الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/06/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قاعدة لا ضرر
النقطة الثانية : متن حديث لا ضرر ولا ضرار فيه من التهافت والتعارض مما اوجب التوقف وعلى اساس ذلك ذكروا وجوها من التهافت في متن الحديث ولابد من تفصيل الكلام في الطوائف الاربعة :-
الطائفة الاولى : الواردة في قضية سمرة ابن جندب ابن هلال ذكرنا فيها ثلاثة روايات بعضها ورد فيه كلمة (على مؤمن) وفي بعضها لم تذكر وفي بعضها (فلا ضرر) بزيادة فاء مما اوجب التهافت والتعارض بين اصالة عدم النقيصة واصالة عدم الزيادة ولابد ان نذكر وجوه التهافت ونرى هل هذا من مجاري النزاع ام لا
الوجه الاول : ان في بعض روايات تلك الطائفة ذكر (لا ضرر) وفي بعضها لم يذكر انما ذكرت قصة سمرة وقضاء الرسول صلى الله عليه واله وسلم (اذهب فقلعها وارمي بها اليه فانه لا ضرر ولا ضرار)[1]ففي بعضها ذكر (لا ضرر ولا ضرار) وفي بعضها لم يذكر فيقع التعارض بين اصالة عدم الزيادة وبين اصالة عدم النقيصة
يجاب عنه : قد ذكرنا القاعدة وهي اذا كانت الروايات فيها زيادة ونقيصة فان كانتا مغيرة ومؤثرة للمعنى فالنزاع يجري فيه ولابد من تأويل ذلك، واما اذا لم تكن الزيادة والنقيصة مؤثرة في المعنى ولا ومغيرة له  فلا يضر فيه، والمقام من هذا القبيل فقد ذكرت كلمة لا ضرر في رواية ولم تذكر في رواية اخرى وعدم ذكر ذلك لا يغير المعنى اذ ان هناك قصة تحكي ان هناك ضرر حصل فحكم النبي صلى الله عليه واله (اذهب وقلعها واضرب بها وجهه) والرواية الثانية من مصاديق لا ضرر ولا ضرار فلا زيادتها تؤثر ولا نقيصتها تغير المعنى .
الوجه الثاني : ذكر في رواية (فلا ضرر ولا ضرار) بالفاء وفي غيرها لم تذكر، وذكر الفاء انما يدل على ان هذا حكم تكليفي خاص والتفريع ينافي القاعدة الكلية وان هناك قاعدة كلية نريد ان نستفيد منها، وهي لم يوجد في الاسلام حكم ضرري وذكر لا ضرر ولا ضرار مع الفاء يدل على ان الرواية من باب التفريع وليست قاعدة كلية
يجاب عنه : ان هذا الامر ايضا لا ينافي لاحتمال كون هذه القضية وردت مرتين مرة مع سمرة ومرة ثانية مع الانصاري فحينئذ هذا التفريع لا يضر، وقد ذكرنا انها من تطبيقات قاعدة لا ضرر ذكرت فيها الفاء ام لم تذكر فالتفريع تطبيق لهذه القاعدة، مع ان رواية الكليني لم يذكر فيها الفاء فان كنا في مقام الترجيح رواية ثقة الاسلام مقدمة على سائر الروايات وقد اعتمد الفقهاء على رواياته اذا كان هناك تعارض بينها وبين غيرها اذا كانت فيها زيادة او نقيصة وعلى كل حال وجود الفاء وعدم وجوده لا يضر بأصل المطلب .
