الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/11/19

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قاعدة لا ضرر
كان الكلام في تقديم قاعدة لا ضرر على الاحكام الاولية وادلتها الا انه قلنا ان تقديم قاعدة لا ضرر على الاحكام الاولية تعتبر قاعدة ايضا الا انها ورد عليها تخصيصات كما في سائر القواعد وقد ذكروا لذلك ثلاثة موارد :-
المورد الاول : تقديم قاعدة السلطنة على قاعدة لا ضرر فلو تعارضتا تتقدم قاعدة السلطنة على قاعدة لا ضرر
الموارد الثاني : قاعدة لا حرج ايضا تتقدم على قاعدة لا ضرر
المورد الثالث : اذا تعارض الضرر بمثله فانه تقدم قاعدة لا ضرر على نفسها
والكلام في هذه الموارد يقع في مواقع ثلاثة :-
الموقع الاول : قاعدة السلطنة تقديمها على قاعدة لا ضرر الكلام فيه يقع من جهتين :-
الجهة الاولى : البحث عن قاعدة السلطنة وتقديمها على القواعد مع قطع النظر هل ان قاعدة السلطنة تتقدم على جميع القواعد او لا فقد ذكروا ان القاعدة مقدمة ومسلطة ان الانسان مسلط على ماله فيجوز له التصرف وان اضر بالأخر وقد ذكر لذلك رأيين احدهما رأي الشيخ الانصاري (رحمه الله) حيث قال الاوفق بالقواعد تقديم قاعدة السلطنة ولا ملاحظة ان هناك ضرر او ليس الضرر شديد او خفيف فلا اشكال في تقديم قاعدة السلطنة وقد ذكروا قاعدة لذلك ذكرناها واجبنا عليها والمحصل لذلك ان قاعدة السلطة قاعدة عقلائية ممضاة من قبل الشرع بقولهم عليهم السلام الناس مسلطون على اموالهم، فلو فرضنا ان هذا الحديث مورد النقاش سندا فيكفي عدم الردع في القاعدة العقلائية انها ممضاة من قبل الشرع كما هو دئب العقلاء، وهذه القاعدة العقلائية الممضاة شرعا لها من الاطلاق ما يشمل جميع الحالات حتى لو كان هناك ضرر يستلزم من السلطنة ان يتصرف المالك بملكه بالنسبة الى الغير وكذلك له من العموم ما يشمل جميع الافراد ايضا كل من ملك فيتصرف بماله بما يشاء ولكن هذه القاعدة خصصت ايضا بسيرة عقلائية ممضاة من قبل الشارع الاقدس ايضا فاذا تضرر شخص اخر بتصرف المالك في ملكه ضررا معتدا به عند العقلاء فالعقلاء يحكمون بعدم وجود قاعدة السلطنة .
الجهة الثانية : ملاحظة قاعدة السلطنة مع قاعدة لا ضرر فان تلك الجهة مع قطع النظر عن قاعدة لا ضرر الا نلاحظ قاعدة السلطنة مع قاعدة لا ضرر فهل هناك تعارض بين قاعدة لا ضرر وقاعدة السلطنة فقد تمسكوا بان قاعدة لا ضرر تتقدم على قاعدة السلطنة وتمسكوا لذلك بوجهين :-
الوجه الاول : امتنانية قاعدة لا ضرر وارفاقيتها لما عرفتم من ان الشارع الاقدس جعل قاعدة لا ضرر امتنان على العباد فاذا تعارضت مع قاعدة السلطنة لكون قاعدة لا ضرر امتنانية إرفاقيه تتقدم على قاعدة السلطنة
ويجاب عن هذا اولا بما تقدم كرارا بان امتنانية قاعدة لا ضرر وارفاقيتها ليست علة تامة بل هي حكمة وقدي يوجد في بعض الموارد من دون امتنان مع ذلك تتقدم قاعدة لا ضرر كما سيأتي، ثانيا على فرض كون القاعدة امتنانيه ارفاقيه هذا بالنسبة الى نفس الذي تجري بحقه نفس القاعدة فلو حفر المالك بئر في داره يتضرر الجار منه قاعدة لا ضرر تجري في حق من تجري فيه الامتنانيه وليس الغير لابد ان يكون امتنانيه فيه فحينئذ هذا الوجه غير تام .
