الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

36/03/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع :- الاستصحاب
كان الكلام في بيان الحكم الظاهري وقد اوضح السيد الصدر هذا الحكم الظاهري بأمرين :-
الامر الاول : ان الحكم الظاهري هو الحكم الشرعي الذي يجعله المولى نتيجة التزاحم بين الاحكام الالزامية والترخيصية الواقعية المشتبهة في مقام حفظ التشريع فيرى أي هذه الاحكام اهم وفيه قوة يرجحهه على اخر ويجعل الاحتياط فيه وسماه بالتزاحم الحفظي، وذكرنا ان الشيخ الخراساني يذهب الى التزاحم الملاكي والشيخ النائيني يذهب الى التزاحم الامتثالي .
الامر الثاني : ان ترجيح الاحكام الواقعية المشتبهة لابد ان يكون لسبب من الاسباب اما ان يكون بسبب الترجيح الموضوعي او يكون السبب سبب ذاتي واما الاسباب الموضوعية فهي على اقسام :-
القسم الاول : الترجيح الكيفي أي بحساب قوة الاحتمال في احد الاحكام او في مجموعة الاحكام الواقعية المشتبهة سواء كانت الزامية او ترخيصيه بحسب قوة الاحتمال فيجعل عند الاجتباه احتياط وترجيح لأحد الجانبين على الاخر .
القسم الثاني : ان يكون الترجيح بقوة الاحتمال فيرجع الى الترجيح الكمي وتارة يكون بحسب مجموع تلك الاحكام يرى المجموع اقوى من المجموعة الاخرى سواء كانت الزامية او ترخيصيه ولا يضر النظر الى مجموع الاحكام من حيث المجموع اذا كان حكم الزامي واحد اضعف من حكم ترخيصي اذا ان النظر الى المجموع لا النظر الى الافراد كما يقال العبارة الواردة في زيارة عاشوراء (لعن الله بني امية قاطبة)[1] حيث ان النظر الى المجموع بما هو مجموع واذا خرج واحد لا يضر بالمجموع .
القسم الثالث : الترجيح بنظر الافراد أي ينظر الى المجموع لكن بحسب الافراد أي على نحو الاستغراق فيرى احد الاحتمالين اقوى من الاخر ويجعل الحكم على طبق ذلك الاحتمال وهذا القسم هو الذي ينظر في ما سيأتي في ان مثبتات الامارات هي حجة دون الاصول فهذا نظر الى الافراد فجعل هذه الكمية من الافراد اقوى من تلك الكمية من الافراد الاخر او ان هذا المحتمل اقوى من المحتمل الاخر .
القسم الرابع : ما لا يكون فيه لا ترجيح كمي ولا ترجيح كيفي فيرجع الى المرجح النفسي الذاتي فيرى ان هذا المحتمل فيه من المرجحات على غيره وهذا القسم موجود ولا اشكال فيه ولا يستلزم التصويب لان هذا الترجيح في طول الاحكام الواقعية .
ثم قال رحمه الله ان الاستصحاب حكم ظاهري وانما ترجيحه بلحاظ المجموع من حيث هو مجموع فان مجموع اليقين السابق انما يكون اكثر اهمية لاستمراره الى مرحلة الشك فجعل الحكم الظاهري لهذا الاحتمال وبقاء ذلك اليقين الى المرحلة اللاحقة، ثم قال يمكن ان يكون الترجيح كمي بلحاظ الافراد أي الاستغراق أي ان افراد اليقين السابق له بقاء في مرحلة الشك، ثم قال اخيرا يمكن ان يكون الترجيح بعنوان الذاتي والنفسي اذ ان المكلفين انما يرتاحون لهذا ويستأنسون ببقاء اليقين فهذا ترجيح يرجع الى النفسية والذاتية فقال يمكن ان يكون الاستصحاب حكم ظاهري بلحاظ مجموع اليقين وبلحاظ احاد المكلفين وبلحاظ ذاتية المكلفين هذا ما ذكره السيد الصدر في جعل الاستصحاب من الحكم الظاهري .
