45/12/04
الموضوع: الخلط بين الإدراكات القلبية و النبوات
مر بنا ان في هذا الحديث الشريف الامام الصادق تعرض الى نظام الرياضات القلبية والروحية وكيفية سير القلب من منزل الى منزل ووصلنا الى ما ذكره في المقام السابع وهو الفطنة واحتملنا ان مراده من مقام الفطنة هي منزلة علم التوسم الذي ذكره القرآن وهو ليس بنبوة ولا امامة ولا اصطفاء ولا نيابة خاصة حيث هناك خلط كبير عند عامة المؤمنين او الفضلاء او جملة من الاعلام بين ان تقول التوسم علم وبين ان تقول انه نبوة ، الانبياء يرزقهم الله علم التوسم لكن لا انه النبوة وهذا بحث منهجي دقيق في الفرق بين النبوة والوحي والرسالة والامامة من جانب والعلوم القلبية سواء حكمة فطنة وفوائد ما شئت فعبر او قل القدرات القلبية الملكوتية ، العلوم القلبية لا افراط فيها ولا تفريط يعني لا تقول هي نبوة ولا امامة ولا اصطفاء ولا نيابة خاصة .
طبعا كثير من الفرق المنحرفة التي انحرفت عن مسار اهل البيت خلطوا بين هذه المقامات والنبوة وهذا الخلط لم يحصل فقط بين الفرق المنحرفة وانما حصل عند الفقهاء في زمن الامام الصادق وعند المتكلمين وعند كثير منهم يعني اذا رأوا احد تلاميذ الائمة افترض عنده علم البلايا والمنايا الذي اعطاه امير المؤمنين لميثم ولرشيد الهجري وكذلك في زمن بقية الائمة كثير من الفقهاء الشيعة يظنون ان ادعاء مثلا حبيب ابن مظاهر ان عنده علم المنايا والبلايا يعني هذه ادعاء للنبوة ، اين ربط بين هذا البحث وهذا البحث? وطعن على ميثم التمار ليس من قبل علماء العامة والجمهور فهؤلاء حدث ولا حرج لانه فضلا عن علوم القلب يعتقدون ان الامامة هي نبوة حيث هناك ليست قناة غيبية بين الغيب والبشر الا النبوة فضلا عن ياتي بهم احد مثل ميثم التمار عنده علم المنايا والبلايا فهذه نبوة وغيب واتصال بالغيب وكل اتصال بالغيب فهي نبوة .
لذلك جمهور العامة الى الان يعتقدون ان الاعتقاد بالامامة هي غلو في الائمة وافراط في حب اهل البيت بل بعض من انحرف من الخاصة ايضا يعتبر امامة اهل البيت اذا قلنا انها من اصول الدين هذي غلو في الائمة وليس من اصول الدين وانما مسألة اجتهادية ظنية قد تخطئ وقد تصيب طبعا هذا شاهد من الخاصة وهو ليس من الخاصة .
فالخلط بين هذه المباحث الاصطفائية موجود فكيف بك بين الاصطفائية وغير الاصطفائية? وهذه مباحث وعرة غامضة على الخواص فضلا على العوام يعني عوام الفضلاء فضلا عن عوام العوام كما هو تعبير صاحب الجواهر عوام الفضلاء او تعبير خاجة الطوسي وابن سينا او غيرهم من الكبار انه هناك عوام في اهل العلم حيث ما عنده غزارة في العلم وانما خواء فيتصدى ويتسنم وهذا امر خطر .
فلاحظ اذن المناصب الاصطفائية هناك خلط فيها مثلا طالوت ليس مقامه نبوة ، الم تر الى الملأ من بني اسرائيل اذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا طالوت ملكا ولم يقل طالوت نبيا وانما اماما ، احد اسماء الامامة في القرآن هو الملك الالهي ، ام يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله فقد اتينا ال ابراهيم الكتاب والحكم والنبوة واتيناهم ملكا عظيما الملك العظيم غير النبوة والنبوة غير الحكمة فهناك خلط في الموضوع .
