الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/04/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : انحلال العلم الاجمالي بين الاقل والاكثر
ذكرنا ان المحقق الخرساني رحمه الله فصل بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية حيث قال ان البراءة العقلية في الاقل والاكثر وانما تجري البراءة الشرعية والسر في ذلك اننا نعلم في التكليف لكنه مردد بين الاقل والاكثر فان الغرض امر وحداني لابد من تحقيقه ونشك في تحصيله في الاقل فيحتاط فيجب الاقل حينئذ هذا من جهة العقل فالبراءة العقلية تجري فلابد من الاحتياط والاتيان بالاكثر، والامر الثاني الذي ذكره ان البراءة العقلية لا تجري لأنه بعد العلم الوجداني المردد بين الاقل والاكثر ففي عالم اللحاظ والوجوب لا ينحل هذا العلم لكن بالنسبة الى البراءة الشرعية يمكن اجرائها بالنسبة الى الجزئية او الشرطية كما ذهب اليه المحقق الخرساني او بالنسبة الى التقيد كما ذهب اليه المحقق النائيني فانه لا شك من هذه الناحية ان نجري البراءة بالنسبة الجزئية فيمكن الاقتصار على الاقل هذا ما ذكره المحقق الخرساني في ذلك
الامر الثالث : انه قد يستشكل على المحقق الخرساني من انه لما فصل بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية ذكر وجه اخر من وجوه التفصيل فلماذا فصل بين البراءتين وما هو وجه العدول الى البراءة الشرعية وليس يجري في البراءة العقلية فاعتبروا ذلك وجه اخر من وجوه التفصيل بين البراءتين، فقيل في رفع ذلك وجوه
الوجه الاول : ان البراءة الشرعية بالنسبة الى وجوب الاكثر معارض مع البراءة الشرعية بالنسبة الى وجوب الاقل فان هنا شك عندنا هل هذا واجب ام ذاك فالبراءة الشرعية بالنسبة الى وجوب الاكثر معارض بالنسبة لوجوب الاكثر فيتعارضان ويتساقطان فنرجع الى البراءة في الجزئية ومنشأ الجزئية وجوب الاكثر فلا نجري البراءة في المنشأ انما نجريها في البراءة التي استفدناها من المنشأ، لكن اورد عليه فان الجزئية امر انتزاعي عقلي وليس انتزاع شرعي حتى تجري فيها البراءة نعم المنشأ لهذه وجوب الاكثر لكن المنشأ شيء والانتزاع العقلي شيء اخر فلا تجري فيه، ويجاب عنه بما سيأتي في بحث الاستصحاب من ان الاحكام الوضعية كالشرطية والمانعية والسببية والمسببيه والمانعية هذه كلها احكام وضعية فهل هي مجعولة بالجعل الشرعي ام لا نزاع بين الاصوليين بعضهم يقول ان الاحكام الوضعية ليست منتزعات شرعية انما هي منتزعات عقلية صحيح ان لها منشأ شرعي لكن انتزاع المانعية والجزئية والشرطية انتزاع عقلي لذلك لا تناله يد الجعل، وذهب اخرون يمكن ان تنال هذه يد الجعل ايضا فالشارع عندما يقول تجب الطهارة للصلاة معناه اوجب الشرطية فكما ان يد الجعل تنال الاحكام الشرعية فهي تنال الاحكام الوضعية وسيتبين انشاء الله انه جعل تبيعي لا استقلالي
الامر الثاني : قالوا ان البراءة عن الجزئية معارض مع البراءة عن الكلية بالنسبة الى الاقل حيث ان البراءة الشرعية عن الجزئية معارضة مع البراءة عن الكل المتحقق ضمن الاقل
