45/12/02
الموضوع: فقه القلوب في تراث الوحي بين الأصالة والانكار
كنا في الحديث الشريف للامام الصادق في علم فقه القلوب او احوال القلوب او الرياضات القلبية او الشؤون القلبية ومر ان هذا العلم احد لغات الوحي و احد العلوم التي تكفلها الوحي لا انها لغة ابتكرها واخترعها الصوفية او العرفاء وانهم هم الرواد فيها ، وهذا لا يعني تطابق ما عند الصوفية مع الوحي لكن وجود هذا العلم في نفسه في الوحي امر مسلم مثل علم الفقه موجود اما ان فقه الحنفية والمالكية والحنبلية او فقه الامامية ايهم متطابق للوحي هذا امر اخر فوجود العلم في نفسه شيء وتعدد المذاهب في هذا العلم امر اخر اصل العلم هو احد العلوم الموجودة في الكتاب والعترة .
فوصلنا الى هذه العبارة من قوله عليه السلام : فاذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة ، وهذا مر بنا انه لا نعبر عنه نبوة وليس نيابة ولا امامة ولا اصطفاء ولا عصمة وانما نعبر عنها كالاصوليين ان العلم او اليقين او القطع اليقيني حجيتها ذاتية فهي حكمة وهذا غير باب النبوة وغير باب الاصطفاء والنيابة الخاصة .
فهنا الامام اقر بانه يمكن للعبد ان يحصل على هذا العلم ، طبعا وفوق كل حكيم حكيم وفوق كل حكمة حكمة ، فالامام يقول اذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة فاذا تكلم بالحكمة صار صاحب فطنة ، ما الفرق بين الحكمة والفطنة? هنا الفطنة مقام اعلى من الحكمة يقول النبي : المؤمن فطن كيس وفطن حذر ، ما الفرق بين الفطنة والكياسة ؟ ما الفرق بين الفطنة والحكمة? او الحذر? مثلا المؤمن هش بش ما الفرق بين الهشاشة والبشاشة? هذه البحوث الاخلاقية او الروحية قل من اشتغل بها حتى على المستوى اللغوي .
احد المناهج للمدارس الاخلاقية سبق ان ذكرناها هي التدقيق اللغوي في معاني الفاظ اخلاقية او الادبية او القلبية ، نفس التدقيق والتثبت من المعاني اللغوية هي مدرسة اخلاقية عظيمة ورياضة روحية نفسانية قلبية عظيمة يعني من اسهل واعظم المدارس الاخلاقية والرياضات الروحية والقلبية التدقيق في المعاني اللغوية للفضائل والرذائل وللاداب الحسنة وللسيئة وللحالات القلبية الجيدة والسيئة ، نفس التدقيق في المعنى اللغوي امر ضروري .
فما الفرق بين اللين والرفق الممدوح وبين المرونة وفقا للوحي ؟ ما الفرق بين الحذر وسوء الظن? الحذر مطلوب وسوء الظن محرم او خلاف الاحتياط ، فنفس التدقيق في المعنى اللغوي مهم ، ما الفرق بين العزة والتكبر وبين التواضع والذل ؟ ما الفرق بين الحزم والحدة? ما الفرق بين الجبن والحلم? ما الفرق بين الخوف والحزن? ما الفرق بين كظم الغيظ وعديم الغيرة ؟ لماذا وصف أمير المؤمنين بانه هائج الغضب وشديد الغضب من البدع التي حصلت ولكن كاظم الغيظ ؟ فلماذا يشتعل الغضب ويكظم?
المهم هذي مباحث كثيرة ، لغة اذا الانسان يدقق في هذه المعاني سواء معاني الاداب او الاخلاق او معاني الحالات الروحية مثلا سوء الظن بالله من الكبائر ولكن ان تأمن من مكر الله هذه من الكبائر كيف نجمع بينهما? ودائما سبب اخفاقات الانسان او الجن هو عدم العلم المركب بالرذائل او بالفوائد او قل عدم العلم التنظيري والنظر الفكري حيث الفكر والعقل اعظم وزراء القلب ، اكبر وزير للعقل العملي القلبي هو العقل النظري هو رئيس الوزراء على الاطلاق كما في بيان الامام الكاظم ورد هذا المعنى .