كما هو الحال في الخلط في حجية العقل مثلا الاخباريين كثير منهم يخلط ان حجية العقل يعني يستقل ويستغني عن الوحي ، ليس معناه ذلك كما ان بعض الاخباريين وحتى الاصوليين عندهم ان العقل في عرض الوحي وهذا غير صحيح لان الحجج ليست في رتبة واحدة ، هل حجية سيد الانبياء كحجية بقية الانبياء? كلا ، والحجة الالهية ليست في رتبة واحدة في مراتب الحجج وانواع الحجج الاصطفائية وغير الاصطفائية .
وهذه مباحث عديدة اعلام الكبار في الفقه قد يغفلون عنها وحصلت مشاجرات شديدة بين فريقين من تلاميذ الائمة ما هي العلاقة بين سلمان وعبد الله بن عباس? حيث عبدالله بن عباس نهجه كلامي فقهي تفسيري اما سلمان ليس فقط هذا وانما سلمان رويته روية اسرار ومعارف ، او ما هو الفرق بين ميثم التمار ورشيد الهجري؟ رشيد الهجري متفق عليه وكذلك ميثم التمار وحبيب ابن مظاهر الاسدي وعبدالله بن عباس كلهم تلاميذ امير المؤمنين ولكن بينهم فرق هذا له تخصص وذاك له تخصص اخر لكن بعض الفقهاء في تلك الحقبة كان ينظرون الى دعاوى ميثم التمار او حبيب ابن مظاهر انها نبوة او النيابة الخاصة ولا صلة بين علم المنايا والبلايا والنيابة الخاصة فان هذا مطلب اخر ، فاذا الخواص يخلطون فكيف بك بالعوام؟ فكيف بك بالجمهور والعامة ؟ فهذه درجات وتقسيمات صعبة.
فهناك مئات من السنين حصل خلط بين حجية العقل واستقلال العقل وبين حجية العقل واستغناؤه عن الوحي وبين حجية العقل ودونية حجية العقل عن الوحي ، هناك معارك بين العلماء ولم تتضح الصورة حتى بين الاصوليين فالاختلاف في تنقيح الصورة وصلت الى ان تنقحت الجهود بتنقيح جيد .
اذا هذا في حجية العقل فكيف بك في حجية الادراكات القلبية المتنوعة المتلونة اكثر واكثر من حجية العقل ، فالفطنة باب والحكمة باب واهل الفوائد باب وحسب ما ذكر في هذا الرواية عنوان القدرة التي ستأتي وهلم جرا ، فهذه الامور اما ادراكات او قدرات يجمعها المواهب اللدنية القلبية ويعني هي عطائية وهذا اصطلاح روائي في الروايات وهذه ليست اصطفاء ولكن اذا نفينا الاصطفاء ليس معناه انه غير حجة ، كلا هي حجة .
البعض قد يخلط اذا قلت حجة يعني اصطفاء ، كلا ليس كل حجة اصطفاء انظر هذه المباحث دقيقة صعبة حتى في مباحث الحجج في الاصول ما نقحت هذه المباحث كثيرا ولا في علم الكلام عندما نقول بحجية العقل لا يعني العقل اصطفائي معصوم وهذه المباحث قل من الاعلام من نقحها بشكل جيد جدا ، نعم نقحوها كل بحسب التوفيق الذي ناله والمشكلة في عوام العوام او عوام الخواص او عوام اهل العلم يعني اي شيء غيبي يحسبه اصطفاء وعلى هذا فاذن ابليس من المصطفين لان القرآن يشهد له بانه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم فابليس وسوس لادم ولكن لا يخل بعصمة ادم ولا بنبوته ولكن من وسوس له ؟ فازلهما فدلهما بغرور فاخرجهما ، فابليس الذي تمكن غيبيا من الوسوسة والاغراء لادم هل هو غيب وحجة اكبر? كلا .
اذن قدرة ابليس الخفية الغيبية لم تعطه النبوة ولا الاصطفاء ولا الحجية ولكنها بالتالي قدرة وهي حجة عليه وليست حجة له فلا يمكن انكار هذه القوة وكونها غيبية لان القرآن يشهد له يا بني ادم لا يغرنكم الشيطان كما اخرج ابويكم من الجنة وهذا مضمون الاية او اانبئكم على من تنزل الشياطين? يعني هل شياطين ملائكة تتنزل? حيث التنزل يعني غيب فهل هذا يعني تنزل الشياطين اصطفاء وحجية? كلا ، وانما قدرة فالقرآن يثبت للشياطين وللجن وللابالسة قدرات غيبية والقرآن كله صدق وليس خرافة واساطير وغلو وهي حجة على الشياطين وليست حجة لهم حجة يعني في نفسه واقعية من الواقعيات الا ان هذا الشيطان يستثمرها في الشر بدل ان يستثمرها في الخير .