الوجه الثالث : ابن مسكان نقل في روايته قصة سمرة وحكاية الرسول صلى الله عليه واله وسلم ولم يثبت فيها حكما كلي وقاعدة عامة وانما ذكرت لإثبات حكم تكليفي خاص في المورد لا ربط له بقلع الشجرة وغير ذلك فان النبي صلى الله عليه واله امر بقلع الشجرة وانتهى الحكم ثم قال لا ضرر ولا ضرار فكأنما لا ربط بين هذين الامرين
والجواب عن : ان هذه الرواية نقلت مرتين ايضا مرة مع الانصاري ومرة ثانية مع سمرة فهو نقلٌ لموردين، فقد ذكر مع الانصاري لا ضرر ولا ضرار بعد قوله اقلعها واضرب بها وجهه ذكر هذا مع كلمة لا مؤمن فيكون من موارد تطبيق القاعدة ولا اشكال فيه وسيأتي مزيد بيان لهذا المطلب، فان الاصوليين انما استفادوا من هذه القاعدة لا ضرر ولا ضرار قاعدة كلية وهي لنفي الاحكام الضررية اما اذا كان حكما تكليفيا فلا يستفاد منه قاعدة كلية، وسيأتي بيان هل ان قلع الشجرة حكم تكليفي خاص بها المورد ام انه من تطبيقات قاعدة لا ضرر ولا ربط بينهما، سيأتي ان الجواب عن ذلك ان هذه القاعدة لها لسان تثبيت قاعدة كلية وتثبيت تطبيق للقاعدة على الموارد فاذا اثبتناها على انها قاعدة كلية للنفي الاحكام الضررية وفي ضمنها نستفيد ان هناك تطبيقات لهذه القاعدة ومن جملة التطبيقات ما ورد في قضية سمرة في قطع الشجرة وقطعها من تطبيقات قاعدة لا ضرر وسيأتي مزيد بيان لذلك .
الوجه الرابع : رواية ابن بكير ذكر فيها (لا ضرر ولا ضرار على مؤمن) وفي غيرها لم يذكر كلمة (على مؤمن) ولذلك يقع التهافت بينهما
الجواب عنه اولا : قد ذكرنا ان هذه القاعدة ارتكازية فطرية عقلائية تعم الجميع الناس مسلمين وغيرهم الا اذا اسقط الشارع الاقدس احترام نفس شخص او ماله او عرضه فيكون خارج عن موضوع قاعدة لا ضرر والا القاعدة تجري حتى في اهل الذمة لا يجوز الاضرار بهم كما لا يجوز الاضرار بالمسلمين، فذكر لا ضرر وضرار على مؤمن او في الاسلام انما هو من باب التشريف او من باب ذكر افضل الافراد او من باب اقتضاء الحال وبهذا نرفع التهافت .
ثانيا : ان ما ذكرناه من الروايات تعدد في الكلام فان الرسول صلى الله عليه واله تكلم مع الانصاري فقال لا ضرر ولا ضرار على مؤمن وتكلم مع سمرة وقال لا ضرر ولا ضرار باعتبار ان سمرة خارج عن الايمان لذلك اقتضاء الحال ان لا يذكر على مؤمن .
ثالثا : ان كلمة على مؤمن او في الاسلام لا يغير المعنى ابدا والمستفاد من لا ضرر قاعدة كلية لنفي الاحكام الضررية التي شرعها الله تبارك وتعالى فهو لم يشرع حكما فيه ضرر على العباد، والنزاع يجري فيما اذا كانت زيادة كلمة او نقص كلمة مما يؤثر ويغير المعنى اما كلمة المؤمن او في الاسلام لا تغير القاعدة التي استفدناها من لا ضرر ولا ضرار .
رابعا : لو فرضنا التنزل عن ذلك ووقع التهافت والتعارض بين ذلك الحديث الذي لم يذكر فيه على مؤمن وبين الذي ذكر فيه فيكون التعارض بين اصالة عدم النقيصة واصالة عدم الزيادة وهذا بحث ذكر في مباحث الالفاظ، فهناك كبرى هل يقع التعارض بين اصالة عدم النقيصة واصالة عدم الزيادة وهناك صغرى هل هذا النزاع يجري في المقام سيأتي الكلام فيه مفصلا، هذا كله بالنسبة الى الطائفة الاولى من الاحاديث .
