الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/11/06

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قاعدة لا ضرر
كان الكلام في ما ذكره المحقق العراقي (قده) حيث انه اشكل  على التطبيقات التي طبقوها الفقهاء في كثير من الموارد الفقهية وقد قلنا ان قاعدة لا ضرر من القواعد العامة التي لا تختص بباب دون باب فانه يتمسك بها في جميع موارد الفقه الا ان المحقق العراقي استشكل في تطبيقها وقال ان استدلال الفقهاء بقاعدة لا ضرر في هذه الموارد ليس على نحو الدليلية بل انه اشارة الى قواعد اخرى وصل اليها الفقهاء بمرتكزاتهم العقلائية او المتشرعية فتمسكوا بتلك القواعد وتكون قاعدة لا ضرر كاشفة عن تلك القواعد الدليل على ذلك ان نتيجة هذه المسائل اما انها اوسع من قاعدة لا ضرر او اضيق ولا ريب ولا اشكال ان الدليل لابد ان يكون متساوي مع النتيجة اما اذا كان بينهم تفاوت فلا يكون دليل منحصر
ثم ذكر امثلة في المقام كالوضوء الضرري حيث حكم الفقهاء بسقوطه وهذا الحكم معتمد على قاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي وتغليب جانب النهي على الامر ولذلك قالوا بالسقوط وعدم صحة هذا الوضوء الضرري وقاعدة لا ضرر انما تنفي الوجوب فقط ويبقى الملاك على حاله فاذا اتى المكلف بالوضوء الضرري بداعي الملاك فلابد ان نقول بالصحة لولا النهي والحرمة الذي استفدناه من قاعدة اجتماع الامر والنهي وتغليب جانب النهي فلذلك صار هذا الوضوء الضرري حرام
ولكن اورد عليه السيد الصدر (قده) وغيره اولا ان الفقهاء تمسكوا بقاعدة لا ضرر وبقاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي فان قاعدة لا ضرر تدل على حرمة الاضرار بالنفس فيكون هذا الوضوء حرام منضما الى قاعدة اجتماع الامر والنهي وتغليب جانب النهي
ويرد عليه ان هذا تبعيد للمسافحة ولا حاجة بان نقول اذا كان دليل مستقلا وقاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي دليل اخر مستقل فيمكن لمورد واحد ان يكون له ادلة واحدة اما كلاهما يكون جزء الدليل فيكون تبعيد للمسافحة فإننا اذا اثبتنا حرمة الاضرار بالنفس بقاعدة لا ضرر فيحرم هذا الوضوء حينئذ فلا نحتاج لقاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي
الاشكال الثاني : ما ذكره السيد الصدر (قده) انه لا يمكن القول ببقاء الملاك تيان الوضوء بداعي ذلك الملاك لان بقائه مبني على احد امرين اما انفكاك الدلالة الالتزامية عن الدلالة المطابقية بحيث لا تتبع الدلالة الالتزامية الدلالة المطابقية فيسقط الخطاب ولا تسقط الدلالة الالتزامية وتبقى على حجيتها وهي دلالة على ان وراء هذا الحكم ملاك فهو باقي على حاله، واما اطلاق المادة فان الهيئة سقطة في المقام ولكن اطلاق المادة موجود فنتمسك به لإثبات الملاك
ولكن كلا الامرين غير صحيح لا ان الدلالة المطابقية تختلف عن الدلالة الالتزامية بل هما متفقان في الحجية فاذا سقطة الدلالة المطابقية تسقط الدلالة الالتزامية ولا اطلاق للمادة حتى نتمسك به، وذكرنا في ما سبق ان الملاك يتبع الدليل الذي يدل على ذلك الحكم فان بقائه وعدمه يعتمد على ما نستفيده من الخطاب فان الملاك والخطاب متفقان حدوثا وبقائا فاذا سقط الخطاب يسقط الملاك ايضا اما اذا لم نستفد ذلك او شككنا به فاستصحاب الملاك باقي على حاله يمكن ان يأتي بداعي ذلك الملاك ولا اشكال فيه ولذلك حكم جمع من الفقهاء في هذه المسألة بالصحة، اما من حيث الفقه انه يمكن القول بصحة الوضوء الضرري وان فعل محرم .
