الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/04/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : الخلل واحكامه
كان الكلام في النسيان بالنسبة الى احد اجزاء المركب او شرط من شروطه، وتقدم انه اذا كان بالإمكان تكليف الناسي فنرجع الى اصالة البراءة عن الاعادة اذا كان داخل الوقت او القضاء خارج الوقت، ولا حاجة الى الرجوع لشيء الا ان هذا الناسي مكلف اما في حال النسيان او مكلف بما عدا المنسي فحينئذ اذا امكن تكليفه فنشك في انه هل يجب عليه اعادة الصالة او ذلك الواجب او لا فنرجع فيه الى البراءة
اما اذا قلنا في عدم امكان تكليف الناسي كما ذهب اليه الشيخ الانصاري وتقدم رده من عدم امكان تكليف الناسي والمرجع اصالة البراءة لان الشك فيه بين الاقل والاكثر وقد تقدم ان الاشك بين الاقل والاكثر نرجع في الاكثر الى البراءة هذا بناء على هذين الرأيين، وكل ذلك بحسب الاصل العملي
اما بحسب الاصل اللفظي بما عدا الادلة الخاصة التي وردة في حال النسيان اذ ان هناك ادلة خاصة وردة بحق الناسي وتكليفه فبغض النظر عن هذه الادلة الاولية، فنرجع الى الادلة الثانوية أي الاطلاق، فهل يمكن لنا التمسك بإطلاق دليل الجزئية ودليل الشرطية بحال النسيان او لا يمكن، فتارة نفرض لدليل الجزء ودليل الشرط اطلاق يشمل حال النسيان فلو نسى المكلف احد اجزاء المركب او شرط من شروطه، فاطلاق دليل الشرط والجزء يشمل حال النسيان فيجب عليه تكرار العمل اذ انه مأمور بإتيان ذلك الجزء الذي نساه او الشرط، فيجب الاعادة اما داخل الوقت او قضائه خارج الوقت، واخرى نفرض انه لا اطلاق في البين فاذا لم يثبت اطلاق لدليل الجزء فهل يمكن لنا الرجوع الى دليل الواجب مثل الصلاة وفيها دليل مثلا لجزء السورة، او انه اذا لم يثبت اطلاق لدليل الواجب نرجع الى الاصل العملي
اما الفرض الاول : وهو ما اذا قلنا ان لدليل القيد سواء كان جزء او شرط له اطلاق يثبت به الجزء حتى في حال النسيان ويثبت به الشرط حتى في حال النسيان والعجز، فنستفيد من دليل الجزء انه مقيد بذلك المركب فاحد اجزائه واحد قوامه ان المركب يتقوم بأجزائه او بشرطه فلولا هذا الجزء او الشرط لم يتقوم المركب ولم يتحقق، استفادوا لذلك انه لو انتفى ذلك الجزء ينتفي ذلك المركب ولو انتفى الشرط ينتفي المشروط وظاهر دليل القيد سواء كان جزء او قيد ظاهر الدليل هو الاطلاق اذ اننا نستفيد انه ارتباط بين الجزء والكل وهو له قوام به فيجب اتيان ذلك القيد مطلقا فحينئذ لا يكتفى بالمركب بدون هذا القيد سواء كان جزء او شرط فتجب عليه الاعادة، فقولهم ان الجزء اذا انتفى ينتفي ذلك المركب او الكل والشرط اذا انتفى ينتفي المشروط استفادوا دليل الجزء ودليل الشرط فلو لم يأتي بذلك القيد يجب عليه الاعادة
