الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/08/10

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قاعدة لا ضرر
كان الكلام في الاشكال المعروف على حديث لا ضرر بعد اقتناص نفي الحكم الضرري منه، وقد اشكلوا عليه بان العمل به مع وجود احكام كثيرة فقهية ضرريه يستلزم تخصيص الاكثر وهو مستهجن ومرفوض في المحاورات العرفية، هذا ما تقدم وقد اجيب عن ذلك بوجوه تقدم ذكر بعضها ومنها ما ذكره الشيخ الانصاري رحمه الله من انه ليس المناط في المقام افراد الاحكام وانما نوع الحكم وانواع الاحكام وان هناك في الفقه انواع مختلفة وابواب متفرقة فكل نوع يلاحظ ما فيه من الضرر ويلاحظ النوع في هذه الافراد ولم تلاحظ الافراد الخارجية حتى يقول انه من التخصيص المستهجن .
اجاب المحقق الخراساني رحمه الله بان النوع لم يكن له وجود خارجي حتى يتعلق التكليف به وانما الافراد الخارجية اذا تعلق بها التكليف فالنوع طريق الى الافراد الخارجية فاذا قلت ان هذا العام خصص بها النوع فان النوع طريق الى الافراد فكأنما خصصته بالأفراد الخارجية فحينئذ عاد الاشكال فهو تخصيص مستهجن، الا في مورد واحد وهو ان يكون بنفسه عام خصص بنوع وان كانت الافراد كثيرة ولكن العام نوع وخصص بنوع او نوعين فلا يسمى من التخصيص الاكثر فكلام الشيخ الانصاري صحيح فيما اذا كان العام نوعا واما اذا كان العام ليس نوعا فالاشكال ان تخصيص العام بالنوع فان النوع طريق الى الافراد الخارجية فاستلزم منه تخصيص الاكثر
ولكن يمكن الجواب عن هذا الاشكال انه لا معنى له اولا لعل الشيخ اراد من العام هو نوع وخصص بالأنواع وان حديث لا ضرر ولا ضرار في الاسلام نوع الضرر منفي فيه الا نوع الضرر  الحاصل في نوع المال والضرر الحاصل في نوع النفس والضرر الحاصل في نوع العرض فخصص هذا العام بهذه الانواع ولم يستلزم منه التخصيص بالاكثر، وان قلت ان النوع طريق الى الافراد ولا وجود له في الخارج حتى يتعلق به تكليف فاذا كان منظور اليه فإنما هو طريق الى الافراد الخارجية فيعود الاشكال وهو استلزام التخصيص بالاكثر
نقول في الجواب عنه انه ليس المراد من النوع المنطقي الذي لا وجود له في الخارج بل المراد النوع الطبيعي الذي وجوده عين وجود الافراد فان هذا النوع الطبيعي هو الذي خصص هذا العام بعد ان كان العام نوعا في حد نفسه، ويمكن الجواب عنه ايضا بانه لا كلام الشيخ الانصاري صحيح ولا كلام المحقق الخراساني فانه اذا اريد منه الافراد الخارجية فالاشكال باقي على حاله وان اريد به النوع الطبيعي والمفروض ان النوع الطبيعي هو عين الافراد الخارجية فلا فرق بين ان يكون التخصيص بالنوع اذا كان طريق الى الافراد الخارجية او يكون التخصيص بغير النوع أي بالأفراد الخارجية فانه على كلتا الحالتين يستلزم التخصيص بالاكثر
