الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/06/14

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : قاعدة لا ضرر
بعد سرد بعض الاخبار التي وردت في ثبوت قاعدة لا ضرر ولا ضرار في الاسلام يقع الكلام في عدة نقاط :-
النقطة الاولى : في سند حديث لا ضرر ولا ضرار في الاسلام او على مؤمن، والحق انه توجد في هذه الاخبار قرائن يستفاد منها صحة صدور هذا الحديث عن الرسول الاكرم صلى الله عليه واله وسلم :-
الاولى : ان هذا الحديث من المسلمات قديما وحديثا قولا وفعلا حتى انه عد من الامثال عند المسلمين
الثانية : ورود هذا الحديث في رواياتنا اما على نحو الكبرى او على نحو التطبيق والائمة عليهم السلام جعلوه قاعدة يُتمسك بها في موارد كثيرة .
الثالثة : ان هذا الحديث قد نقل بلفظ القول عند العامة وعند الخاصة ايضا واذا نقل كلام عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم بلفظ القول لا على نحو الحديث مما يوجب ان هناك اطمئنان عندهم لصدوره عنه صلى الله عليه واله وسلم لذلك ينسبونه مباشرةً من دون ذكر سند الرواية وهذا شايع في الفقه والاصول
رابعا : ان هذه الرواية ان لم نقل انها متواترة فهي مستفيضة حيث وردت في رواياتنا متعددة اما على نحو الكبرى او على نحو التطبيق على الصغريات مما جعل اكثر العلماء رحمهم الله لم يناقشوا في سند هذا الحديث .
خامسا : ان هذه القاعدة هي من القواعد الارتكازية الفطرية عند الانسان فان الضرر انما يرفضه الانسان بطبعه وغريزته والعقلاء يرفضونه سواء كان على النفس او على المال او على العرض ويقبحون فاعله بل يوقعون العقاب عليه، والقاعدة بهذه المثابة لا حاجة الى تقريرها من الشارع الاقدس يكفي بإمضائها عدم الردع فكيف بما اذا ورد التقرير في مثل هذه الروايات التي تقدم ذكر بعضها هذا اذا جعلنا القاعدة قاعدة برأسها، اما اذا جعلنها من صغريات اصالة احترام النفس واحترام المال والعرض وهي من الاصول النظامية التي يقوم نظام المجتمع عليها فالأمر وضح كذلك اذا جعلنا الضرر من صغريات الظلم المنهي عنه عقلا وشرعا فأيضا هذا الظلم بحسب قاعدة التحسين والتقبيح العقليين من صغريات هذه القاعدة مما يحكم العقل بقبح الظلم وقد حرمه الشارع الاقدس .
فالتكلم حول سند هذا الحديث انما هو بعيد عن الصواب ومع وضوحه وصحة صدوره عن المعصوم فلا حاجة الى التكلم عن سند هذا الحديث الا اذا كان هناك انكار لبعض الواضحات، مع ذلك حاول بعض الاصوليين ان يبحث في سند هذا الحديث واطال الكلام فيه بالنقض والابرام ومنهم السيد الصدر (رحمه الله) حيث اتعب نفسه وذكر طرق لتصحيح هذا الحديث ومناقشة تلك الطرق مع وضوح ذلك لا طائل تحته لكن نذكر بعض منها
وهو ما ذكر في الطريق الثاني قال ان هذا الحديث ان لم يكن متواتر لفظا بل هو متواتر معنى فان التواتر اللفظي يعتبر فيه ان يكون اللفظ واحد ويكون الرواة من الكثرة بحيث يحصل للإنسان الاطمئنان على عدم تواطئهم على الكذب، اما في المقام فان اللفظ لم يكن واحدا ولم يحكى في واقعة واحدة بلفظ واحد بل انما نقل على موضوع واحد والموضوع الواحد اذا كان هناك بعض الرواة له يعتبر من التواتر المعنوي لا التواتر اللفظي، لكن هذه الروايات اتفقت على موضوع واحد  مما يحصل لنا الاطمئنان بصحة صدور هذا الموضوع من المعصوم
اشكل عليه : ان هذا التواتر المعنوي لم ينقل من رواة متعديين بل ان الرواة لهذا الموضوع قليلون فلذلك لم يحصل التواتر المعنوي
لكن الجواب عنه : انه لو اقتصرنا في النظر على طائفة معينة ورواية معينة ربما يكون هذا الاشكل صحيحا اذ ان هذه الرواية لم تنقل بطرق متعددة واكثر من راوي حتى يحصل الاطمئنان بصدوره، الا ان مجموع الروايات التي نقلت على نحو الكبرى او على نحو التطبيق على تلك الكبرى مما يحصل لنا القطع ولو اجمالا بصحة صدور هذا الحديث عن المعصوم وهذا الذي ذكره اقتصار على بعض الروايات لكن من مجموع هذه الروايات التي وردت في الكبرى والصغريات يحصل لنا القطع ولو اجمالا بصحة الصدور  فنحن نقتصر على ذلك الاطلاق وهو ولا ضرر ولا ضرار فان ثبت لنا قيد نأخذ به وان لم يثبت او كان هناك قيدان مختلفان في روايتين فنرفع اليد عن ذلك القيد وعن القيدين المختلفين المتعارضين ونرجع الى اصل الاطلاق المهمل حينئذ وهذا صحيح ولا اشكال فيه
ثم ذكر في الطريق الثالث ان حديث لا ضرر ورد في رواية الصدوق نقله مرسلا عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم على نحو القول مما يثبت انه وصل الى الشيخ الصدوق على نحو التواتر الحسي بحيث قطع بصدور هذه الرواية عن النبي صلى الله عليه واله ونسبها بالمباشرة .
