الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/05/21

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : شرائط جريان الاصول
من الوجوه التي استدلوا بها على عدم جريان البراءة قبل الفحص
الوجه السابع : دعوى وجود المانع في البين فانه لو تم هناك مقتضي لدليل البراءة ليشمل ما قبل الفحص لكن هناك مانع من ان تجري البراءة قبل الفحص والمانع هو العلم الاجمالي بالإلزاميات في مجموع الشبهات او في مجموع الاخبار التي وصلت الينا وهي انما تدل على الحكم فلا يمكن لنا الرجوع في الشبهات مطلقا الى البراءة ولو كانت قبل الفحص، وهذا المانع صحيح واُعترض بعدة اعتراضات
الاعتراض الاول : ان العلم الاجمالي الذي اوجب عدم الرجوع الى البراءة قبل الفحص اما في دائرة مجموع الشبهات او في دائرة اخبار الثقة التي وصلت الينا، فيقتض هذا العلم الاجمالي المنع من التمسك بالبراءة حتى بعد الفحص كما انه لا يمكن لنا التمسك بالبراءة قبل الفحص لوجود علم اجمالي مانع في البين كذلك لا يمكن لنا الرجوع الى البراءة بعد الفحص ايضا لوجود هذا العلم حينئذ وتنجز العلم الاجمالي في مورد لأجل وجود خبر ثقة على الالزام لا يقتضي سقوط الاصول المتعارضة في اطرافه الاخرى فان الكلام في مجموع الشبهات وليس في خصوص تلك الواقعة حتى تقول ان الحكم انتهى، فمقتضى ذلك الدليل هو لا يمكن لنا الرجوع الى البراءة ابدا قبل الفحص وبعد الفحص لوجود هذا العلم الاجمالي وهو دليل الاخباري الذي تمسك بالعلم الاجمالي لأثبات الاحتياط قبل الفحص فقالوا بوجوب الاحتياط في الشبهات لأجل هذا العلم الاجمالي
وهذا الاعتراض لا يفيدنا بان هذا العلم الاجمالي قد تنجز في مورد لان تنجزه في مورد بسبب العثور على الحكم او خبر ثقة يدل على ذلك الحكم وهو لا يقتضي سقوط الاصول المتعارضة في سائر الاطراف لان دائرة الشبهات اوسع من هذا الموضوع ولذلك وقع الاصوليون رحمهم الله في كيفية التوفيق بين هذا الدليل الذي تمسكوا به لأنه ينحل العلم الاجمالي لرد الاخباري وتمسكوا به لعدم جريان البراءة قبل الفحص، فكيف يمكن لنا التوفيق بين القوليين فهناك ترد الاخباري وتقول ان هذا العام الاجمالي تنجز وانتهى دوره فلا يجب الاحتياط وتأتي هنا وتقول ان هذا العلم الاجمالي موجود ولا يجوز لك التمسك بالبراءة قبل الفحص فحينئذ كيف يمكن التوفيق بينهما ؟ وقد ذكروا وجوها للتوفيق
الوجه الاول : ما ذكره المحقق العراقي رحمه الله من ان الاصول لا تعارض بينها ولا تساقط فان الاصول لا تجري قبل الفحص او ان هناك خبر ثقة اثبت الحكم في المورد فلا يجري الاصل في غيره، فأما ان الاصول لا تجري قبل الفحص او ان العلم الاجمالي تنجز في مورد اخبار الثقة فقبل الفحص احتمال وجود حكم تكليفي، فاذا تفحصنا ولم نعثر على حكم الزامي نرجع الى البراءة اذ لا مانع منها، وهذا الكلام صحيح الا انه يرجع الى الوجوه السابقة من عدم المقتضي لجريان الاصول قبل الفحص فيكون اما لعدم المقتضي لجريان الاصول قبل الفحص او قيام خبر الثقة على الحكم بسقط العلم الاجمالي فلا تعارض قبل الفحص لعدم المقتضي لها فرجع هذا الوجه الى الوجوه السابقة في نفي المقتضي لشمول ادلة الاصول قبل الفحص
الوجه الثاني : ما ذكره السيد الوالد رحمه الله في المقام من ان موضوع الاصول المؤمنة مقيد بالشك المستقر ولا تشمل الشك غير المستقر اليس ان موضوع ادلة البراءة هو ان يكون هناك شك في الحكم وهذا الشك مقيدا بان يكون مستقرا فاذا لم يكن كذلك فلا يكون موضوع لجريان البراءة ولا يمكن للإخباري ان ينكر ذلك، فان تفحصنا وعثرنا على الحكم فلا مجال للبراءة وان لم نعثر على الحجة على الالزام فهو مجرى البراءة حينئذ وهذا هو المتفاهم العرفي من ادلة البراءة
