الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

37/03/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : أصالة الصحة أمارة أو أصل
ذكرنا في الدرس السابق أن الشيخ الأنصاري فرع مسألة على كون أصالة الصحة أصل إحرازي أو غير أصل إحرازي وهذه المسألة بأنه لو اشترى شخص شيئا بعين مال مقايضة ولا يعلم أن هذه العين هل هي مما يملك أو مما لا يملك كالخمر أو الخنزير ثم مات وشك الوارث في أن مورثه هل جعل مقابل العين التي انتقلت إليه ثم انتقلت للمورث ما يملك أو ما لا يملك أي هل دفع المتوفى للبائع شيئا مما يملك أو مما لا يملك ؟ ذكر الشيخ الأنصاري أن أصل المعاملة صحيحة بأصالة الصحة أما انتقال المبيع وانتقال الثمن إلى البائع فهذا لا يثبت بأصالة الصحة إلا على القول بالأصل المثبت لكونه أثرا عقليا إذ من المعلوم في صحة المعاملة أن يكون المبيع والثمن مما يملكان وهذا أثر عقلي ويترتب عليه أثر شرعي وهو دخوله في ملك المشتري والبائع فقال الشيخ بالتفكيك فلو كانت أصالة الصحة من الأمارات لقلنا بحجيتها في مثبتاتها فيدخل الثمن والمثمن في ملك البائع والمشتري وأما إذا قلنا بأنها من الأصول غير المحرزة فإنها تدل على صحة المعاملة فقط دون دخول الثمن في ملك البائع .وقال الشيخ المحقق الهمذاني في حاشيته على الرسائل لا بد من الاحتياط للورثة لأن المثمن الذي دخل في تركتهم غير معلوم أنهم ملكوه فلعله لا زال في ملك الغير لأنه لم يدفع في قبال ثمن لأن ما دفع مما لا يملك فلم ينتقل للبائع وكذلك المثمن لم ينتقل للمشتري المتوفى فلا يجوز لهم التصرف في المبيع الذي هو ضمن تركتهم فهو لا زال في ملك البائع ولا في الثمن المسمى الذي هو مما لا يملك إلا مع التراضي بينهم ورضى مالك المبيع للعلم الإجمالي بدخول مبيع في تركتهم من دون دفع ثمنه .      
واستشكل الشيخ النائيني على الشيخ الأنصاري بأنه يستلزم التنافي، إذ كيف يكون الحكم بصحة المعاملة مع عدم انتقال الثمن إلى البائع !! فإجراء الأصل في كل واحد منهما يستلزم التعارض فإجراء أصالة الصحة في البيع يستلزم صحة البيع وأصالة عدم انتقال الثمن إلى البائع يعارض تلك الصحة فيتساقطان فنحكم ببطلان المعاملة . واعترض عليه بأنه إن كان الشيخ الأنصاري يريد الصحة الواقعية فكلامكم صحيح أي نحكم بصحة المعاملة واقعا وانتقال الثمن والمثمن واقعا للمشتري والبائع فهنا يقع التنافي. لكن هذا التنافي لا يجري إذا قلنا بأن هناك صحة ظاهرية حكم بها الشارع وانتقال الثمن والمثمن واقعا أو يحكم بصحة المعاملة واقعا ويكون انتقال الثمن والمثمن ظاهرا فلا يكون هنا تنافي إنما يكون التنافي بين الصحة الواقعية وعدم انتقال الثمن والمثمن واقعا . إلا أنه يمكن الاستشكال على هذا الاعتراض بأن أصل الصحة إنما شرعت لدفع الشك في فساد العمل وعدم مؤثرية الشك لكن إذا ستلزم من إجراء أصالة الصحة التنازع والتنافر بين الطرفين فلا مجرى لها ولا بد من الرجوع إلى القواعد الأخرى والقاعدة هنا : أصالة عدم انتقال المبيع إلى المشتري فنحكم ببطلان المعاملة إذ أصالة الصحة هي لقطع الخصومة والنزاع والشك فإذا ثبت شك بإجراء أصالة الصحة وعدم رفع الاحتمال فتسقط أصالة الصحة حينئذ .
فالحاصل من جميع ما ذكرنا أن ظاهر الأدلة أن أصالة الصحة أمارة من الأمارات ولذا عبر عنها جمع من الفقهاء بـ ( قاعدة أصالة الصحة) .
الفرق بين قاعدة أصالة الصحة وقاعدة الفراغ
الفرق من وجهين :
الوجه الأول :قاعدة الصحة إنما تجري في فعل الغير والفراغ إنما تجري في فعل الإنسان نفسه. فنحكم بصحة صلاة الغير إذا شككنا هل أتى أنه أتى بركوع أو لا.
الوجه الثاني : أن قاعدة الفراغ إنما تجري بعد الانتهاء من العمل والصحة تجري أثناء العمل وبعد الفراغ. 
وإجراء أصالة الصحة في أثناء العمل وبعد العمل؛ للسيرة واطلاق الأدلة، ولا إشكال في هذا.
الجهة الثانية : المراد من الصحة
   وقد اختلف في المراد من الصحة باعتبارات . الاعتبار الأول : أن يراد من الصحة الحسن ويقابله القبح فعدم الصحة يعني القبح . الاعتبار الثاني : الصحيح يعني المؤثر والفاسد يعني عدم المؤثر . والأدلة التي ذكرت – الآيات والروايات والإجماع والسيرة – جارية على الصحة بالمعنيين ( الحسن والتأثير) إلا إذا قلنا إن الآيات التي ذكرناها في مستهل البحث تكون الصحة بمعنى الحسن خاصة بالمؤمنين. لكن ذكرنا أن الآيات لها إطلاق فيشمل غير المؤمن، بالإضافة إلى وجود الأدلة الأخرى الدالة على أن الصحة بكلا المعنيين شاملة للمؤمن وغير المؤمن – وسيأتي ذكرها.