الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

36/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الاستصحاب
كان الكلام في الجهة الاول هل يترتب على الجعل والاعتبار اثر عملي حتى يصح الاستصحاب او لا يترتب، وقد عرفتم الآراء في ذلك ومناقشة تلك الآراء في غير المقام البتة فان التفصيل في بحث الواجب المشروط هناك يذكرونه وان الاعتبار هل له وجود خارجي او اعتباري قد تقدم الكلام به، الا ان عمدة الاشكال في المقام ان الاصوليين يريدون ان يبينوا ان الاحكام الشرعية لا وجود لها سوى تصورات ذهنية فاذا كانت تصورات ذهنية لا يمكن استصحابها فنرجع الى اصالة عدم الجعل فحينئذ لا يكون هناك وجوود للاحكام الشرعية الكلية حتى تستصحب في تلك الموارد واستصحاب عدم الجعل منقوض بعدم الحكم .
لكن الصحيح في الجواب ان نقول ان للاحكام الشرعية وجودات اعتبارية بل للجعل والتكاليف وجودات اعتبارية لا نحتاج في الاستصحاب ان يكون للمستصحب وجودا حقيقيا خارجيا حتى يقتصر على الموضوعات الخارجية بل حتى لو كان للمستصحب وجود اعتباري يترتب عليه اثر عن العرف والعقلاء كفى في صحة الاستصحاب وشمول ادلة الاستصحاب له ولا نحتاج في ان يكون وجود خارجي له اثاره الخاصة حتى يصح الاستصحاب فان الاحكام كلها اعتبارات لها وجود اعتباري والعرف والعقل انما يثبت لهذه الاحكام اثار معينة فيكفي ذلك المقدار في جريان الاستصحاب فيها ولا حاجة الى استصحاب عدم الجعل حينئذ .
اما كون ان هذا من الاصل المثبت او لا يعني لو لم نجري الاستصحاب في اصل الجعل وانما يجري الاستصحاب في المجعول أي في التكليف وترتيب الاثر على الجعل يكون من الاصل المثبت فسوف يأتي الكلام هل ان الاصل المثبت كلما يترتب على المستصحب بواسطة يسمى اصال مثبت او ان الواسطة لابد ان تكون عقلية فمجرد ان يكون بين المستصحب والاستصحاب واسطة فلا يكفي في جعل هذا الاستصحاب من الاصل المثبت .
الجهة الثانية : في امكان صحة التعبد بالجعل هل يمكن التعبد بالجعل ؟ مفردات ثلاثة تعبد وجعل وعدم الجعل فنريد في هذه الجهة نثبت انه هل يصح التعبد بالجعل وعدم صحة التعبد بعدم الجعل، فلا اشكال في ان التعبد انما يتعلق بالأمور الاعتبارية الجعلي التي تكون بيد المعتبر امرها فيجعلها ويبدنا في ذلك، انما الكلام في ان الجعل هل هو من الامور الاعتبارية او من الامور التكوينية فان قلنا ان الجعل من الامور التكوينية فلا يتعلق التعبد به وان قلنا ان نفس الجعل من الامور الاعتبارية فيمكن ان يتعلق التعبد به، وكلامنا ان الجعل ليس من الامور الاعتبارية اذ ان الجعل يرجع الى انه فعل نفساني للمولى وهو امر تكويني وليس امر جعلي اعتباري .
اما اذا قلنا ان دليل الاستصحاب لا نستفيد منه التعبد انما نستفيد منه الجري العملي ليس اكثر من ذلك وهو حرمة نقض اليقين بالشك، وسيأتي ما هو المستفاد من دليل الاستصحاب هل نستفيد منه التعبد بالمتيقن السابق او المستفاد منه حرمة النقض ولا يوجد فيه تعبد، فان قلنا ان دليل الاستصحاب نستفيد منه التعبد بالمتيقن السابق وبما ان الجعل من الامر التكويني فلا يجري الاستصحاب به، كذلك لا يصح التعبد بعدم الجعل أيضا فان عدم الجعل يرجع الى الجعل ايضا فاذا كان الجعل لا يمكن ان يتعبد به فعدم الجعل ايضا لا يمكن التعبد به لان الشيء لابد ان يكون رفعه ووضعه لابد ان يكون بيد المولى وبما ان الجعل بنفسه امر تكويني لم يتعلق به التعبد فعدم الجعل ايضا لا يمكن التعبد به .
الا انه وقع نزاع اخر هل ان عدم التكليف بحد نفسه يمكن تعلق التكليف به او لا ؟ فقد ارجعنا عدم الجعل الى عدم التكليف وعدم المجعول قلنا يمكن شمول دليل الاستصحاب به اذا كان مفاده الجري العملي، فقد  ذهب الشيخ الانصاري رحمه الله في مبحث البراءة الى ان عدم التكليف لا يمكن ان يتعلق به الجعل لان عدم التكليف لم يكن اختيارا .
اورد عليه ان التكليف اختياري فيكون عدم التكليف ايضا اختيارا لان القدرة انما تتعلق بطرفي القدرة الوجود والعدم، فالتكليف مقدور للمولى عدم التكليف ايضا لابد ان يكون مقدورا للمولى فنستصحب حينئذ فما ذكره الشيخ الانصاري يرد بان التكليف مقدورا فاذا كان مقدورا فعدمه ايضا لابد ان يكون مقدورا .
الا انه ذكر بعض الاصوليين ان الاشكال ليس ما ذكره المحقق الانصاري ولا جواب ما ذكره بعض الاعلام بل ان الاشكال يأتي من نواحي اخرى وهو ان عدم التكليف تارة يكون واقعي وتارة يكون ظاهري فان كان واقعي ان كان في ظرف الواقع يثبت التكليف او لا يثبت ؟ فان لم يثبت تكليف فلا حاجة لجعل عدم التكليف لانه مؤونة زائدة فلو كان في الواقع حرمة ويجعل عدم الحرمة فمعناه ان عدم الحرمة غير اثار الحرمة والمبدأ يكون بينهم التنافي فلا نستعمل التناقض ولا التضاد حتى يورد علينا، اما اذا كان عدم التكليف ظاهرا فأما انه ينفي التكليف ظاهريا حينئذ هنا عدم التكليف فائدة لأجل اثبات المعذرية والتأمين فهنا عدم تكليف في البين فالمكلف معذور اذا لم يفعل ذلك ان المكلف مؤمن من العقاب .
اما اذا لم يكن حكما ثابتا انما الشارع الاقدس يريد ان يجعل حكم ظاهري ثابتا أي انه يريد ان يجعل حكما واقعيا في صورة الظاهر فحينئذ العقل اذا احتمل وجود تكليف في البين يكفي هذا الحكم العقل في الاحتياط فلا حاجة الى جعل عدم التكليف ظاهرا فاذا حكم العقل بمرحلة الظاهر بالاحتياط فلا معنى ان يجعل عدم التكليف ظاهرا لبيان الحكم الواقعي .