45/12/01
الموضوع: آداب نظام القلوب في الوحي
وصلنا الى هذا المقطع من حديث الامام الصادق حول احوال القلب والرياضات القلبية فلماذا نقول رياضة? وهي غير الرياضة البدنية كما بينها امير المؤمنين انما هي نفسي اروضها ؟ فاصل استعمال الرياضة قبل الصوفية والفرق الباطنية وقبل العرفاء هو عنوان استعمله الوحي ، فالنفس تحتاج الى ترويض فاذن الرياضة اصطلاح وحياني قبل ان يكون صوفي او عرفاني ، كما ان بيانه عليه السلام هنا في المقام ان اولي الالباب الذين عملوا بالفكرة فيعتبر عليه السلام الفكر عمل ورياضة يعني نوع مسير وسير وكما في تعبير سيد الانبياء جهاد النفس اعتبر هذا اعظم من الجهاد في ساحة القتال وسماه الجهاد الاكبر فوق الكبير وفوق الوسط والاوسط والوسيط وفوق الصغير والاصغر واعتبر القتال وسفك الدماء في ساحات القتال اعتبره اصغر وليس صغير يعني دون الصغير مع ان شأنه عظيم.
لماذا هكذا يقول النبي ؟ هل هي مبالغة ؟ حاشاه المراد هذا المطلب يعني الفاصل بين الجهاد في النفس مع الجهاد في البدن فاصل كبير ومؤونة ومشقة كثيرة وهذا البيان ليس فيه تلاعب لفظي من سيد الانبياء حاشاه كما في بيان امير المؤمنين في دعاء الصباح وان خذلني نصرك عند المحاربة ويقال انه سمي المحراب في المسجد لانه اما كانت المساجد منطلق للاعمال العسكرية كما ورد عندنا انه مسجد السهلة مثلا كان ينطلق منه النبي ابراهيم لحرب العمالقة يعني الدول العظمى ، فالانبياء يبدأون في التصدي الى فراعنة الزمان وطواغيت زمانهم الكبار اصطلحا يسمى عملاق وعمالقة يعني الدول العظمى من المسجد .
او لان المحراب فيه محاربة وترويض النفس ، فسميت الرياضة والمجابهة لنزعات النفس بالحرب في تعبير امير المؤمنين في دعاء الصباح هذه التعبيرات ليست استعارة ولا مجاز وانما هي حقائق ، فهذه الاصطلاحات ناشئة من بيانات الوحي .
وصلنا الى هذا المطلب : فاذا صار من اهل الفوائد ...
فهنا نلاحظ منازل عديدة ذكرها الامام بعد ما ذكر التوحيد الفكري عرج الامام الصادق على الاحوال القلبية وعندنا في اداب زيارة المعصوم كانما الفكر بوابة القلب " وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم ، فالفهم والفكر بوابة القلب ومن اعظم بوابات القلب هو الفكر ومؤثر كالقلب ، العين الناظرة مثل القلب مثلا لاحظ لسان النبي وحتى لسان القرآن ولسان اهل البيت فيه توصيات اداب الصلاة القلبية ، بعض الاعلام الف اداب الصلاة القلبية حيث عندنا اداب البدن واللباس واداب الافعال البدنية هذا جانب ولكن هناك اداب يقوم بها القلب في الصلاة .
روايات عديدة عن النبي من الفريقين وفي لسان القرآن لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى ، سكارى ليس شاربين الخمر يعني في حالة تعب ونوم ما تركزون قلبيا وتوجها في الصلاة ، ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون ، فيسهو وفكره ساهي وقلبه ساهي لاهي يعني الله عز وجل يطلب من عندك اداب قلبية كيف تروض القلب عليها? وقد امر الله بها ، بل في بيانات الوحي في القرآن وفي كلام النبي واهل البيت في الصلاة وفي الصوم وفي الزكاة اعظم مراتب العبادة هي التي تترقى وتتصاعد من البدن الى النفس الى الروح الى القلب .