والصحيح ان الاحكام الشريعة بل الشريعة كلها المشتملة على العبادات وغيرها بملاحظة مناسبة الحكم والموضوع هي لا ضرر فيها ابدا انما سنها الله تبارك وتعالى لتحقيق العدالة الاجتماعية وتنظيم حياة الناس وايصال كل ذي حق حقه والغاية القصوى هي الفوز بالسعادة المطلقة ابدا، هذه الغاية لابد ان يكون فيها شروط وتحديد للحريات فاذا لا يوجد شروط  فيها لا يمكن الوصول لهذه الاغراض فمثلا اذا لم يكن حكما ينظم امور الناس فكيف يخذ صاحب الحق حقه وكيف يأخذ اولياء الدم حقهم وهكذا فلابد ان تكون في كل شريعة حدود وقيود في نظر المشرع لا يوجد ضرر فيها ولكن بنظر الناس يكون ضرر ولكن نظر الناس لا دخل له في اصل سن الشرائع وحتى وان حصل الضرر من بعض الاحكام الشرعية فانه ليس من اصلها بل انما هو من جوانب خارجية فلا يمكن تصوير الضرر من الاحكام والشريعة بمجموعها حتى تصل النوبة الى انه تخصيص للأكثر حينئذ لا حاجة الى مقالة الشيخ الانصاري من جعل الاحكام نوعا حتى لا يستلزم تخصيص الاكثر فلا فائدة فيه، كما لا حاجة الى ما ذكره المحقق الخراساني في الرد على الشيخ الانصاري كذلك لا حاجة الى ما ذكره المحقق الخراساني في المقام من ان حديث لا ضرر انما يكون مانعا لا الى ان الشريعة بنفسها مقتضي للضرر، فان هذا ايضا مردود بان المصالح والاغراض هي المقتضي للحكم فلا فائدة لهذا التفصيل، كما لا حاجة الى ما ذكره المحقق النائيني رحمه الله من ان حديث لا ضرر بالنسبة الى الاحكام الاولية حاكم عليها من جهة النظر الى الاحكام فلابد ان نفرض حكما حتى نفرض ان حديث لا ضرر ناظر اليه فاذا كان حديث لا ضرر ينفي الضرر انما ينفي اطلاق الحكم وليس اصل الحكم الثابت والشريعة، وهذا الجواب ايضا غير صحيح فان حديث لا ضرر انما اقتنصنا منه نفي الحكم الموجب للضرر سواء كان ثابت في ذلك او حاصل من الاطلاق .
ثم انهم اختلفوا في بيان هذه الاحكام في ان الصدقات المفروضة في الاسلام هل هي ضرريه وهل القصاص في ضرر وهل الديات فيها ضرر ونحو ذلك فاردوا توجيه ذلك، واستشكل احدهم على الاخر وذكروا وجوه لا تخلوا من النقض والابرام وكلها راجع الى الفرض والتقدير ولم يرد نص شرعي حتى نستفيد منه ذلك، والحق ما ذكرناه من ان الشريعة انما هي لأجل ايصال الانسان الى الكمال المنشود له وما نقوله من ان وراء الاحكام الشرعية مصالح ومفاسد هذا بالنظر السطحي واما بنظر الشارع ايصال الانسان الى الكمال وتنظيم العلاقات بين الافراد وتحقيق العدالة الاجتماعية والفوز بالسعادة في الدارين، وهذا كل ما يتعلق بالإشكال الاول .
الاشكال الثاني : ان حديث لا ضرر ورد في روايات المقام في بيع الشريك حصته واثبات الشفعة للشريك الا ان بيع الشريك لحصته لا يستلزم الضرر الا بنحو يكون بيعه يكون من المقدمات الاعدادية وليس مطلقا يعني لو باع الشريك حصته الى شخص يريد اضرار الشريك الاول فهنا يثبت حق الشفعة وهذا من المقدمات الاعدادية وحديث لا ضرر لا يشمله فكيف نطبق هذا الحديث على هذا المورد 
واجيب تارة بان هذا انما هو من ذكر رواية في رواية وليس ذكر المروي وليس انه قول الرسول حتى يكون من المروي وقالوا ان بيع الضرر لم يكن من العلة بل من الحكمة وهي غير مضطردة دائما لكن العلة التي تكون مضطردة ويدور الحكم مدارها فربما يوما يثبت للشريك حق الشفعة وربما لا يكون ضرر فلا تثبت، وقيل بان الضرر ليس من قبيل العلة بل ان الضرر فرع حق الشفعة بمعنى ان الشريك يثبت له الحق بمجرد بيع الشريك لحصته وهو لدفع الضرر الحاصل من الشريك الجديد وليس انه علة .