ثم اشكل بإشكالات متعددة من جملتها ان الصدوق هو الذي يروي هذا الحديث وهو يروي ايضا مراسيل وينسبها الى النبي صلى الله عليه واله وسلم، ولا يستفاد من هذا انه حصل له قطع بصدور هذا القول عن الرسول لأجل التواتر الذي حصل عنده بروايات اخرى ينقلها على نحو القول وهي مرسلات فلا يمكن استفادة ذلك .
لكن الجواب عنه : اولا ان الرواية لم تقتصر على نقل الصدوق فقط بل انها روية عن العامة وعندنا اما على نحو الكبرى او على نحو التطبيق فلم تكن هذه الرواية منحصرة بنقل الصدوق حتى نقول انه حصل له هذا النوع من التواتر الحسي وحصل له القطع بصدور هذا القول عن النبي، ثانيا من قال ان الصدوق حصل له التواتر الحسي بل ان نسبة القول للنبي مما يوجب الاطمئنان بصحة صدوره سواء كان بسبب التواتر او لم يكن فان دئب العلماء اذا حصل لهم الاطمئنان بصدور القول عن المعصوم ينسبونه رأسا الى المعصوم من دون حاجة لذكر الرواية، وهذا الاطمئنان الحاصل لديهم ولو اجملا بان هذا صادر عن المعصوم ولاسيما الى الرسول الاكرم صلى الله عليه واله، وذكر ايضا طرق وناقشها ولا حاجة لذكرها هنا اذ انه تطويل بلا طائل تحته، هذا كله بالنسبة الى سند الحديث .
النقطة الثانية : متن حديث لا ضرر ولا ضرار فيه من التهافت والتعارض مما اوجب التوقف وعلى اساس ذلك ذكروا وجوها من التهافت في متن الحديث :-
الوجه الاول : في الحديث هي زيادة ونقيصة الزيادة في رواية الكليني (لا ضرر ولا ضرار على مؤمن) والنقيصة في رواية المشايخ الثلاثة بعدم ذكر كلمة مؤمن ونقيصة اخرى في راوية الصدوق حيث لم يذكر فيه لا ضرر ولا ضرار ايضا فيقع التعارض بين اصالة عدم الزيادة واصالة عدم النقيصة فان كلام الصدوق نجري فيه اصالة عدم النقيصة وفي رواية الكليني التي ورد فيها كلمة مؤمن نقول ان هذا يحتمل فيه زيادة فنجري اصالة عدم الزيادة فيكون تعارض وتهافت بين اصالة عدم الزيادة واصالة عدم النقيصة خصوصا اذا كانت هذه الزيادة مؤثرة في المعنى ومغيرة له، اما اذا لم تكن الزيادة مؤثرة في المعنى ولا مغيرة او شك في ذلك فلا تعارض ولا تهافت لا سيما ان حال الراوي ينقل الكلام من دون زيادة ونقيصة
لكن يجاب عن ذلك بان هذه الزيادة لم تؤثر في المعنى فكلمة لا ضرر ولا ضرار على مؤمن لم تكن مغايرة لكلمة لا ضرر ولا ضرار في رواية المشايخ الثلاثة ولم تغير المعنى كذلك وجود لا ضرر ولا ضرار في الورايتين من دون رواية الصدوق ايضا لا يغير المعنى فان المساق من رواية الصدوق انه ينقل حكاية فعل الرسول وليس اكثر من ذلك وان هذا الفعل من تطبيقات قاعدة لا ضرر ولا ضرار، ولا نقيصة في رواية الصدوق حتى تضر في المعنى فالكل في مصب واحد انما واحد يذكر الكبرى لأجل التطبيق والثاني لم يذكر الكبرى وهي معلومة ولا اشكال فيها فهذا وجه من وجوه التهافت وهذا الوجه لا صحة له .
الوجه الثانية : ان رواية المشايخ الثلاثة الصدوق و الكليني يرون (اذهب وارمي بها وجهه فلا ضرر ولا ضرار) بالفاء ورواية غير الصدوق والشيخ لم توجد فيها الفاء فيستفاد ان هذا حكم تكليفي شخصي ويستفاد من ان هذا هو تطبيق لتلك الكبرى وهذا نوع من التهافت في رواية واحدة ينقلها المشايخ الثلاثة وهذه الزيادة توجب التهافت واصالة عدم الزيادة واصالة عدم النقيصة
لكن الجواب عن هذا بما ذكرناه من ان كلمة فاء لم تكن مغيرة للمعنى سواء وجدت هذه الكلمة ام لم توجد فان هذه القضية هي من صغريات لا ضرر ولا ضرار فان الرسول صلى الله عليه واله وسلم طبق هذه الكبرى على هذه الصغرى اذهب واقلعها وارمي بها وجهه فانه لا يضر وجود كلمة فاء وعدم وجودها في تغير المعنى فلا تهافت ولا تعارض وان المنساق من مجموع هذه الروايات على حسب نقل المشايخ الثلاثة انها تطبيق للكبرى وهذا الوجه ايضا فيه تهافت وهو غير صحيح .