الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

37/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : احكام الحكومة

ذكرنا ان الحكومة تبتني على القرينيه اذ ان في دليل الحاكم والمحكوم قرينيه توجب تعين المراد من مجموع الدليلين وقد اسماها بعضها قرينه شخصية فان لكل متكلم حق في تعين مراده وبيان المرام من مجموع كلامه وهناك قرينه شخصية المتكلم يبني على كلامه ويجعله عاما في كلامه كما في المحكمات والمتشابهات حيث ان المولى جعل المحكمات قرينة لتحديد المراد من المتشابهات بينما في الحكومة تكون قرينة شخصية في كل كلام اراد المتكلم ان يوضح مراد ويحدد مرامه وهذا هو الفرق ومن هنا قلنا ان دليل الحاكم يتقدم على دليل المحكوم فان في دليل الحاكم نظر لتحديد المرام بحيث يتضح المراد من مجموع دليل الحاكم ودليل المحكوم فيكون دليل الحاكم متقدما على دليل المحكوم سواء كان دليل الحاكم متصلا بدليل المحكوم او منفصلا عنه اذ اننا هنا لا نلاحظ كما نلاحظ بين المخصص والعام فاذا كان دليل المخصص متصل بدليل العام لا ينعقد للعموم ظهور الا في دليل المخصص .

واما الفرق بين الحكومة والورود ما تقدم بيانه من ان الورود خارج عن مورد التعارض الحقيقي باعتبار ان الوارد يخرج الفرد من موضوع المورود خروجا موضوعيا وهو لا معنى للتعارض فيه ، وبناءً على هذا يتضح ان سبل تقديم الحاكم على دليل المحكوم

اولا : ان هناك قرينيه شخصية في البين مما يوجب تقديم القرينة على ذي القرينيه والقرينة هي دليل الحاكم وذي القرينة دليل المحكوم وان كان بينهما نوعا من التنافي الا ان العرف بنائهم على ان القرينة تتقدم على ذي القرينة

ثانيا : ان موارد الحكومة خارجة عن التعارض الحقيقي باعتبار القضية الشرطية الموجودة في دليل المحكوم فان دليل المحكوم فيه قضية شرطية تدل على ان ثبوت الجزاء على تقدير ثبوت الشرط كما في قوله (وحرم الربا)[1] اذ ان هذه القضية شرطية ما كان ربا فهو حرام ودليل الحاكم الذي يدل على انه لا ربا بين الوالد والولد انما ينفي الربا في هذا المورد فمحط الدليلين غير محط الاثبات في الدليل الاخر فلا تعارض بينهما فيثبت ان الزيادة التي بين الوالد والولد لا تسمى ربا والقضايا الشرطية تثبت الملازمة بين ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط ولا نظر الى اثبات الشرط، ومن هنا يقولون ان دليل الحاكم يتقدم على دليل المحكوم اذ لا تعارض بينهما .

ويشكل عليه ان هذا يختص فيما اذا كانت الحكومة بلسان نفي الموضوع ولا تختص الحكومة بخصوص ما اذا كان بلسان نفي الموضوع وثانيا انه اذا كان المراد من دليل الحاكم نفي الربا من الزيادة التي تحصل بين الوالد والولد فمعناه ان هذا الدليل وارد على دليل حرمة الربا ولا يكون حاكما عليه اما اذا اراد ان ينفي الحرمة والحقيقة هنا ربا والزيادة عليه حرام وهنا زيادة وليس فيها حرمة فيقع التعارض اذ ان هذا ينفي الحرمة في الزيادة وذاك يثبت فما هو المفاد من هذا الوجه هل هو نفي الزيادة بين الوالد والولد فيكون هذا الدليل الحاكم وارد وليس حاكما وان اراد نفي الحرمة حقيقتا فيقع التعارض بين دليل الحاكم ودليل المحكوم اذ انه ينفيه حقيقتا .

ثالثا : ان في دليل الحاكم زيادة وهي ليست موجودة في دليل المحكوم كما في المثال المتقدم لا ربا بين الوالد وولده فهذا الدليل نفي الزيادة الحاصلة بين الوالد والولد ليست ربا فهو يثبت امران نفي الزيادة ان تكون ربا ونفي الحرمة بينما دليل المحكوم انما يثبت الحرمة فقط

لكن يورد على هذا الوجه من ان هذه الزيادة اذا كانت من ضمن القرينة على التصرف بدليل المحكوم كما ذكرنا ان الحكومة مبنيه على القرينيه فلا اشكال فيه وهذه الزيادة ان كانت قرينه فلا اشكال والقرينة تتقدم على ذيها اما اذا لم يكن كذلك فليس كل دليل اذا كان فيه زيادة فليس عندنا هكذا .

البحث الثاني : اقسام الحكومة فقد ذكر بعض الاصوليون ثلاثة اقسام وبعضهم جعلها قسمين فاذا اردنا الاختصار فصاحب القسمين هو الاولى في الكلام واذا اردنا الفصل فصاحب الثلاثة يتعين الاخذ به، اما الذي ذهب الى الاقسام الثلاثة قال ان الحكومة تبتني على ان في دليل الحاكم نظر وخصوصية تنظر بدليل المحكوم وتجعله على دليل الحاكم وهذه الخصوصية لها اساليب ثلاثة :-

الاسلوب الاول : ان يكون تفسير بحيث يكون دليل الحاكم مفسرا لدليل المحكوم سواء كان التفسير بأحد اللفاظ التفسير المعروفة مثل أي او اعني وغيرهما او يكون بحيث ان هذا السياق ينطبق عليه سياق التفسير وهذه الحكومة تسمى حكومة تفسيرية .

الاسلوب الثاني : ان دليل الحاكم ينزل الشيء منزلة الموضوع في دليل المحكوم وتسمى هذه الحكومة تنزيليه كما في قوله صلى الله عليه واله وسلم (الطواف في البيت صلاة)[2] حيث ان هذا الدليل يجعل الطواف بمنزلة الصلاة فلابد من ترتيب اثر المترتب على الموضوع في المنزل عليه على المنزل والا لما كان للتنزيل وجه معقول .

الاسلوب الثالث : من مناسبات الحكم والموضوع نستفيد بان هذا حاكم على الدليل كما قالوا بالنسبة الى ادلة نفي الضرر والحرج انما تفي اطلاقات ادلة الاحكام الاولية لكي لا تشملها باعتبار ان الشارع ليس من شأنه ان يجعل حكما ضرريا او حرجيا على العباد وذكروا ان تقديم ادلة نفي الحرج والضرر على ادلة الاحكام الاولية من اجل هذه العلة فلسانه لسان حكومة وليس لسان ورود وهذه الحكومة تسمى بالحكومة المضمونية استفدناها من مناسبات الحكم والموضوع


[1] البقرة/السورة2، الآية275.
[2] سنن البيهقي، ج5، 87.