فلا يخدعنك احد في الرياضات القلبية او الرياضات الروحية ان تبعد هذا رئيس الوزراء وهو العلم ، الجهل اكبر اخفاق لمملكة القلب والعقل العملي ، كثير يسأل نريد مرشد مربي اكبر مرشد هو العلم وهو اكبر اولياء القلب والعقل العملي ، العلم امام و امام العمل ، حتى العمل القلبي والسير القلبي والرياضة ، العلم كالمصباح يريك اين الجادة اين الطريق اين الانحراف? والا ان لم يكن لديك مصباح ستخمد في الانحرافات و احد آليات العلم في هذا المجال علم القلوب وعلم الرياضات الروحية والقلبية وعلم الاخلاق فاحد الاليات العظيمة هي التدقيق في المعاني اللغوية ولكن اللغويون مهما كانوا بالتالي ليسوا انبياء ولا وحيانيين.
الخطوة الثانية التكميلية هي اخذ المعاني الوحيانية لهذه العناوين الواردة في القرآن وفي الروايات النبوية وروايات العترة ، هذه خطوة ثانية مكملة عظيمة لابد منها وبدون الخطوة الاولى حتى الخطوة الثانية ما تستتم ، فيمكن الانسان ان يؤلف طول حياته موسوعة قطرة قطرة تجتمع وتصير بحيرة تخلده ولو ليس لكل العناوين الاخلاقية والادابية ولو لبعضها وما اشد احتياج المجتمع وعطشه للتوجيه الاخلاقي والروحي حتى في بعد الاسرة وبعد العلاقات البيئية الاجتماعية .
وكما مر بنا في الفقه اكثر مما ذكرناه في العقائد لكنه مبحث عقائدي اخلاقي ان الاداب والاخلاق ينظر اليها الان بشريا في العلوم الانسانية والاستراتيجية والاجتماعية انها قواعد ادارية ناجحة وقواعد للتنمية وللتطوير فبالتالي اذن المشاكل التي تنشأ بين الزوج والزوجة وبين الاب والاولاد او البنات او بين الارحام والعشيرة والمجتمع كلها ناشئة من عدم الوعي الاخلاقي لان القواعد الاخلاقية ليست اخلاق فقط وانما هي قواعد في التعامل الناجح وفي الادارة الناجحة وفي العلاقات الناجحة ، ينظر الى قواعد الاخلاق وعلم الاخلاق انه علم ادارة ناجح لا انه فقط بعد اخلاقي ، وهذه حتى اقر به الفلاسفة القدماء او المتكلمون انها حكمة اجتماعية وحكمة اسرية يعني ادارة ناجحة وسياسة ناجحة ، يعني ادارة .
من تسمى الاخلاق بالنسبة الى الحاكم والرعية تسمى سياسة لانها قواعد ادارية ناجحة يعني وتسمى حكمة في الاصطلاح ، فاذن نظام الاخلاق او نظام الاداب دون الاخلاق ونظام الحالات الروحية والرياضات الروحية وما فوق نظام احوال القلب والشؤون القلبية العناوين المأخوذة فيها اكبر عقبة لنا في الوصول الى هذه الكمالات والتخلي عن الهفوات والرذائل والمستنقعات الاخلاقية او الروحية او القلبية ، مثل البدن ان الانسان ليس لديه ثقافة عن المرض ولا يعرف عوارضها ولا يعلم بدوائه ولا يعلم كيف الحالة السليمة والسلامة من هذا الداء وهذا ناتج عن جهل مركب في الانسان وكذلك ما هو الصحة والدواء?
الجهل بسيط فيه خطورة ايضا ولكن المركب اخطر فاخطر لكن في الجهل البسيط لا اقل يلتفت انه لا يدري وافضل سلامة ليس في العلم البسيط وانما في العلم المركب العلم بالشيء والعلم بماهية الشيء يعني ما شارحة حقيقية وليست ما المركبة وهل البسيطة وهل المركبة ، هذه ست مراتب للعلم ذكرت في علم المنطق .
ومن ثم في توصية للامام الرضا وان ذكرها هو في طب الابدان ولكن هو كلامه واضح عام حتى في طب الاخلاق وطب الروح وطب القلب يقول الانسان اذا كان مسلح بهذا الوعي العلمي يكون طبيب نفسه وامهر من الطبيب الاخر لانه يراقب نفسه على مدار الساعة وهذه توصية سيد الانبياء حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا لانه انت حارس و راعي وطبيب احسن من غيرك وحتى من الملائكة لانه انت على مدار الساعة تراقب نفسك .
فالانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره ، فهذه قضية العلم المركب فضلا عن البسيط في مقابل الجهل البسيط وفي مقابل الجهل المركب الذي هو كارثة بامراض الاخلاق والاداب.