التوضيح الثاني : اذا توضئ انسان وكان جاهل بالضرر فان الفقهاء حكموا بصحة وضوئه وليس دليلهم في ما اذا كان عالما بالضرر الا قاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي فانه هناك حكموا ببطلان الوضوء لآجل هذه القاعدة اما اذا كان جاهلا بالضرر فان هذه القاعدة لا تشمله، اما اذا كان دليلهم قاعدة لا ضرر فانها تنفي الوجوب حقيقتا فاذا كانت كذلك فلا وجوب في هذا المورد فيبطل وضوئه حتى في صورة الجهل
ولكن قاعدة لا ضرر انما تشمل فيما اذا كان منة وتسهيل اما اذا لم يكن منة وتسهيل فلا تشمله وان ان المقام فانه كان جاهل بالضرر وتوضئ فما فائدة القول بان القاعدة تشمله فحينئذ لا طريق الا القول بعدم شموله للقاعدة ولعل ارتكاز هذا في اذهان الفقهاء فحكموا بصحة هذا الوضوء ولا ربط لقاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي وفيه تأمل يأتي في محله
التوضيح الثالث : ما ذكره ايضا في ما اذا كان عالم بالضرر وجاهل بالوجوب فلو كان المكلف يعلم ان هذا الماء فيه ضرر عليه ويجهل وجوب الوضوء عليه فاذا قلنا ان قاعدة لا ضرر هي الدليل فلابد ان نقول بصحة وضوئه في المقام مع ان الفقهاء يقولون ببطلان الوضوء في هذا المورد وليس دليلهم الا قاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي اذ ان الضرر حاصل فلا ريب في ان القاعدة تشمله
الا ان السيد الصدر ايضا استشكل عليه بمثل ما استشكل عليه في القسم الاول من انه لا مانع عندهم ان هنا دليلان قاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي وقاعدة لا ضرر فتمسكوا بهاتين القاعدتين منضمة واحدة الى الاخرى وحكموا ببطلان هذا الوضوء الضرري، ولكن الاشكال عليه نفس السابق
اولا : لو كانت دلالة قاعدة لا ضرر تامة في اثبات حرمة الاضرار بالنفس فاذا ثبت ان هذا الماء ضرر على النفس وتوضئ به فيبطل من هذه الناحية، اما اذا قلنا انه ليس بضرر فالقاعدة لا تشمله فان لم تكفي هذه القاعدة فتجري قاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي
ثانيا : ان هذا الشخص جاهل بالوجوب فلا يمكن تعلق الخطاب به اما لكونه غير معقول كما ذكره المحقق الاصفهاني حيث انه قال لا يمكن توجيه الخطاب للشخص الجاهل او انه منافي للعرف كما ذكره بعض الفقهاء لا ربط له بقاعدة امتناع اجتماع الامر والنهي، ولكن يأتي الكلام السابق من انه لو لم يمكن خطابه في صورة الجهل لكن الملاك باقي على حاله فإنما نستفيد الملاك من ظاهر ذلك الحكم فاذا كان باقي واتى المكلف بالوضوء برجاء درك الملاك صح هذا الوضوء
المثال الثاني : في باب المعاملات حيث ان الفقهاء في بعض الخيارات اثبتوا بعضها بقاعدة نفي الضرر كخيار العيب وخيار الغبن وخيار تبعض الصفقة فان قاعدة نفي الضرر تثبت الخيار للشخص الذي يوجد عنده المتاع المعيب او اذا كان مغبون او اذا كانت الصفقة متبعض عنده
ولكن استشكل المحقق العراقي (رحمه الله) اولا ان لا ضرر لا يكون الا بمنزلة التعليل بعد الوقوع وليس هو دليل فان تبعض الصفقة لا يستلزم الضرر على المشتري ولكن يستلزم خلاف المطلوب والغرض، وثانيا ان الفقهاء انما يثبتون هنا خيار مع ان في قاعدة لا ضرر نثبت اللزوم فان في الخيار احكام خاصة منها الاسقاط ومنها الارث فهي حقوق فاذا اردنا ان نثبت بقاعدة لا ضرر انما نريد اثبات رفع اللزوم فيستفاد من هذين الامرين ليس بنحو الدليلية بل هو اشارة الى قاعدة اخرى وهذا يحتاج الى تفصيل الكلام في هذه الخيارات الثلاثة فهل فيها ضرر حتى نثبت بقاعدة لا ضرر خيار .