الامر الثالث : قالوا ان الجزئية هذه امر واقعي وليس حكم ظاهري وادلة البراءة لا تشمل الاحكام الواقعية وانما ترفع حكما ظاهريا وتثبت شيء ظاهري وليس اكثر من ذلك فان البراءة تختص بالظاهر ولا تشمل الاحكام الواقعية فان الجزئية حكم واقع فاذا ثبت حكم شرعي واقعي تثبت واذا ثبت حكم واقعي تثبت الجزئية الواقعة في حكم ظاهري فنرى دليل الحكم ان كان يثبت حكم واقعي فالجزئية واقعية وان كان هذا الدليل يثبت حكم ظاهري فانه يثبت جزئية واقعية في حكم ظاهري فلا ربط بحديث الرفع او ادلة البراءة حتى ترفع الجزئية، لكن يمكن الجواب عن ذلك من انه وان رفع دليل الرفع او البراءة ولكن يرفع حكم ظاهري بأثبات عدم المخالفة والمعذرية في البين ونحن نريد ان نثبت ان هنا حديث الرفع يرفع الجزئية وبما انها ثقل على المكلف حديث الرفع يرفع عن كاهل المكلف فان فيها ضيق وحديث الرفع يرفع هذا الضيق الموجود على المكلف وان كان هناك حكم شرعي رفع هذا الحكم الشرعي فيرتفع هذا الحكم بالتبع
الوجه الثاني : ما ذكره المحقق النائيني رحمه الله من انه لا تجري البراءة الشرعية في نفس الوجوب لان العلم الاجمالي يدور بينهما فإجراء الاصل في احد طرفي العلم الاجمالي يثبت الطرف الاخر بالأصل المثبت فلا يمكن الرجوع البراءة الى نفي وجوب الاكثر فلو نفينا وجوب الاكثر بالأصل معناه اثبتنا وجوب الاقل وهذا من الاصل المثبت لنه من طرفي العلم الاجمالي فقال رحمه الله ان هنا طرفان للعلم الاجمالي اذا نفينا احدهما بالأصل معناه انه يثبت الطرف الاخر فمعناه من الاصل المثبت فلذلك نرجع الى اصالة البراءة عن الجزئية او عن التقيد فمن هنا قالوا ان البراءة الشرعية تجري عن التقيد او عن الجزئية ولا تجري عن وجوب الاكثر باعتبار ان وجوب الاكثر احد طرفي العلم الاجمالي فاذا نفيناه نثبت الطرف الاخر بالأصل المثبت وهذا الاصل لا اعتبار به، اما اذا اجرينا اصالة البراءة عن الجزئية نثبت الاطلاق لوجوب الاقل اذ ان وجوب الاقل وجداني فاذا اثبتنا الاطلاق فمعناه نفينا الاكثر لكن سيأتي ان في بحث الاستصحاب كل شيء اذا اجرينا الاصل فيه ثبت شيء اخر لم يكن امر شرعي هو من الاصل المثبت او ليس كذلك، الامر لا يعدو هذين الطرفين وهما الاقل والاكثر فاذا نفينا احدهما يتحقق الثاني قهرا
الوجه الثالث : ما قاله المحقق الخراساني من ان حديث الرفع بالنسبة الى ادلة الاجزاء والشرائط نسبة المستثنى الى الاستثناء فان ادلة الاجزاء والشرائط لها اطلاق يشمل حالتي العلم والشك فكل جزء ثبت شرعا فتثبت هذه الجزئية في حالة العلم وحالة الشك فاذا نسبنا حديث الرفع الى ادلة الجزاء والشرائط لها اطلاق وحديث الرفع يقيد هذا الاطلاق فيكون نسبة حديث الرفع الى هذه الشرائط نسبة المستثنى والمستثنى منه لذلك اجرينا حديث الرفع في الجزئية ولم نجريه في وجوب الاقل، واشكل عليه ان حديث الرفع لا يشمل الحكم الواقع لأنه يرف حكما ظاهرا ومورد شغله الاحكام الظاهرية اما الاحكام الواقعية فلا مورد لأدلة البراءة ومنها حديث الرفع، لكن تبين من انه اذا جمعنا بين حديث الرفع وادلة الاجزاء والشرائط وسائر الادلة التي تثبت الاحكام الواقعية يرى العرف بان بينهما تنافي ان تلك تثبت احكاما وحديث الرفع يرفع الحكم الظاهري ويثبت المعذرية .