الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

37/03/16

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : ما يشترط في جريان أصالة الصحة
كان الكلام في الصور التي ذكروها بين الحامل على الصحة والعامل للفعل : فقد تتحد الصحة بين الحامل والفاعل وقد يختلفان وقد تكون الصحة عند الفاعل تمام الموضوع بالنسبة للحامل كما بين الوكيل والموكل . والظاهر من الأدلة التي ذكرناها ومن بناء العقلاء وسيرتهم أنها تجري في جميع هذه الصور سواء كانت الصحة عند الحامل والفاعل متحدتين أو مختلفتين أو كانت تمام الموضوع بالنسبة إلى الحامل أو الفاعل . وهذا مقتضى سهولة الشريعة؛ لأنه من الأصول الامتنانية فسهولة الشريعة تقتضي أن تشمل جميع هذه الصور . إلا أن بعض الفقهاء قال بالتفصيل فقال : إن القدر المتيقن من سيرة العقلاء هو ما إذا اتحد حكم الصحة عند الحامل والفاعل فلا إشكال في جريان قاعدة الصحة، و أما إذا كان الاختلاف بين الحامل والفاعل بالتباين فيكون عند الفاعل أو الحامل شرطا ويكون عند أحدهما مانعا فيكون بينهما تباين كما إذا كان يرى أحدهما الذهاب أربعة فراسخ والرجوع في نفس اليوم يوجب القصر ويرى الآخر أن هذا لا يوجب القصر ففي الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية يرى أحدهما الذي يوجب القصر أن الركعتين مانعة من الصحة والآخر يراهما شرطا في الصحة، فهنا لا تجري أصالة الصحة في هذا المقام للشك في جريان السيرة، لكن يمكن القول بجريانها أيضا في هذا المقام لأن الصحة متحققة بالنسبة للفاعل إذ المناط تحقق الصحة في البين والسيرة جارية على ذلك . وهذه المسألة لها فروع كثيرة فيما إذا اختلف الاجتهاد والتقليد بينهما . وذهب السيد اليزدي في العروة إلى صحة الصلاة إذ المناط على وجود صحة في البين .
الصورة الأخرى : لو كان أحدهما يرى أنه هذا الأمر ليس شرطا ولا مانعا،  والآخر يراه شرطا، كما لو كان يرى جزءية السورة، والآخر لا يرى جزءية السورة ولكن لو قرأ السورة فإنها لا تكون مانعة. وهنا كذلك يمكن القول بجريان أصالة الصحة لسيرتهم على ذلك. إلا أن بعضهم خالف في هذا المورد فتارة يكون هذا الشيء الذي تركه لا يكون ركنا من الأركان كالتسبيحات فلو كان يرى أن الواحدة تكفي والآخر يرى الثلاث واجبة ولكن ترك الثلاث لا يكون مبطلا للصلاة (لقاعدة لاتعاد) فهنا في مثل هذه الصورة يمكن القول بجريان الصحة لكن إذا كان هذا جزء من الصلاة كالسورة مثلا فيشكل حينئذ اقتداء أحدهما بالآخر فلا تجري أصالة الصحة. لكن كما قلنا يمكن إجراء أصالة الصحة أيضا إذ يكفي تحقق الصحة في البين عند أحدهما، والمأموم عليه الاحتياط بقراءة السورة.
الجهة الثالثة : يشترط في إجراء قاعدة الصحة أمور:               
الشرط الأول :أن يصدر الفعل عن قصد واختيار، وقلنا بأنه لا حاجة لذلك فسيرة العقلاء تشمل ما إذا شككنا أن الغير هل أتى بفعله عن قصد أو غير قصد فأصالة الصحة تجري بأنه أتى به عن قصد وليس ذلك من الأصل المثبت لما قلناه من أن أصالة الصحة من صغريات عدم الغفلة والنسيان .
الشرط الثاني : إذا كان الفعل متقوما بعنوان معين فلا بد من إحراز أن هذا الفعل قد صدر بذلك العنوان فالظهر متقوم بعنوان الظهرية والعصر متقوم بعنوان العصرية وهكذا فلو شككنا في أن الصلاة التي صلاها الغير هل كان بعنوان العصر أو الظهر فلا مجرى لقاعدة الصحة؛ لأن العنوان بمنزلة الموضوع وإصالة الصحة لا تثبت موضوعها فلا بد من إحراز الموضوع . مثال آخر : لو صدر من شخص استعمال للماء وشككنا هل هذا بعنوان الغسلية أو بعنوان النظافة وإزالة الوسخ فلا يمكن إجراء أصالة الصحة . وأما ما لم يكن متقوما بعنوان كالتطهير من الخبث فلا حاجة فيه إلى قصد العنوان المعين فتجري أصالة الصحة فيه من حيث الشك في استيفائه لجميع الشروط الأخرى غير قصد العنوان .    
الشرط الثالث : يشترط فيها أيضا : تحقق فعل من الطرف الآخر، فلا بد من أن يصدر فعل من ذلك الغير أو في أثناء فعله حتى نجري أصالة الصحة . مثال ذلك لو أتى شخص بعمرة التمتع ثم شككنا في أن الحج الذي يريد أن يأتي به هل هو صحيح أو غير صحيح فأصالة الصحة تجري في العمرة لكنها لا تأتي في الحج الذي لم يأت به بعدُ . وذلك للشك في أن سيرة المتشرعة تشمل هذه الصورة . والتمسك بالسيرة في مثل هذه الصورة يكون من التمسك بالعام في الموضوع المشتبه .