الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قاعدة لا ضرر
بعدما تبين معنى الضرر بالمعنى الواسع الذي ذكرناه ليشمل جميع ما ورد في اللسنة الفقهاء وغيرهم هناك اشكالات لابد من دفعها
الاشكال الاول : ذكر اللغويون معاني متعددة للضرر ولا اشكال في حجية قولهم لانهم اهل خبرة في ذلك الفن وقد تقدم في بحث حجية الظواهر ان كل اهل فن خبرة هم اهل خبرة بفنهم وقولهم حجة في هذا المجال، لكن تقدم البحث ان قول اللغوي بحد نفسه لا يكون حجة الا اذا اوجب الاطمئنان بالمعنى الموضوع له لان اللغويين انما يذكرون موارد استعمال اللفظ وليس المعنى الموضوع للفظ ليكون هناك تميز للمعنى الحقيقي والمعنى المجازي ولذلك غالبا ما يفسرون الالفاظ بالمعنى الاعم كما في المقام قالوا ان الضرر هو ما يسوء حال الانسان وهو معنى عام يشمل الضرر الحاصل من النقص المادي الذي هو المناط في اقوال الفقهاء وغيرهم ويشمل ما يوجب من سوء حال الانسان وغير ذلك
الا انه قد ذكرنا ان اللغويين على قسمين فقسم منهم يذكرون المعنى العام للفظ ولا يذكرون الا الموارد المستعمل فيها اللفظ سواء كانت هذه الموارد حقيقية او غير ذلك فلا يستفاد منهم انه قول اهل خبرة في هذا المجال حتى يكون قولهم حجة، وقسم منهم يذكر المعنى الحقيقي ويميز بينه وبين المعنى، والقسم الثاني قولهم يكون حجة باعتبار انه قول اهل خبرة في ذلك الموضوع واما في القسم الاول فليسوا من اهل الخبرة حتى يكون قولهم حجة ولعل قول من قال : قول اللغوي لا يكون حجة الا اذا اوجب الاطمئنان فان مراده هذا القسم من اللغويين الذي يتصدون ويتعبون انفسهم لاستخراج المعاني الحقيقية والموضوع له اللفظ ويميزون بين المعنى الحقيقي والمجازي وهذا القسم يوجب الاطمئنان وانهم اهل خبرة .
الاشكال الثاني : اقوال الفقهاء فانهم ايضا ذكروا معاني للفظ الضرر باعتبار انهم اهل خبرة وقلنا بحجية قول اهل الخبرة، الا انهم لم يتعدوا عن المعاني التي ذكروها اهل اللغة وحينئذ يرجع الامر بمثل ما ذكرناه وهو ان قول اللغوي بحد نفسه لا يكون حجة الا اذا كانوا اهل خبرة بذلك الفن واقوال الفقهاء لم تخرج عن ذلك ايضا
نعم ان ارادوا بيان ذلك من ناحية ان هذا المعنى هو ما يفهمه العرف من لفظ الضرر فهو صحيح باعتبار ان كل موضوع لم يرد من قبل الشارع تحديد فيه حتى نتعبد به فلابد من الرجوع الى العرف في تحديد معناه وخصوصياته وهذه قاعدة كليه لدا الفقهاء فان ارادوا ان تلك المعاني انها معاني عرفية وما يفهمه العرف فهو صحيح ولكن ذكرنا ان للعرف شروط ومقومات واركان لابد من توفرها حتى نستطيع ان نقول ان هذا هو المعنى العرفي الذي فهمه العرف من لفظ الضرر، فالحاصل من جميع ذلك ان المعنى الذي ذكرناه هو الذي يناسب العرف المعاصر وان كان قد ذكر الفقهاء ايضا معاني يناسب عرفهم وهو صحيح فيكون ما ذكره الفقهاء في ذلك الوقت مبني على العرف وكذلك في المقام ان عرفنا المعاصر يتعادى عن ما ذكره الفقهاء فنقول بالمعنى الواسع لمعنى الضرر ليشمل ما ذكرناه وما سيأتي بيانه، هذا كل ما يتعلق بلفظ الضرر
اما اللفظ الثاني هو لفظ الضرار فان الكلام تارة يقع في صيغته ومادته واخرى يقع في معنى كلمة الضرار
اما الاول : فان الضرار من مادة الضرر وان صيغته اما مصدر او اسم مصدر والمحتملات فيه ثلاثة، اولا ان يكون مصدرا من الثلاثي المجرد فعال ومفاعلة أي من باب المفاعلة، ثانيا انه مصدر من الثلاثي المجرد ضر يضر، ثالثا ان يكون مصدرا من الثلاثي الغير مزيد فيه أي انه مفاعلة من الثلاثي الغير مجرد فهي محتملات من باب سافر وليس من باب سفر
الاحتمال الاول : مصدر او مفاعلة من الثلاثي المجرد قالوا ان المشهور بينهم ان المفعالة شرطها ان تتعدى الى الاثنين كضراب وهو متكون بين اثنين احدهما ضرب الاخر ففي المقام يكون المراد من الضرار هو ان يقع الضرر على كل واحد من الاثنين على الاخر، ولكن اعترض المحقق الاصفهاني على ذلك وقال انه لم تكن شرط المفاعلة بين اثنين حتى وان كان مرتكز في اذهاننا وقد ذكر لذلك امثلة وشواهد من القران قوله تعالى (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)[1] المخادعة لم تكن احدهما من الطرف الاخر وكذلك ورد في السنة (من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة)[2] فان المبارزة لم تكن بين الطرفين، نعم المفاعلة تختلف عن الفعل بان المفاعلة ان لم يشترط فيها ان تكون بين اثنين فلابد ان يتعدى الفعل الى الاخر فلا تستعمل المفاعلة الا اذا كان هناك تعدي للفعل الى الاخر يثبت لهذا .
اعترض السيد الصدر على ما ذكره المحقق الاصفهاني بعدما فسر كلامه وقطعه الى مقاطع ثلاثة المقطع الاول ذكر الشواهد التي ذكرها المحقق الاصفهاني من القران الكريم والسنة الشريفة حيث استفيد منها انه لم يكن تعدي من الطرفين انما نستفيد منه تعدي الفعل الى الاخر وبيان اثره في الاخر، المقطع الثاني ذكر الادلة التي ذكرها المحقق الاصفهاني على انه لا يشترط في باب المفاعلة ان يكون التعدي بين اثنين انما هو اثر فعل ظهر في الاخر وليس من قبيل ضراب حتى يكون هناك ضرب من احدهما على الاخر بل هو من باب التفاعل فالمفاعلة والتفاعل من باب واحد الا انهما يفترقان من حيث الاعراب ومن حيث بنية الكلمة وسوف يأتي بيان ذلك، المقطع الثالث ذكر ما يحتمل في كلمة ضرار ولها معاني متعددة .


[1] سورة النساء، اية142.
[2] بحار الانوار، العلامة المجلسي، ج4، 65.