الوجه الثالث : ما ذكروه من ان هناك علمان اجماليان كبير وصغير فالكبير في مجموع الشبهات التي وصلت ونشك في ان فيها احكام الزامية فلا يمكن لنا الرجوع الى الاصول المؤمنة لأنه علم اجمالي في مجموع الشبهات، وعلم اجمالي في خصوص دائرة اخبار الثقة والأمارات المعتبرة فهناك علم اجمالي كبير وعلم اجمالي صغير هما متقارنان زمانا لا ان يكون هناك علم اجمالي ثم علم ابتدائي صغير يأتي  ويحل ذلك العلم الاجمالي الذي استقر قبله فهما متقارنان زمانا فان قامة الحجة على موردا سقط العلم الاجمالي الكبير ومعه العلم الاجمالي الصغير فلا يمكن ان يكون ابتداء علم اجمالي كبير ثم بعد ذلك قيام علم اجمالي صغير في دائرة الامارة المعتبرة واخبار الثقة فيحل ذلك العلم الاجمالي، وليس الامر كذلك فهما مقترنان زمانا فاذا قام العلم الصغير واوجب هذا العلم الاجمالي التفحص للعثور على الحجة على الالزام فان عثرنا على الالزام فهذا العلم الاجمالي سقط عن التنجز بقيام الحجة وان لم يكن هناك تفحص فهذا العلم الاجمالي منجز ولا يمكن اجراء الاصول المؤمنة في اطرافها لتعارضها وتساقطها وهذا هو الصحيح حينئذ علم اجمالي كبير مقترن زمانا مع علم اجمالي صغير ابتدائيا لا يكون بينهم تعارض ولا في توسط اصل موضوعي طولي مثل استصحاب الحجة او عدم الحجة وهو اصل موضوعي طولي لان هذا الاصل لا يجري مع وجود علم اجمالي فاذا انحل هذا العلم الاجمالي الصغير انحل معه العلم الاجمالي الكبير فاذا كان قبل الفحص لا انحلال للعلم الاجمالي وهما متحققان وان انحل هذا العلم الاجمالي الصغير بقيام حجة في البين سقط ذلك العلم الاجمالي عن التنجز في ذلك المورد ويسقط العلم الاجمالي الكبير، وهذا الوجه صحيح بناءً على رأي الاصوليين من انحلال العلم الاجمالي الكبير بتوسط العلم الاجمالي الصغير، اما اذا ناقشنا ذلك من انه لا انحلال للعلم الاجمالي الكبير بقيام العلم الاجمالي الصغير فهذا الوجه غير تام وقد ذكرناه في بحث البراءة
الوجه الرابع : ما ذكره بعضهم من ان موضوع الاصول لا تجري اذا قامة امارة معتبرة في البين فانه مقيد بعدم قيام امارة في فاذا كان هناك قبل الفحص شك بوجود هذا القيد ارتفع بحيث انه لا امارة في البين فاذا شككنا فيجب الفحص عنه واذا فحصنا وعثرنا على الامارة فلا يمكن الرجوع الى الاصل وان لم نعثر على الامارة نرجع الى البراة فحينئذ مقيد موضوع البراءة بعدم قيام امارة في البين فقبل الفحص احتمال الالزام موجود اذ وردت الينا تكاليف الزامية في ضمن هذه الاخبار الموجودة عندنا فلابد من التفحص فان عثرنا على الامارة حكمنا بعدم جريان البراءة في ذلك المورد وان لم نعثر فالاحتمال يرتفع فيكون مجرى اصل البراءة، وهذا الوجه ايضا متين الا انه بروحه يرجع الى الاصل الذي ذكره السيد الوالد قدس سره من ان موضوع الاصول مقيد بالشك المستقر ولا استقرار قبل الفحص فموضوعه منتفي قبل الفحص فلا مجرى للبراءة، هذا بالنسبة الى الاعتراض الاول والاجوبة التي ذكروها في رفع هذا الاعتراض .
الاعتراض الثاني : ما ذكره المحقق الخراساني من انه اذا تمت هذه الدعوى فلا فرقب في عدم جريان الاصول قبل الفحص وبعد الفحص لان العلم الاجمالي متحقق حتى بعد الفحص  فقد قلتم ان هناك علم اجمالي قبل الفحص بوجود اخبار في ضمن دائرة اخبار الثقة فهذا العلم الاجمالي كما اوجب عدم الرجوع الى البراءة قبل الفحص يوجب عدم الرجوع الى البراءة حتى بعد الفحص لان قيام امارة في مورد معين لا يوجب سقوط العلم الاجمالي في سائر الموارد فيبقى العلم الاجمالي على حاله ولا يمكن الرجوع الى البراءة مطلقا قبل الفحص وبعده لوجود هذا المانع وهو وجود العلم الاجمالي .