استشكل على هذا الاطلاق بإبراز اما مانع داخلي او مانع خارجي، قالوا ان هذا الاطلاق اذا ثبت لا ريب ولا اشكال في انه اذا ترك جزء او شرط اما لأجل نسيان او عجز فيجب عليه الاعادة ولا يكتفي بغير المنسي، لكن هناك مانع في البين هو بمعنى من التمسك بالإطلاق وقالوا ان هذا المانع الداخلي هو دليل الجزء ودليل الشرط تارة يستفاد منه ويكون مفاده الجزئية والشرطية، فمثلا المولى يقول للمكلف ان السورة جزء من هذا المركب او ان الطهارة شرط من هذا المشروط، فالجزئية والشرطية مدلول كلام المولى فلا ريب ان هذه الجزئية والشرطية تثبت على جميع الحالات سواء كان هناك عجز او لا، فلو انتفت هذه الجزئية والشرطية في حالة من الحالات لا يكتفى بذلك المركب او بذلك المشروط اذا استفدنا من نفس دليل المولى الجزئية والشرطية، اما اذا كان دليل المولى انشاء وامر لا ان يكون مفاده الجزئية والشرطية فاذا كان امر او انشاء لذلك الجزء فيقول تجب السورة في الصلاة انشاء امر فهو لا يتكفل حالات المكلف انما يشترط في كل امر القدرة لكن ذلك الامر والانشاء لا يتكلف حالات المكلف اذا كان قادرا يجب عليه الاتيان وان لم يكن قادرا يسقط عنه حال العجز والنسيان، فقالوا ان دليل الجزء ان كان امرا وانشاء فهو يختص بحال القدرة لأنه مشروط بالقدرة فلا يشمل حال العجز، اما ان كان دليل الجزء او الشرط ارشاد او مدلوله الجزئية والشرطية فلا ريب ان الجزئية والشرطية واقعية تثبت في كل الحالات سواء كان قادرا او عاجز او ذاكر او ناسي فتجب عليه الاعادة ولا يكتفى بالمركب الفاقد للجزء، فالمانع يقول ان المانع الداخلي هو ان هناك امر بالجزء وهناك امر بالشرط والامر لا يتكفل حالات المكلف انما يشترط فيه القدرة فان كان قادرا يجب عليه الاتيان ان كان عاجز سقط عنه ذلك الجزء ويكتفى بهذا المركب الفاقد الجزء
اشكل عليه ان الاوامر التي ترد بالنسبة الى الاجزاء والشرط كلها ارشاد الى الجزئية فليست هي مولوية مثل ما اذا قال المولى هذا جزء ضمن الصلاة او هذا شرط في ضمن الصلاة فهذا واضح يشمل جميع الحالات، كذلك اذا امر بالسورة في الصلاة او بالطهارة للصلاة فمعناه ارشاد الى الجزئية وارشاد الى الشرطية فهي ليست مولوية وانما هي ارشاد الى الجزئية والشرطية فلا فرق بين ان يصرح بالجزئية او يأمر بجزء او بشرط فكلاهما يرشدان الى الجزئية والشرطية، وبما هما واقعية تشمل جميع الحالات فيسقط هذا المركب الذي اتى به من دون ذلك الجزء او من دون ذلك الجزء ولا يكون مجزي وتجب الاعادة
اشكل على هذا الجواب من وجهين : الاول : قالوا ان ارجاع الاوامر المولوية للأجزاء والشروط الى الاوامر الارشادية هو غير صحيح، نقول انه هناك ملازمة بينهما لكن لماذا نسلخ الامر المولوي عن مولويته ونقول انه ارشاد الى الجزئية والشرطية هذا لا يوجد دليل عليه، اذا كانت هناك قرينة في البين نسلخ هذا الامر المولوي عن مولويته ونجعله ارشاد للجزئية والشرطية نتبع تلك القرينة، اما اذا لم تكن قرينة فلا معنى لذلك بل هو مستهجن للمولى ان يصرح في حال العجز ويقول تجب عليك السورة حتى في حال العجز هذا مستهجن حتى عند العرف فلا يصرح لا في العجز ولا في حال غير العجز، فالمستفاد من الاوامر المولوية انها اوامر ارشادية ولا موجب لسلخ الاوامر عن المولوية وجعلها للجزئية والشرطية، فاذا ورد امر بوجوب السورة في الصلاة فتجب اذا كانت الصلاة واجبة وتكون مندوبة جزء وشرط اذا كانت الصلاة مندوبة