الوجه الثاني : لو قلنا بأجراء قاعدة السلطنة وتقديمها على قاعدة لا ضرر ان الجار يتضرر بذلك ولو منعنا المالك عن التصرف بملكه ايضا يتضرر فيقع التعارض بينهما وهو من تعرض الضررين وسيأتي بيانه .
والمحصل من ذلك ان قاعدة السلطنة تجري بالنسبة الى المالك في ملكه ولا يمنعه شيء اذ ان قاعدة السلطنة كما تثبت للمالك استيفاء حقه من ملكه تثبت له حجر الغير من مزاحمته فان لقاعدة السلطنة لها من العموم ما يشمل جميع الافراد لكنها مقيدة بسيرة العقلاء جعلت قاعدة السلطنة في مورد اذا لم يستلزم من اجرائها ضرر بالنسبة للأخرين وان استلزم الضرر فقاعدة لا ضرر تتقدم وهذا ما عليه فتوى مشهور الفقهاء ولعل دليلهم ارتكازاتهم التي تقول بان قاعدة السلطنة مقيدة بهذه السيرة .
الموقع الثاني : في تعارض الضرر بمثله اذا اجرينا قاعدة الضرر في مورد يتعارض مع ضرر اخر فهل نقدم احدهما على الاخر او انه لا يسقطان ونرجع الى القواعد الاولية فان الكلام يقع من ناحيتين :-
الناحية الاول : ذكر صور تعارض الضرر فليس كل مورد هو من تعارض الضرر :-
الصورة الاولى : تعارض الضررين بالنسبة الى شخص واحر كما اذا اكرهه شخص ان تجعل الضرر على زيد اما بهذا الضرر او هذا الضرر فالضرر متوجه لزيد وهذا الشخص مكره على ايقاع الضرر بزيد
الصورة الثانية : نفس الاولى بالنسبة الى شخص واحد من حيث التحمل فانه اكرهه على ايقاع الضرر بزيد اما انه هو يتحمل او غيره يتحمل وحكم هتان الصورتان واحد وهو جواز الاضرار بالغير لانه مكره ولابد ان نقيد هذا بعدم الدم لان الكل متفقون انما شرعت التقية لحقن الدماء فاذا بلغت الدم فلا تقية وهذا هو مشهور الفقهاء الا السيد الخوئي (قده) خالف
وحكم هاتين الصورتين اذا كان تفاوت ين الضررين من حيث الشدة والخفيف فيقدم الخفيف واذا تساويا فالحكم هو التخيير وهو حكم وجداني ولا يحتاج الى اقامة دليل، هذا في ما لم يجب على المكره تحمل الحكم والا لو قلنا بوجوب تحمل الضرر ودفعه عن الغير فيكون الحكم تحمل الضرر بنفسه ويدفعه عن الغير لكنه خلاف المشهور بين الفقهاء .
الصورة الثالثة : الاكراه على الاضرار اما بزيد او بعمر فلا يوجد عندنا تجيح احدهما على الاخر الا اذا كانت عندنا مرجحات خارجيه من ايمان وغيره والا يحكم العقل بالتخيير
الصورة الرابعة : دوران الامر بين الأضرار بنفسه او بغيره وكان الضرر متوجه الى نفسه فيقول له اما ان تعطين كذا مقدار من المال فهو ضرر الى نفسه او من غيرك فهل يجوز له اخذ المال من الغير ودفعه عن النفس فالفقهاء يقولون اذا كان الضرر متوجه الى النفس فلا يجوز له الاضرار بالغير .
الصورة الخامسة : دوران الامر بين الاضرار بنفسه او بغيره وكان الضرر متوجه الى الغير كما اذا قال له اعطني الف دينار من زيد ولكن وجه الخطاب حتى ولو كان من عندك فعندئذ له ان يعطي ويدفع الضرر عن الغير .
الصورة السادسة : ان يكون الضرر متوجه الى نفسه ولو صرفه الى غيره لم يتضرر ففي هذه الصورة لا يجوز تحميل الغير هذا الضرر .
الصورة السابعة : ان يكون الضرر بالنسبة اليه والى غيره على حد سواء كما لو حفر بئر في داره يتضرر الغير به ولو منعناه يتضرر هو بنفسه فيكون الضرر في عرض واحد وهذا هو مورد بحثنا وبقية الصور مذكورة في الكتب الفقهية .