الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/11/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قاعدة لا ضرر
ذكرنا ان قاعدة لا ضرر انما تتقدم على الاحكام الاولية وتقدمها انما يكون على نحو العزيمة لا على نحو الرخصة بمعنى ان هذه القاعدة تسقط الخطاب والملاك في ذلك المورد فلا خطاب ولا ملاك في المورد الذي يكون فيه الضرر، بخلاف قاعدة نفي الحرج فقد قال الاصوليون ان السقوط كون على نحو الرخصة لا على نحو العزيمة فلا يلاحظ في مورد الضرر ان هناك ملاك حتى يتعارض مع ملاك اخر ويكون من التزاحم فنرجع الى ما هو الاهم منهما فليس الامر كذلك فان قاعدة لا ضرر تسقط الخطاب والملاك فلا ملاك حتى يتزاحم مع الاخر فيقدم احدهما على الاخر ويلاحظ فيهما الاهمية فلو كان في مورد يكون الوضوء ضرري بالنسبة للمكلف فيسقط الخطاب والملاك فلو توضأ بطل وضوئه فلا خطاب ولا ملاك بخلاف ما اذا كان الوضوء حرجي بالنسبة اليه فانه لو توضأ فلا يقولون بالملاك اذ انه باقي ولو سقط الخطاب هذا في صورة العلم والعمد فلو توضأ بان هناك ضرر عالما به وعامدا، اما في صورة الجهل والنسيان فقد ذكرنا سبقا ما يتعلق به على نحو الاجمال والتفصيل موجود في الفقه .
ثم ذكر السيد الوالد (رحمه الله) من لطيف المعارضة في المقام ان الاحكام بناء على كونها ضرريه فان بعض الفقهاء يذهب الى ان كل الاحكام كلفة ومشقة على الانسان وهي فيها ضرر وحتى لو لم يكن الجميع فلا اشكال في ان بعضها ضرر مثل الجهاد ومثل الزكاة وامثال ذلك ضرر فقالوا بناء على ان الاحكام ضرريه تتقدم على القاعدة تقدمها على نحو التخصص لا تخصيص ولكن لو زاد ما عليه من الاحكام على الضرر فتتقدم تلك الاحكام في ذلك الضرر الزائد فلو اراد ان يتوضأ بان يشتري الماء بالمال فلو اراد المال الزائد بالنسبة له فيسقط الحكم لان قاعدة الضرر تتقدم عليه فالأحكام بناء على كونها ضرريه فهي متقدمة على القاعدة تخصصا واذا زاد ضررها تتقدم القاعدة عليها حكومة او تخصيصا .
ثم قالوا ان هذه القاعدة التي قلنا ان قاعدة لا ضرر تتقدم على الاحكام الالهية تقدم تخصيص او تقدم حكومة وغير ذلك هذه القاعدة خصصت بموارد منها ما اذا اجنب نفسه عمدا وكان الماء ضرري بالنسبة له وجب الغسل ولو تضرر لخبر من الاخبار هذه المسألة مذكورة في بحث التيمم .
المورد الثاني : ان قاعدة لا ضرر تتعارض مع قاعدة السلطنة في بعض الموارد فتتقدم قاعدة السلطنة على قاعدة لا ضرر كما انها تتقدم في مورد الضرر بالأخرين فلو تضرر احد من هذا الشخص واذا لم يعمل يتضرر الانسان فاذا تضرر فهل القاعدة تتقدم ؟ ومورد ثالث في موارد العسر والحرج هل تتقدم قاعدة نفي العسر والحرج تتقدم على قاعدة لا ضرر او ان القاعدة متقدمة عليها وتفصيل الكلام في كل واحد من هذه الموارد يقع في مقامات :-
المقام الاول : تقديم قاعدة السلطنة على قاعدة الضرر اذا تعارضتا فذهب جمع الى انه اذا تعارضت قاعدة السلطنة مع قاعدة لا ضرر تتقدم قاعدة السلطنة على قاعدة لا ضرر ويضربون مثال لذلك فيما اذا اراد الانسان ان يحفر بئر في ملكه لكن يتضرر الجار فهل قاعدة السلطة تتقدم على قاعدة لا ضرر فيحفر البئر ولو تضرر الجار او ان قاعدة لا ضرر هنا تتقدم ولا يجوز له حفر البئر في داره ، فقد ذهب جمع من الاصوليين بل الفقهاء الى تقديم قاعدة السلطنة على قاعدة لا ضرر فيجوز له ان يحفر في داره ولو تضرر الجار به