الاشكال الثاني : قالوا ان هذه الاوامر التي لا موجب لسلخها عن المولوية بل نجعلها على ظاهرها مولوية لا ان تكون ارشادية وان المتفاهم العرفي من الاوامر المتعلقة بالجزء او المتعلقة بالشرط المتفاهم منها ان ذلك القيد شرط في ذلك المشروط بحيث يدخل في قوامه فيتحقق المركب بتحقق ذلك الجزء وينتفي بانتفائه هذا هو المبنى الذي يكون عليه اوامر مولوية ولا موجب لرفع اليد عنها وجعلها ارشادية، كالقول المعروف المركب ينتفي بانتفاء احد اجزائه والمشروط ينتفي بانتفاء احد شروطه فيكون داخل في حقيقة ذلك المركب وقوامه وهو المستفاد من الاوامر المتعلقة بالجزء او بالشرط فهي باقية على مولويتها لكنها تبقى على ذلك ولا حاجة لنقول كما قاله بعض المتأخرين من ان الاوامر المتعلقة بالجزء ارشاد الى الجزئية او ارشاد الى الشرطية لا نحتاج الى هذا، فنفس الاوامر المولوية اذا تعلقت بقيد سواء كان جزء ام كان ذلك شرط فانه يستفاد ان المركب والمقيد متقيد به قيدا وتقيدا، بناء على هذا فلو نسى جزء وقيدا من قيود المركب ينتفي ذلك المركب بانتفاء القيد ولا يكتفى بالمركب الذي اتى به المكلف بدون القيد الذي نساه فان اطلاق دليل الامر ان الامر بالقيد يقتضي في جميع الحالات العجز وغيرها فلو لم يأتي به سواء كان بسبب نسيان او بسبب عجز فلا يكتفي بذلك العمل بل يجب عليه الاعادة، فيكون الامر واضح ولا حاجة لمقولة الفقهاء المتأخرين من ان الاوامر المتعلقة بالجزء او المتعلقة بالشرط نسلخ مولويتها ونرجعها ارشادا الى الجزئية والشرطية بل نبقيها على ظاهرها لكن هذا الامر بالمتفاهم العرفي نستفيد ان ذلك الجزء له دخل بذلك المركب ونستفيد ان الشرط له دخل بذلك المشروط قيدا وتقيدا
اما المانع الخارجي : بواسطته نرفع اليد عن دليل الجزء ودليل القيد، فنها ادلة امتنانيه من قبل الشارع وهي ادلة ثانوية مثل حديث الرفع وسيأتي بيانه هذا بالنسبة اذا اثبتا الاطلاق لدليل الجزء، اما اذا قلنا ليس له اطلاق او شككنا بإطلاقه فلابد من الرجوع الى اطلاق دليل الواجب صلاة وسورة فلم يثبت اطلاق لجزئية السورة وشككنا في هذا الاطلاق فنرجع الى اطلاق دليل الصلاة فنقول ان الصلاة التي اتى بها المكلف من دون السورة اطلاق دليلها ثابت ولم يحتج للرجوع الى دليل الجزء اذ لم يثبت له اطلاق او شككنا بإطلاقه، الاشكال في انه يستلزم توجيه خطاب للناسي فان دليل الجزء اذا لم يكن شامل للناسي نرجع الى اطلاق دليل الواجب، فيكون معناه خطاب للناسي وقد تبين ان الشيخ الانصاري قال لا يمكن تكليف الناسي ولكن الجواب ان الناسي يمكن تكليفه اما بالتكليف الجامع او بوجه من الوجوه التي تقدمة، فاذا لم يكن لنا سبيل لإطلاق الواجب نرجع الى الاصل العملي ومقتضاه ان هذا المكلف الذي كلف بإتيان السورة في الصلاة ونساها او عجز عنها فليس لنا اطلاق لدليل الجزء ولا لدليل الواجب، فمقتضى الاصل العملي هل يجب عليه الاعادة ام لا فتكون اصالة البراءة جارية، والشك بالإطلاق مرجعه الى دوران الامر بين الاقل والاكثر والمرجع فيه البراءة، فالكلام لا يخرج عن هذين الحالتين اما ان نثبت اطلاق لدليل الجزء فتجب عليه الاعادة لان ذلك الجزء المنسي داخل في قوام ذلك المركب فتركه يجب عليه الاعادة، اما اذا لم يثبت له اطلاق فان اثبتنا اطلاق لدليل الواجب فنرجع له ونقول بالاكتفاء بالفعل الذي اتى به من دون الجزء المنسي، وان لم يثبت اطلاق لدليل الواجب فنرجع الى الاصل العملي وقد تقدم ان مقتضى الاصل العملي في موارد النسيان هو البراءة كما ذهب له الشيخ الانصاري .