فالمسلم ان بحث النظام القلبي في العبادات والاداب والرياضات والاحوال القلبية يهتم بها الوحي اشد اهتمام بل في بيانات الوحي ان النتيجة الغائية النهائية بكل طبقات وجود الانسان واعمال الانسان هو الشؤون القلبية ، يوم تبلى السرائر فاذن بحوث فقه وشؤون القلب يسمى الفقه الاكبر كما ان العقائد تسمى الفقه الاكبر كذلك الحال في شئون فقه القلوب هو الفقه الاكبر.
صريح الروايات في الصوم وفي اداب الصوم واداب الصلاة واداب الزكاة واداب الطواف واداب بقية العبادات صريحة في انها لغاية من غايات العبادة وهو الوصول الى المرتبة القلبية وترقي المرتبة القلبية ، فاذن فقه وشؤون القلوب محل نظر وتمركز كبير وكفى هذا البيان من الامام الصادق عليه السلام عندما يقول انما خلد اهل النار في النار لنياتهم يعني فعل القلب وخلد اهل الجنة في الجنة ليس لاعمالهم وانما لنياتهم ان لو بقوا ابد الاباد لبقوا مقيمين على طاعة الله ، فلاحظ دور النية هو الخلود ودور العمل البدني ليس خلود وان كان هذا مهم وهذا موجود في الوسائل في الجزء الاول في ابواب مقدمات العبادة وربما ثلاثة عشر بابا عقدها صاحب الوسائل في قواعد العبادات وهذه الابواب اكثرها مرتبطة باداب القلب .
اذن بحث الشؤون القلبية هام جدا يمكن لك ان تسميه بالفقه الاكبر هذا هو الفقه النهائي ، المناجاة الخمسة عشر المنسوبة للامام زين العابدين مضامينها كلها متطابقة مع منظومة الادعية وجل الاعلام تلقاها بالقبول وفيها هذا البيان ان القلب له شريعة وطريقة وان الله يحاسب العباد بحسب ما اتاهم من العقول ، فكلما ازداد عقلا كأنما احكام محاسبة الاكثر عقلا تختلف عن محاسبة الاقل عقلا ومحاسبة القلب اشد من محاسبة القوى النازلة في الانسان.
اجمالا اذن هذا النظام نظام الوحي بشكل واضح لمن تأمل فيه يقول عليه السلام فاذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة ماذا يريد ان يقول الصادق ؟ يريد يقول هذا الذي ارتاض وقام بسير قلبي وروحي تكلم بالحكمة فصار صاحب فطنة ، فليس هو صار من الانبياء ولا حجة من الحجج فالفايدة انه تكلم بالحكمة يعني ادرك وتكلم بما هو برهانه ودليله مطوي فيه ومر بنا معنى الحكمة فالحكمة تلاحظ حجية المتن ولا تلاحظ الصدور ولا تلاحظ الشخص القائل ومن قال وانما يلاحظ ما قيل في نفسه منضوي على دليل وهذا بحث منهجي مهم في الفرق بين حجية العقل وحجية الوحي ، احد الفوارق ان في حجية العقل مع انها تحت ظل الوحي يعني حجية العقل ما تنظر للشخص تنظر الى ذات المضمون بغض النظر عن الصدور .