الطائفة الثانية : وهي التي تروي اقضية النبي صلى الله عليه واله والناقل عقبة ابن خالد عن الصادق عليه السلام وهذه الرواية ايضا مروية عن عُبادة ابن صامت من طرق العامة والفرق بين الطريقين انه من طرقنا لم تثبت لا ضرر على انها قاعدة كلية مستقلة اما بطرق العامة يستفاد منها على انها قاعدة كلية وحينئذ يقع النزاع وهو ان لم نستفد منها قاعدة كلية انما هو حكم تكليفي في مورد خاص وارد عن النبي صلى الله عليه واله (لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء) ومعنى لا يمنع يعني لا ضرر ولا ضرار وكذلك في رواية الشفعة، ولكن ذكر لا ضرر انما هو حكم مستقل لا ربط له بهذا ولذلك ذهب شيخ الشريعة الاصفهاني الى انه لا ارتباط بين الموضوعين وهنا جمع بين المتشتتات فان الامام الصادق عليه السلام نقل قضاء رسول الله صلى الله عليه واله ونقل كلام رسول الله ايضا لا ضرر ولا ضرار وهو نقل المشتتات فلا ربط بين الموضوعين فهذا حكم تكليف خاص في الكلاء والماء وذاك موضوع اخر، ولكن سيأتي ان كلامه صحيح او غير صحيح واثبات ذلك بوجوه سيأتي بيانها انشاء الله .
ولكن المعروف بين الاصوليين ان هذه الاحاديث كما اثبتت حكما تكليفيا في هذين الموردين اثبتتا قاعدة كلية في المقام لا ضرر ولا ضرار وان هذين الموردين من تطبيقات هذه القاعدة فان الامام لما جمع بين فضل الماء وفضل الكلاء وجمع الشفعة مع لا ضرر لبيان ان هذا من صغريات القاعدة لا انه جمع بين المشتتات كما ذهب اليه شيخ الشريعة، والقاعدة العامة في الكلام ان الراوي لما ينقل كلام شخص فلابد ان يكون ارتباط بينه الا اذا اثبت خلاف ذلك فلابد ان يقيم دليل على ان هذه الجملة غير الثانية وان الحديث جمع بين المتشتتات اما اذا لم يذكر الدليل او لم يتم فنرجع الى ظاهر الحال وهو ارتباط الجمل هذه هي القاعدة، ولذلك قالوا ان جملة لا ضرر ولا ضرار يحتمل فيها احتمالان :-
الاحتمال الاول : ان كل ما ينقل على نحو القول مثل كما جاء عن عقبة ابن خالد عن الصادق عليه السلام (وقضى رسول الله صلى الله عليه واله بين اهل البادية ان لا يمنعوا فضل ماء ليمنعوا به فضل كلاء قال لا ضرر ولا ضرار )[2] فكأنما الامام نقل قولان للنبي قول في الشفعة والماء والكلاء وقول في لا ضرر ولا ضرار والراوي جمع بين هذين القوليين في رواية واحدة
الاحتمال الثاني : ان يكون القول الثاني مرتبط بالقول الاول وهناك ارتباط من ناحية ان هذا القول الثاني هو كبرى للمورد الاول وهو الشفعة وفضل الكلاء والماء فيكون ارتباط بينهما وان حكاه على سبيل القول ولكن ذكره في هذا المورد انما يكون من جهة ان هذه كبرى وتلك صغرى ومن تطبيقات تلك الكبرى .
لكن هذا يخالف ظاهر الحال كما تقدم بيانه فان ظاهر الحال ان المتكلم لابد ان يتكلم بجمل وكلمات بينها ارتباط لا ان يكون متشتتات في الكلام الا اذا نصب قرينة ان هذا قول مستقل عن الاخر فاذا لم توجد تلك القرينة فمعناه ان هناك ارتباط بين قول الامام لا ضرر ولا ضرار وبين نقله لقضاء النبي اما ان الامام ينقل نفس قول النبي في القضية واما ان الامام باجتهاده علم بان هذا من صغريات قاعدة لا ضرر فطبقها في هذا المورد واجتهاد الامام علينا حجة فان النبي وان لم يذكر هذا في كلامه اذ لا حاجة لقضاء النبي صلى الله عليه واله ان يذكر الدليل فيه فهو المشرع ولا يحتاج لذكر الدليل فرسول الله لم يذكر في هذا القضاء لا ضرر ولا ضرار لعدم الحاجة اليه لان الرسول هو الذي قضى اما الامام الصادق الذي يذكر قضاء النبي اراد افهام الاخرين بان هذا من صغريات قاعدة لا ضرر وهذا صحيح ولا اشكال فيه .


[1] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج25، ص429، باب عدم جواز الاضرار بالمسلم، ح3، ط ال البيت.
[2] وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج18، ص32، باب ثبوت خيار الغبن للمغبون، ح4، ط ال البيت.