لماذا عاتب الامام الصادق حماد بن عيسى? وهو من صغار تلاميذ الامام الصادق وفي عهد الامام الكاظم اصبح من الكبار او المتوسطين سنا ورتبة ؟ وهذا هو علم الرجال ان تعرف تاريخ المذهب لا ان تقل لي جرح وتعديل وانما ان تدرس المقطع التاريخي بدراسة كاملة اما ان نختزل علم الرجال كله بثقة وضعيف هذا ليس علم رجال هذا ليس الا تقليد اجوف واماتة لعلم الرجال وانما علم الرجال ان يدرس التاريخ بكل شؤونه وشجونه ، كما يقول امير المؤمنين قرأت التاريخ فكنت اول من ولد فيهم واخر من قبض .
بعض التخصصات هو يصير متخصص في حقبة مئة سنة وكل شاردة و واردة فيه هذا يسمونه علم رجال اما علم الرجال انه كارت احمر وكارت اصفر هذا اماتة ، فحماد ابن عيسى الجهني من تلاميذ الصغار للامام الصادق وكذلك عبد الله بن ابي يعفور ، وكان احد الاعلام نحضر في درسه كان يستند على جواز تقليد المجتهد الذي لم يستنبط المسألة يجوز ان يقلد قبل ان يستنبط المسألة وما يحتاط يرجع الى الفقيه فاستدل بارجاع ابن ابي يعفور الى محمد ابن مسلم فالائمة يرجعون صغار تلاميذهم الفقهاء الى اكبر سنا فانا اعترضت قلت له بان ابن ابي يعفور ذاك الوقت من يقول فقيه هو صغير السن? فنفس العبارة وقال او لست انت صغير السن? وانت مجتهد، المقصود تقسيم طبقات تلاميذ الائمة صغار السن ووسط السن وكبار السن .
فالامام الصادق عاتب الفقيه صغير السن حماد ابن عيسى انه لا يحسن اداب الصلاة قال ما اقبح بالرجل يبلغ به السن خمسين سنة ولا يحسن اداب الصلاة يعني ترى اهل الفضيلة لكن لا يحسن اداب الجماعة فقال للامام : اني احفظ كتاب حريز يعني احكام الزامية قال له الامام دع عنك ذا ، الامام قال اداب الصلاة مستحبة هي روح الصلاة ما تحسنها وتتقنها او تتقنها نظريا ولكن لا عمليا .
فهذه مقامات ومراتب والجماعة لها اداب عجيبة وكثير من اهل العلم غافلين او ناسيين لها او غير مطلعين لها ، الجماعة لها اداب خاصة كي يبلغ الانسان ثوابها فالملخص ان اكبر رياضة وطريقة لممارسة الاخلاق ولتهذيب الانسان نفسه ان يدخل في مدرسة اخلاق ويروض نفسه او مدرسة رياضة روحية او المدرسة القلبية والخطوة العظيمة هي التدقيق علميا في المعاني اللغوية هذه خطوة جبارة .
الخطوة الثانية ان يطلع على تعريفات الوحي والائمة قالوا ابليس عبرة لمن يعتبر به? وهم عندهم مخطط كامل عنه بشكل موزع في ابواب عديدة واحد اسباب اخفاقه مع انه وصل الى مقام الكروبيين والمقربين وهذا ليس بشيء سهل ولذلك عبدته يعتبرون ابليس طاووس الملائكة انخداعا بمقامه السابق ، يقول امير المؤمنين في خطبة القاصعة ان ابليس كان مبتلى بمرض نفساني قلبي وهو لا وعي له به والانسان قد يبتلى بامراض في البدن ولا وعي له والمرض لا يرحم فيقتله والتمادي غي اكثر ، فالمشكلة في ابليس بداية هو الجهل المركب ثم بعد ذلك يحصل له جهل بسيط ثم ينتشر المرض فيه ولم يقاوم المرض المرض الاخلاقي القلبي الروحي وهذا حسب بيانات منطق القرآن كل روح فيها ارضية امراض خطيرة فتاكة ونفس وما سواها فالهمها فجورها من كل الامراض ، واذا ما تنقيها تنفجر في ساعة من ساعات فالهمها فجورها وتقواها قد افلح من زكاها يعني يقتل الفجور وكيف يقتلها اذا هو تنظيرا لم يكن يدري ما هو المرض ؟ يعني بالعلم البسيط لا يدري ، اذا كان عندك جهل مركب فواويلاه بامراض الاخلاق وامراض الروح والقلب وما هي سلامة الاخلاق وسلامة الروح وسلامة القلب? ولا ننجو الا بالعلم المركب وهو اكبر تسكين النفس مثل الوعي الصحي هو اكبر وقاية عن الامراض هذه خلاصة هذه المجموعة من توصيات اهل البيت والقران .