ولكن الحق ان في كلا الامرين نقاش لا يمكن المساعدة عليه
اما الامر الاول انكم تعلمون ان الحكم الظاهري جعل شرعي عند اشتباه الواقع في نظر المكلف فاذا لم يتمكن المكلف من الوصول الى الاحكام الواقعية فيقع في الاشتباه وشك واضطراب فيجعل الشارع الاقدس له حكم ظاهري في مرحلة الاشتباه والشك لمصلحة من المصالح فقد يوافق الواقع وقد يخالفه فكثير من الاوقات لا يكون الحكم الظاهري موافق للواقع لكنه حكم شرعي جعله موافق للظاهر والمصلحة ربما تتطابق في المصلحة مع الاحكام  الظاهرية ويمكن ان تختلف والمصلحة في الجميع واحدة وهي اظهار عبودية المكلفين وتثبيت طاعتهم لله تبارك وتعالى
ولا ريب ولا اشكال ان الحكم الواقعي لوصوله طرق معينة معلومة عند الشارع كما ان في الحكم الظاهري له طرق معينة وليس لكل احد اشتبه عليه الواقع فيجعل له حكم من نفسه بل لابد من الرجوع الى الطرق المعهودة لتثبيت ذلك الحكم، فلا حاجة الى التماس ان يكون السبب في ذلك الحكم الترجيحي هو التزاحم الحفظي او الملاكي او الامتثالي مع ان التزاحم الحفظي انما هو في مرحلة حفظ الاحكام الشرعية وهي كل حكم في مقامه محفوظ، واما الاحكام الطريقية انما شرعية لأجل عدم الوصول الى تلك الاحكام الواقعية فهي احكام موقته ما دام الشك موجود يرجع لها فاذا ارتفع الشك والاشتباه يرجع الى الحكم الواقعي ولا يستلزم أي اشكال من الاشكالات التي ذكروها في الاحكام الظاهرية .
فلو كنا نحن والتماس السبب لجعل الاحكام الظاهرية ان التزاحم الامتثالي هو الذي يكون اجدر بالقبول فما ذكره السيد الصدر رحمه الله تطويل بلا طائل تحته ولزوم ما لا يلزم فلم يكن هذا هو روح جعل الاحكام الشرعية الظاهرية بل هذا هو احد الاسباب لو نظرنا لها من جهات مختلفة ومن حيثيات مختلفة، فكلامه صحيح من ناحية حفظ الاحكام وكلام المحقق النائيني صحيح في مرحلة الامتثال كلام المحقق الخراساني صحيح في مرحلة الملاكات ولكن روح السبب في جعل الاحكام الظاهرية هو الاضطرار والشك والاشتباه بالنسبة الى الاحكام الواقعية فجعل الشارع الاقدس علاج لهذه الحالة ويرتفع هذا الحكم الطريقي عند بيان الواقع واتضاح المقصود .
الامر الثاني : ان قوة الاحتمال انما نلتمسه في ما اذا كان المولى حقيقي فترجيح الاحكام الشرعية عنده فاذا بينه لنا فنتبع ما بينه واذا لم يبين ما هو سبب الترجيح فتأتي الاحتمالات ومن جملتها ما ذكره السيد الصدر  اما بحسب الموضوع او بحسب الذات والموضوع اما على ترجيح كيفي او كمي والكمي اما بحسب المجموع بما هو مجموع او بحسب الافراد، وهذه احتمالات وربما يكون مقابل هذا الاحتمال الذي ذكرناه من ان الشارع الاقدس انما جعل الحكم الطريقي لأجل حفظ الاحكام الواقعية وان المكلف عندما اشتبه عنده الواقع اضطرب ووقع في حيرة فلأجل رفع اضطراره جعل هذا الحكم الطريقي الظاهري الشرعي فيكون هذا الاحتمال هو السبب في جعل الاحكام الشرعية
حينئذ نريد ان نبين في الخارج ان هذا الحكم الشرعي الطريقي مثل الامارة هل ان مثبتاته حجة فنرجع الى الاحتمالات التي ذكرها السيد الصدر فان كان المناط ومن حيث الاستغراق أي جعل الحكم الشرعي في الاستصحاب لأجل النظر الى اليقين السابق والشك اللاحق وقوة احتمال اليقين السابق فيكون هذا بالنسبة اليه امارة فتكون مثبتاته حجة، وان كان في مقام جعل قاعدة كلية والنظر الى مجموع اليقين السابق والشك اللاحق فيكون بحسب القاعدة قاعدة كلية وان لم يلاحظ هذا ولا تلك فيكون حكم شرعي طريقي ظاهري فالنظر حينئذ يختلف فان كان نظر المولى الى احاد اليقين فتكون امارة ومثبتاتها حجة وان كان النطر الى المجموع وقاعدة عامة فتكون مسألة اصولية وان كان النظر الى حكم تكليفي واحد فيكون حكم تكليفي ظاهري شرعي
فما ذكره السيد الصدر في اصل الثبوت صحيح ولكن في مرحلة الاثبات لابد من الرجوع الى ادلة الاستصحاب حتى نستفيد واحدة من هذه الاحتمالات التي ذكرها، ومن جميع ذلك نستفيد ان ما ذكره بعض الاعلام في توجيه الحكم في الاستصحاب غير سديد .


[1] كامل الزيارات، ابن قولويه القمي، ج1، ص195.