احد الجدليات الشديدة بين الاخباريين والاصوليين ان الاخباريين يصرون على الصدور والاصوليون يقولون المتن ، فهذه مفارقة مهمة منهج الاخباريين والاصوليين ، الاصوليون مضمونيون يدورون مدار المضمون والمتن في نفسه وهذا هو معنى حجية العقل والحكمة ، هنا الامام الصادق لما يقول تكلم بالحكمة يشير الى نظام منهجي في المعرفة والحجية فهو ليس حصري لكن احد اركان المعرفة والحجية هو ذات الحكمة ، ادع الى سبيل ربك بالحكمة ولم يقل بالوحي ، ما فرق وصف الله للانبياء بانه اعطاهم الحكمة وغير عطية الله لهم بالنبوة وغير عطية الله لهم بالامامة ، حيث الامامة بشكل والنبوة شكل اخر والحكمة شكلها اخر ويقول اتيناه علما بالنسبة للنبي موسى فلما بلغ اشده اتيناه علما وحكما ما الفرق بين العلم والحكمة? وبين الكتاب وبين النبوة وبين الامامة وبين الرسالة ؟ هوليس تلاعب الفاظ ، العلم حجيته ذاتية لا ينظر فيه الى الصدور ينظر فيه الى البطون لا الى الصدور وينظر الى المضمون والى المتون ، عندك الحجج الظنية من ذهب الى الصدور اما حجية العقل ماذا قال عنه الاصوليون حقيقة ؟ قالوا حجيتها ذاتية وحجة العقل ذاتية في البديهيات او فيما يقرب من البديهيات الوحي رسالة نبوة طريق وحياني خاص تعبدي .
فقوالب الحجج في النظام المعرفي الديني يختلف كذلك في ادراكات القلب ، ذكر الله القلب في عين اليقين وحق اليقين ، اليقين لا صلة له بالفكر وانما يرتبط اكثر بالقلب ، ايقان القلب علم اليقين عين اليقين حق اليقين ادراكات قلبية مشاعر واستشعارات ادراكات القلب والروح ، فالانسان مزود من قبل الله تكوينيا بقوى مختلفة ما يمكن تحصر قوى الانسان فقط في الفكر والعقل الفكري ايضا جانب الادراكات القلبية ، شئت ام ابيت قد جهز الله الانسان بنافذة من الادراكات القلبية .
كيف العقل عين مسلحة يدرك بها الانسان عوالم غير مرئية للجسد وامور غيبية عن الحس ولكن العقل يراها رأي العين ؟ لذلك العين العقلية هي عين مسلحة كذلك القلب عين اخرى للانسان الم نجعل له عينين? يعني حتى عين البصيرة وليس عين البدن فقط وعين العقل الفكرية وعين القلب الادراكية ولكن هذه العين القلبية ادراكها حي حيوي واستشعار حيوي بينما العقل الفكري ادراك من بعيد وصورة جامدة .
هذه اجهزة الانسان لا يعقل ان لا يتعرض الوحي لكمالها ولتربيتها ولا سيما انها اشرف واكمل قوى الانسان ، كيف يهتم الوحي بالقوى النازلة في الانسان ولا يهتم بالقوى الصاعدة ؟ فالامام يقول فاذا صار ، يعني كأنما يعتبر مسافر القلب في حركة وسير وهذه الرواية من عشرات ومئات وربما الوف الروايات الواردة لدينا في هذا المجال لكن بحاجة الى همم لجمع هذه المصادر وتبويبها كتاب وسائل فقه القلوب في روايات اهل البيت ونفس الكتب موجود فيها وغير الكتب الاربعة كتب الفروع كلها مملوءة بهذا لمن يتنبه ويكون يقظا لملمة هذه العناوين المرتبطة بالقلب .
فاذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة ...
انظر هنا صيرورة حركة سفر فاذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة يعني يا ايها الباحث في عالم الرياضة القلبية لا تصنم الشخص انظر الى ما قيل ولا تنظر الى من قال ، هو الله عز وجل يأمر ان في القرآن حكمة يعني بغض النظر عن صدورها عن الله هي بنفسها ذاتية ، فلا تلاحظون صدور الرواة المغلوب على امرهم المستضعفين في العلم والمعرفة وانما صدورها من الله وهذا اعظم شيء وكذلك صدوره من النبي ، فيقول لا تلاحظ سلسلة هذا الصدور الوحياني وانما لاحظ نفس المضمون .
