الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

37/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : قاعدة اليد

قاعدة اليد هي من القواعد المعروفة في الفقة والكلام فيها يقع ضمن امور :-

الامر الاول : المراد من يد ولها معاني متعددة في اللغة فبعضها مجازي وبعضها حقيقي فليس المناط تحقيق هذه المعاني بل المراد من اليد المتعارف العرفي ، قالوا ان المعنى المتعارف من اليد في الفقه هو الاستيلاء على الشيء سواء كان عينا ام منفعة ام انتفاعا ام حقا من الحقوق والمراد من الاستيلاء هو السيطرة الخارجية على الشيء ويكون تحت تصرفه وسيطرته اذ كثير من يكون متمكن بلا استيلاء فمجرد التمكن غير كافي بل المناط بالاستيلاء وهو السيطرة الخارجية ويسمى يد وتترتب عليه الاحكام التي يأتي ذكرها وان قيل ان هذه اليد تارة تكون مسببة عن ملك سواء كانت باقل اختياري كالمعاوضات او بناقل غير اختياري كالإرث وقد تكون الاستيلاء سبب للملكية كما في باب الحيازة ان كان قصده الملكية ، وحينئذ لا يمكن اثبات قاعدة كلية على ان كل استيلاء هو يد

ويجاب عن هذا التوهم ان المناط في المقام هو الاستيلاء والسيطرة الخارجية على الشيء والملكية امر اعتباري وليست الملكية هي سبب الاستيلاء الخارجي والسيطرة وليست مجرد ملكية اعتبارية لأنها لا تكفي في اليد نعم الاذن من المالك يخرجان اليد عن العدوانية لكن المناط في المقام هو الاستيلاء الخارجي ، ثم ان الاستيلاء والسيطرة يرجع فيها الى العرف وهو يختلف بحسب الاشياء والموارد وبحسب الاعصار والامصار ففي الدار انما يكون الاستيلاء بالسكن في الدار او اخذ مفتاحها وفي الدكان او الخان يكون الاستيلاء بالبيع والتصرف وفي الدابة الركوب عليها او اخذ زمامها ونرجع في تعين الجميع الى العرف في ان هذا الشخص هل استولى على هذا الشيء فيكون ذو اليد او لا يحكم بذلك وعلى هذا لو اختلف شخصان احدهما راكب على الدابة والاخر اخذ بزمامها وكل واحد منهما يدعي الملكية فان حكم العرف ان احدهما ذو اليد فيترتب احكام ذو اليد عليه وان لم يحكم تتعارض الجهتان فيسقطان فلابد من الرجوع الى قواعد اخرى

ثم انه لا ينحصر ان تكون اليد واحدة بل ربما تكون متعددة كما في الشريكين فانهما يشتركان في مال واحد وكلهما له اليد في المملوك لهما ففي هذه الصورة ايضا ربما تكون الشركة اكثر من اثنين ولكن لابد من التحصيص ومعرفة كل واحد حصته والفقهاء لهم مقالة في المقام وهو ان تعدد الشركاء في الشيء يرجع الى يد واحدة فاذا كانا شريكين في مال معين بالتالي كل واحد مستقل بالنصف او بمقدار حصته

ثم قالوا ان المأذون من المالك مع اعترافه بالإذن وامانته تكون يده بمنزلة يد المالك فالودعي انما تكون يده بمنزلة يد المودع والمستعير يكون بمنزلة المعير وكذا المستأجر وسائر الموارد فالقاعدة العامة كل امين اذا اعترف بالأمانة تكون يده بمنزلة يد المالك

الامر الثاني : في الدليل على هذه القاعدة واستدل عليها بالأدلة الاربعة :-

الدليل الاول : قوله تبارك وتعالى ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ[1] والاضافة تدل على الاستيلاء والملكية وكل ما ورد في القران من اضافة متاع او اضافة شيء على نحو الملكية انما المراد منه الاستيلاء وهو بمعنى اليد حينئذ

الدليل الثاني : السنة وقد وردت روايات مستفيضة تدل على ان اليد امارة الملكية منها رواية حفص ابن غياث المروية في الكتب الثلاثة عن ابي عبد لله عليه السلام : أرأيت اذا رأيت شيء في يد رجل أيجوز لي ان اشهد انها له قال عليه السلام : نعم ، فقال الرجل اشهد انه في يده ولا اشهد انه له فلعله لغيره قال عليه السلام : أفيحل الشراء منه قال نعم قال عليه السلام فلعله لغيره فمن اين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكا لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه ولا يجوز ان تنسبه الى من صار ملكه من قبله اليك ، ثم قال عليه السلام لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق)[2] ومنها رواية صدقة ابن مسعدة عن ابي عبد لله عليه السلام قال سمعته يقول (كل شيء هو لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه بنفسك وذلك مثل الثوب قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه او خدع فبيع قهرا او امرأة تحتك وهي اختك او رضيعتك والاشياء كلها على هذا حتى يستبين غير هذا او تقوم به البينة) ومنها ما رواه الصدوق في علل الشرائع ورواه الطبرسي في الاحتجاج ورواه الحر العاملي في الوسائل في حديث فدك ان مولانا امير المؤمنين عليه السلام قال لأبي بكر اتحكم فينا بخلاف حكم الله تعالى في المسلمين قال : لا ، قال عليه السلام فان كان في يد المسلم شيء يملكونه ادعيت انا فيه من تسأل البينة ؟ قال اياك كنت اسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين ، ثم قال عليه السلام فاذا كان في يدي شيء فأدعى فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبعده ولم تسأل البينة على ما ادعوا علي كما سألتني البينة على ما ادعيت عليهم ، الى ان قال عليه السلام البينة على من ادعى واليمن على من انكر)[3] منها صحيحة العيس عن مملوك ادعى انه حر ولم يأتي ببينة على ذلك أشتريه ؟ قال عليه السلام نعم ان اليد تدل على الملكية) ومنها موثقة يونس ابن يعقوب عن ابي عبد الله عليه السلام في المرأة تموت قبل الرجل او رجل قبل المرأة قال عليه السلام ما كان من متاع النساء فهو للمرآة وما كان من متاع الرجل والنساء فهو لهما ، ثم قال عليه السلام ومن استولى على شيء منه فهو له) الاستيلاء الخارجي دلالة على الملكية لأنها يد وهي امارة على الملكية ، ومنها رواية العباس ابن هلال عن ابي الحسن الرضا عليه السلام لو اقضي اليه الحكم لأقر الناس على ما في ايديهم ولم ينظر في شيء الا بما حدث في سلطانه ، وذكر ان النبي صلى الله عليه واله وسلم لم ينظر في حديث احدثوه وهم مشركون وان من اسلم اقر على ما في يديه) وغير ذلك من الروايات التي وردت في مواضع متفرقة ولا وجه للمناقشة السندية فيها بعد اشتهارها واستفاضتها .


[1] سورة البقرة، اية188.
[2] تهذيب الاحكام، شيخ الطائفة، ج6، ص262.
[3] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص293، ابواب وجوب الحكم بملكية صاحب اليد، باب25، ط ال البيت.