الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/08/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : معنى قاعدة لا ضرر
كان الكلام فيما ذكره بعض المعاصرين من ان حديث لا ضرر ليس حكما تشريعيا انما هو حكم صادر عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم كسلطان وحاكم لحفظ النظام ليس اكثر من ذلك فان قضية سمرة بقرائنها تدل على ذلك وليس هنا حكم مختلف عليه او مجهول بين سمرة والانصاري حتى يكون تشريعا ولا هو نزاع في موضوع معين حتى يكون قضاء انما هناك تمرد وقاهر ومقهور فالنبي صلى الله عليه واله وسلم بدوره الحاكم والولي للمسلمين حكم بقلع الشجرة لرفع الظلم والتمرد واستشهد على ذلك بإمرين :-
الاول : ان هذه القضية التي وردت في الاخبار المتقدمة ورد فها قضى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في قضية سمرة التي تقدم ذكرها فان كلمة القضاء لم تستعمل في مورد التشريع انما تستعمل في مورد تصدر من شخص كحاكم ومتولي يريد ان يفصل الامور ويثبت حكما في موضوع
الثاني : رواية عبادة ابن الصامت التي اشتملت على اقضية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم منها قول (وقضى رسول الله صلى الله عليه واله بين اهل البادية ان لا يمنعوا فضل ماء ليمنعوا به فضل كلاء)[1] وغيرها من الاقضية التي صدرت لأجل كونه حاكم ومتولي لإمر المسلمين يريد ان ينظم شؤون المجتمع وان لا يقع حيف من احد على احد فيكون ضرر فاستعمل الرسول دوره كحاكم وولي يريد ان يثبت هذه الحقوق عند المسلمين
ومن جميع ذلك استفاد ان حديث لا ضرر لم يكن في مقام بيان تشريع حكم حتى يكون حاكما على ادلة الاحكام الاولية فلو قسنا هذا الدليل مع الادلة الاولية يكون حاكم عليها فلذلك صدر منه هذا باعتبار انه حاكم على الامة الاسلامية في حياته ومماته صلى الله عليه واله وسلم ولم تصدر لشخص معين حتى تنحصر عليه فهو حكم لتنظيم المجتمع الاسلامي لا يفرق بين ان يكون في الحيات او بعد الممات فلا نستفيد من حديث لا ضرر انه قضية شرع وتشريع حتى يقاس مع الادلة الاخرى التي تثبت احكام شرعية حتى يكون حاكما عليها .
لكن يمكن الجواب عن هذا الوجه بانه لا ريب ولا اشكال في انه اجتمعت في شخص الرسول الكريم صلى الله عليه واله وسلم جميع هذه المناصب التي ذكرناها بل جمع شخصه الكريم من الكمالات حتى صار قاب قوسين او ادنى وانه مظهر لصفات الباري تعالى فلو اردت ان تجسم صفات الباري لكانت متجسدة بشخصية النبي صلى الله عليه واله وسلم، كما انه لا ريب في ان الرسول استعمل دوره في كل واحد من هذه المناصب ولا ريب ولا اشكال في ان الرسول يختلف عن سائر الانبياء والمرسلين انه شكل حكومة فان الانبياء السابقين لم يكونوا مأمورين بقتال المشركين ولا اقامة حكومة لكن الرسول صلى الله عليه واله وسلم شكل حكومة اسسها وارسى دعائمها لتبقى الى يوم القيامة ولا خلاف بهذا بين احد من المسلمين، الا ان النزاع في هذا اننا نريد ان نقيس شخص الرسول صلى الله عليه واله وسلم على غيره ممن يتولى الامر ويكون حاكما فان الرسول وحدة واحدة جامع لهذه المناصب فهو حين كونه نبي ومشرع وقاضي ومتولي وحاكم فعله تشريع وحكم وقوله تشريع وحكم وهذا لا اختلاف فيه حتى نفرق بين الادوار فلما يقول تجب الصلاة فهو حكم تشريع وهو قضاء منه وتنفيذ لانه جامع للسلطات الثلاثة بالاصطلاح الحديث السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ولذلك يأتي ويقول في من يترك صلاة الجمعة ثلاثة مرات لأحرقن بيته فهو قضاء منه مع انه تشريع وليس قضاء فيمكن استعمال لفظ القضاء مثل قضى رسول الله بحرمة شرب الخمر او قضى رسول الله ان لا يمنع فضل ماء فلا فرق في استعمال القضاء في تشريعاته المقدسة حتى تقول ان الرسول استعمل القضاء بدوره كحاكم والقضاء يستعمل في كل ما يشرعه صلى الله عليه واله وسلم، انما قساس البعض الرسول على المتسلطين على الحكم فارد ان يثبت ما عند هؤلاء عند الرسول فقال ان هناك سلطات ثلاث لا ربط لاحدها بالأخرى كل سلطة تأخذ دورها، فليس الامر كذلك في شخصية الرسول وما ذكره هذا المستدل لا يخرج عن قياس شخصية الرسول على سائر المتسلطين فحينئذ افعال الرسول واقواله وقضائه التي هي جهة واحدة وعلى التأبيد وتكون لتنظيم شؤون الامة ولا يوجد في امة الاسلام مجرد تنظيم الواقع العملي ولا تكون عبادات فهي بحد ذاتها تنظيم لامة الاسلام ايضا
نتيجة البحث : انه لا ريب ولا اشكال في ان لحديث لا ضرر ظهور في نفي الضرر خارجا فان ابقينا حديث لا ضرر على ظهوره يستلزم منه اشكال بديهي البطلان فان حديث لا ضرر ولا ضرار في الاسلام ظهوره انه لا ضرر خارج مع ان الضرر واقع في الاسلام فلا ريب ولا اشكال في ان الحديث لو ابقيناه على ظهوره فانه يستلزم هذا الاشكال فلابد ان نرفع اليد عن ظهور هذا الحديث فقد ذكر السيد الصدر رحمه الله ان حديث لا ضرر فيه ظهورات سبعة فاذا بقيت على حالها فعندئذ هذا الاشكال يجري فلابد ان نرفع اليد عن هذه الظهورات والاتجاهات الاربعة التي ذكرنها والاتجاه الخامس الاخير الذي ذكرناه يرفع بعض الظهورات حتى يسلم من هذا الاشكال فكيف نرفع اليد عن هذه الظهورات حتى نجعل للحديث معنى مناسب لدفع هذا الاشكال ؟


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص32، باب ثبوت خيار الغبن للمغبون، ح4، ط ال البيت.