وذكر الشيخ الانصاري (رحمه الله) في المقام : الاوفق بالقواعد تقديم قاعدة السلطنة على قاعدة لا ضرر لان الناس مسلطون على اموالهم فلو منعنا المالك من التصرف في ملكه فسوف يتضرر بذلك ولا معنا لذلك ولا فرق بين ان يكون ضرر المالك لو منع اشد من ضرر الغير او اقل منه فان الاوفق بالقواعد هو تقديم المالك لقاعدة السلطة، ونوقش هذا المقام بوجوه :-
الوجه الاول : ان قاعدة السلطنة معارضة بقاعدة السلطنة مع الجار ايضا فان هذا الشخص مسلط بان يحفر بئر في داره ولكن الجار له سلطنة ان يدفع الضرر عن نفسه فتتعارض هذه القاعدة مع قاعدة السلطنة في الاخر
اشكل على هذا الوجه بان قاعدة لا ضرر لم تثبت بدليل لفظي معتبر فان الحديث المعروف بان الناس مسلطون على اموالهم فهو حديث معروف ولكن لم يكن مسنود بسند صحيح الى المعصوم لنثبت السلطنة للمالك وان تضرر الغير بل ثبتت هذه القاعدة بحكم العقلاء وسيرتهم الممضاة شرعا فسكوت الشاعر عن هذه القاعدة كافي ولا نحتاج في القواعد العقلائية امضاء من الشرع انما سكوته عنها امضاء ومن تلك القواعد قاعدة السلطة فاغلب القواعد في المعاملات هي من هذا القبيل فكيف فيما اذا ورد دليل يمضيه فان قاعدة السلطة لم تثبت بدليل حتى نتمسك باطلاق ذلك الدليل وانما ثبتت بسيرة العقلاء وحكمهم الممضى من قبل الشرع فهذا دليل لبي وهو يؤخذ بالقدر المتيقن منه اذا شككنا به والقدر المتيقن منه هو ان لا يستلزم من تصرفه في ماله الضرر بالأخرين .
الوجه الثاني : ان هذه القاعدة لم تثبت باطلاق معتبر في البين كما ذكرنا فاذا لم يثبت باطلاق معتبر لفظي فلابد ان نرجع الى الدليل الذي يدل عليه وهي سيرة العقلاء انه اذا تضرر الغير بالسلطنة في ملكه فلابد ان لا يتصرف في ملكه اذ ان القاعدة لا تشمل ذلك المورد .
الوجه الثالث : ان هذه القاعدة صحيح سلطنة ثبتت اما بسيرة عقلائية او بحكم العقلاء او بدليل شرعي لو فرض وجود دليل شرعي له اطلاق في هذا الامر انما يثبت هذا الاطلاق هو جواز التصرف في ملكه بكل التصرفات تكوينيه او انشائية وهذا له اطلاق اما ان هذه القاعدة تثبت منعا للطرف الاخر فلا نستفيد ذلك من القاعدة فان القاعدة تقول ان الانسان المالك له الحرية في التصرف في ملكه ولكن هل هذه القاعدة تثبت الحجر ايضا ؟ فلا تثبت بهذه القاعدة وما ذكروه الفقهاء بان قاعدة السلطة كما تثبت حق التصرف في ملكه تثبت حق المنع والحجر في ذلك الامر فالقاعدة ليس كذلك بل انها تثبت ان الانسان حر في تصرفه اما انك تحجر الاخرين عن التصرف فلا يثبت ذلك من قاعدة السلطنة .
ولكن الحق ان قاعدة السلطنة ثبتت بحكم العقلاء وسيرتهم الممضاة من الشارع الاقدس، وهذا الحكم له من الاطلاق ما يشمل جميع الاحوال حتى لو تضرر اخر من هذا التصرف وله من العموم ما يشمل جميع الافراد، الا ان العقلاء انفسهم حكموا في هذا المورد ان التصرف الملكي اذا استلزم الضرر على الغير فلا يجوز فهنا حكم اخر مقابل هذا الحكم الذي له اطلاق فحينئذ هذا الحكم مقيد بذلك فلا يجوز للمالك ان يتصرف في ملكه بما يستلزم الضرر على الاخرين اذا كان الضرر معتد به اما اذا كان الضرر قليل فان قاعدة السلطنة هي المحكمة لعل فتوى الفقهاء وكونها مشهورة عندهم انهم منعوا ان يكون تصرف المالك في ملكه مستلزم للضرر على الاخرين منشأه هذا الارتكاز العقلائي وهذا كله بحسب القاعدة نفسها مع قطع النظر عن قاعدة لا ضرر فهل يثبت ذكرنا انه يثبت مقيدا بان لا يستلزم الضرر على الاخرين لكن الكلام في ما اذا اتت هذه القاعدة مع قاعدة لا ضرر هل هناك تعارض حتى تتقدم او ليس فيه تعارض ؟