فامكانية اعطاها الله عز وجل له فتنة لهم وفتنة لنا كامتحان ، ففرق بين ان نقول ان قدرات الشياطين كلها سراب بقيعة كلا ونفس القرآن يقول يفرقون في سحر بين المرء وزوجه ، فهي قدرة ومحرمة استعمالها لان السحر هو استعمال قدرة غيبية في الشر وما هم بضارين به من احد الا باذن الله فاذا شاء الله هم يضرون ، اصلا ما هو معنى قول النبي ص وهو مستفيض ومتواتر : العين حق ؟ يعني العين الشر حق ، وان يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصارهم لما سمعوا الذكر يزلقونك يعني قدرة ولكنها استثمرت في الشر فلا تقل هذه القدرة خرافة واساطير بيد ان هذه القدرة حجة عليه وليست حجة له ولذلك يصف النبي ويقول العين حق وليس معناها حق يعني خير وانما حقيقة غاية الامر عنده قدرة نفسانية مؤثرة بدل ما يستخدمه في الخير يستخدمها في الشر ويؤاخذ عليها .
وهذا الباب كثير يخلط فيها من الخواص فضلا عن العوام ولذلك في بيانات الوحي قرآنا وحديثا ان ابليس قبل ان يهوي به الله عز وجل وصل الى مقامات كبيرة ووصل الى مقامات الكروبيين وقدرات هائلة ، وفي بيانات اهل البيت الذي تجلى للجبل فجعله دكا وخر موسى صعقا هو نور من انوار من اهل السماء السابعة طاقاتهم لا تتحمل يعني مثل النووي لا تتحمله المادة وهو فوق النووي ، فاذا ابليس وصل الى هذه القدرات فهو امر حق وليس ممتنع مع ان في بيانات الوحي ان هذا المرض السرطاني كان موجود في اخلاقه وهو ما كان يشعر بها مع ذلك وصل الى مقام الكروبيين فيمكن للانسان ان يصل الى قدرات الكروبيين وقدرات جبرائيل وميكائيل واسرافيل ولكن مع ذلك عنده مرض سرطاني في اخلاقه وفي القلب .
وهذه عبرة كما يقول امير المؤمنين في الخطبة القاصعة فابليس هلاكه عبرة يعني ليس قدرات باطلة ، هل يعقل ان الله عز وجل يقدر شخصا ويعلمه بانه سيء العاقبة? بل اكثر منه ان الله يقدر شخصا كابليس وفيه مرض سرطان لا يفطن الى مرضه والى المرض السرطاني فيه جبريل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وانما يفطن به الله واهل البيت قبل ان يتفجر ويظهر عيانا يعني الله عز وجل حرك هذا المرض في ابليس الى ان بدا للملائكة عيانا ، وهذا شبيه ما ورد في دعاء كميل : والشاهد لما خفي عنهم يعني عن الملائكة .
فهذا باب صعب جدا وكثيرا ما حصلت مطاحنات بين تلاميذ الائمة والمسلم انهم على هداية مثل سلمان وميثم التمار ورشيد الهجري وحبيب ابن مظاهر وكثير من حواري الائمة روايات عديدة ان كل معصوم من الاربعة عشر له حواري وكثير من هؤلاء الحواريين وصلوا الى درجات في المواهب اللدنية وهذه المواهب ليست اصطفاء وليست نبوة مع انها غيب ولها حجية وليست الحجية تساوي الاصطفاء ، فان حجية العقل عند الاصوليين ذاتية وليست ظاهرية وصورية فهي حجية ذاتية واقعية محدودة فكونها واقعية لا تعني العصمة وعدم كونها اصطفاء وعدم كونها عصمة ليست يعني ظاهرية و ظنية ، فهذا هو الخلط الذي يصير في مباحث الاصول .
