق من الدين ويكون منتحل للإسلام وفرق بين الإسلام الانتحالي وبقية أقسام الإسلام لأن جانب الحب دخيل في الإيمان ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم .
هل الكراهة والحب اختياري للإنسان؟ نعم اختياري يمكن أن يروض الإنسان نفسه على حب الحق وكراهة الباطل وإذا كانت النفس تكره الحق يمكن للإنسان أن يؤدبها ويروضها ويطهرها من هذا الشيء ، فكرهوا هو أفعال القلب وليس أفعال الإدراك.
إذن القرآن ينادي في آيات عديدة بأعلى صوته أنه لا يكفي في الإيمان الإدراك والتصديق والإذعان والإيقان وهذا الاقتصار في تعريف الإيمان عند المتكلمين أو المفسرين أو الفقهاء تعريف ناقص يجب أن يكمل بما يقوله الوحي وهل الدين إلا الحب والبغض ؟ فكمال الإيمان بالحب لله والبغض لأعداء الله وهذه أحد أسرار عظمة زيارة عاشوراء أنها تؤكد على الركن الثاني في الإيمان ولي لمن والاكم وعدو لمن عاداكم سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم فهذا جانب مهم .
فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله الطاغوت يعني حكام الجور وأئمة الباطل ، إذن لنصحح المنهج في العقائد لأن العقائد والمعارف وعلم الكلام يطير بجناحين جناح الإدراك والعقل النظري وجناح القلب وأفعال القلب أي العقل العملي فيكتمل حينئذ الإيمان للإنسان وهذا هو الهدف الأسمى وهو أعظم من تهذيب النفس بل يوصل الإنسان إلى أداء فريضة الإيمان .
إذن مبحث رياضات الروح ليس الغاية القصوى فيها تهذيب النفس وطهارتها وإنما أداء فريضة الاعتقاد وايضا الغاية القصوى الأخرى فيها هو التعرف على أصول الدين وعقائد الدين الموجودة في الوحي بلغة القلب وبلغة المشاعر الباطنة وبلغة الفضائل فعندما ينبئنا الوحي بفضائل أمير المؤمنين وفاطمة وأهل البيت بل بفضائل الدائرة الاصطفائية الثانية من أهل البيت باب يعقده أصحاب الصحاح العشرة البخاري ومسلم باب فضائل فاطمة بنت أسد فضائل اصطفائية وليست فضائل بشرية وكذلك فضائل الحمزة بن عبد المطلب وفضائل جعفر بن أبي طالب هذه فضائل اصطفائية من الوحي لكن اصطفاء دون الدائرة الاصطفائية الأولى لأهل البيت هذه هي الدائرة الاصطفائية الثانية في تفاوت الموقعية والمرتبة الدينية فالمقصود إذن فقه القلوب ليس الهدف منه رياضة روحية وتطهير الروح فقط وجانب خلقي وإنما الهدف الأقصى المهم فيه هو فريضة العقيدة والتعرف على العقائد من خلال هذه اللغة .