القرآن فيه موارد عديدة يبين ان الذي بين في القرآن من الحكمة يعني برهانها ذاتي فيها ومر بنا الله عز وجل ارسل لقابيل رسالة والحامل لها هو الغراب فهل للغراب حجية ؟ كمثل الحمار يحمل اسفارا ، وهذا مثل في القرآن الكريم انت لا عليك من الحامل قد يكون حسب كلام القرآن هذا حمار انت ما عليك بالحمار عليك من المحمول في الوحي ، وفي روايات كثيرة انما حامل كلامنا وهو الوحي اوعية سوء ، يعني هؤلاء الرواة سوء اما منحرفين عن مذهب اهل البيت لكن نحملهم علما فانت لا تفصل بين العلم الصافي في هذه الاوعية ووعاء السوء لا يكدرنك عن اخذ العلم الوعاء السوء وهذا رد على من يهاجم الحوزات العلمية او العلماء ، لنفترض انه عالم سوء في قناعتك ما ذنب العلم? العلم غير العالم ، افترض انت عندك حساسية مع الفقهاء ما ذنب الحكم الفقهي? حاكمية الحكم الفقهي هو حكم الله و الفقيه شيء اخر جهتان معزولتان عن بعضهما البعض لو سلمنا معك انه لك نظرة سوداوية عن العلماء او الفقهاء او الحوزات العلمية فما ذنب علم اهل البيت الموجود وعلم الوحي الموجود ؟ فهي حجية ذاتية .
وهذا هو معنى الحكمة ضالة المؤمن يأخذها اينما وجدها يعني حتى لو وجدت هذه الحكمة عند شخص غير حكيم وليس بنقي وليس بطاهر انت افصل بين ذات الحكمة وبين الحامل للحكمة ، اذن حجية المضمون والمتن هي الركن الركين في المعرفة الدينية في كل العلوم الدينية لا الصدور ، بحث الصدور هذا تبع .
فالمهم يقول اذا صار من اهل الفوائد تكلم بالحكمة ...
هذا تأييد للاصوليين في قبال الاخباريين وان كان بعض الاصوليين هم اخباريون وبعض الاخباريين هم اصوليون ، الكلام ليس في الاشخاص وانما في المنهج انه يمكن ان يكون حجية للعقل بغض النظر عن صدورها عن الوحي ، هو الله عز وجل يسمي جملة من الايات حكمة يعني بغض النظر عن صدورها عن الله ومن ثم حجية القرآن بغض النظر عن صدوره عن الله وعن النبي ومجيء جبرائيل به هو القرآن يحمل في ذاته علوم اعجازية ذاتية .
فاتوا بسورة يعني التحدي ذاتي وحجية المتن ، هل فاتوا بسورة من مثله يعني تواتر صدور ذلك عن الله هل هذا معناه? وانما يعني نفس هذه اللؤلؤة هي جوهرة بنفسها بغض النظر عن الصدور وبغض النظر عن الوسيط الذي اتاكم بها هذا معناه حجية المتن فحجية المتن هو الاصل فاذن هذه المباحث في الحجج بين الاخباريين او بين المتكلمين والفلاسفة او بين الفلاسفة والعرفاء في العلوم المختلفة هنا يحدد الوحي موقفه من ذلك يقول فاذا تكلم بالحكمة صار وهذه منزلة اخرى صاحب فطنة ، ما الفرق بين الحكمة والفطنة? مثل ما الفرق بين اتيناه علما وحكمة ، مثل الخضر فوجد عبدا من عبادنا اتيناه رحمة من عندنا واتيناه من لدنا علما ، هنا قال رحمة وعلما بينما في موسى قال علما وحكما ، هذا التغيير في العناوين هو له مداليل .
هذه بحوث صناعية معرفية في الحجج غامضة خطيرة مهمة جدا من ثم من اعظم مصابيح الرياضة القلبية والروحية هو العلم ليس كما يقول المرشد والمربي وانما العلم هو اكبر مربي ومرشد وهو اكبر مصباح ولاالجهل اما الجاهل فسير عمياوي بخلاف العلم ، العلم امام وامام العمل سواء عمل قلبي او عمل روحي او عمل اخلاقي او عمل بدني ، العلم امام او امام.