وكثير يتصدى لتدريس علم الاصول ولكن اعماق الاصول شيء اخر واسرار اخرى وتطبيق واستثمار علم الاصول في علوم الدين شيء اخر نعم سطح علم الاصول بحث اخر اما عمقه شيء اخر ، عمقه هو منطق العلوم الدينية فكيف يستثمر? وكيف يطبق علم الاصول ، فهو منطق كل العلوم الدينية لكن لمن يطبقه ويستثمره ويهندس به العلوم الدينية لا انه فقط اختصر في تطبيقه على علم الفقه وفقه الفروع هذا استثمار ضئيل وان كان علم الفقه اعظم به واعظم ، فعلم الاصول منطق لكل العلوم الدينية .
احد اسباب انحراف الفرق الباطنية انهم رأوا في بعض اصحاب الائمة هذه القدرات الغيبية فحينئذ غلوا فيهم قالوا بان هذه نبوة او نيابة خاصة وبعض النواب الخاصين في زمن الائمة السابقين حيث اكثر علماء الامامية يبنون على ان النيابة الخاصة كانت قبل الامام الثاني عشر عج لكل الائمة وكل المعصومين الاربعة عشر كان في زمانهم نواب عامين وهم الفقهاء والعلماء ونواب خاصين ، حتى هناك جملة من الاعلام ذهبوا الى ان النائب الاول والثاني كانا نائبين خاصين اولا للامام الهادي ثم الحسن العسكري ثم لصاحب العصر والزمان وفرق النيابة الخاصة عن العامة بحث عجيب وغريب يحتاج الى التنقيح بلغة كلامية ولغة فقهية ولغة عقلية ولغة معنوية ، مع ان النيابة الخاصة ليست اصطفاء وليست عصمة .
هناك من يكفر بالنيابة في النواب الاربعة هذا بحث اخر نحن كلامنا مع من يؤمن بل علماء الامامية في الغيبة الصغرى مع انهم يقولون ان النائب الخاص ليس معصوم وليس مصطفى وذا عصمة الا ان علماء الامامية يعتقدون بان الذي يكفر بالنيابة الخاصة يخرج عن الايمان كيف هذا? لاحظوا كلام المفيد وغيره والنوبختي وسعد ابن عبد الله الاشعري فيمن جحد النائب الاول والثاني او الثالث او الرابع عندهم كفر وليس فسق ، والمتأخرين عندهم الجاحد للنيابة الخاصة فاسق وضال اما المتقدمين عندهم كفر ويخرج من الايمان ، مع ان النيابة الخاصة ليست اصطفاء ولا حجية ولا عصمة فكيف تكون دخيلة في الايمان?
راجعوا كلمات المتقدمين جمعناها في كتاب دعوى السفارة في الغيبة الكبرى ، اذا كان هذا حال النواب الخاصين فكيف بمقامات الدائرة الاصطفائية الثانية من اهل البيت فاطمة بنت اسد و ابو طالب وعبد المطلب وعبد الله وامنة وحمزة وجعفر وخديجة وعلي الاكبر وابي الفضل العباس والمحسن وزينب سلام الله عليهم ولذلك هناك رواية تبناها الطوسي والصدوق وغيره ان الذي لا يؤمن بابي طالب مصيره الى النار ، حيث ابو طالب اعظم من النائب الخاص لان ابو طالب دوره في الرسالة التي عهد اليه النبي ، هم النواب الخاصين عند علماء الامامية في القرن الثالث والرابع عندهم ان النائب الخاص من اساسيات الايمان فليس ان تقول الامامة في الفروع ، هم يقولون هذا الكلام في النائب الخاص فكيف في دائرة الاصطفائية الثانية? فكيف في الامامة? اين التتبع لكلمات القدماء? وهذا البحث فيه تجاذبات وحيص وبيص كثير وليس كل المتقدمين ولا جل الفقهاء نقحوه ولا جل المفسرين و رواد علماء الامامية خاضوا فيه وهو بحث معقد حيث حجية العقل صار اضطراب فيها بين افراط علماني وافراط اخباري وافراط اصولي الى ان بتعبير الشيخ المظفر رحمة الله عليه رست الجادة بمسير وسطي معتدل وهذا التعبير افاده الشيخ المظفر رحمة الله عليه فكيف بادراكات القلب? طبعا النيابة الخاصة مرتبطة بالقلب كما اشار الى ذلك الشيخ الطوسي في التهذيب.