الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

39/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : الاقتصاد موضوعه ونظامه

والكلام في مفهوم الاقتصاد تارة نبحث عنه لغويا وذكرنا ان مادة قصد تدل على معاني متعددة كما في المعاجم اللغوية[1] لكن يمكن ارجاعها الى معنى واحد وهو التوجه والاقدام على العمل وقد تقدم الكلام فيه مفصلا

اما علميا فقد اختلف الباحثون في تعريف الاقتصاد واختلافهم ناشئ من ادراج امورا طارئه على هذا المفهوم فمثلا النظم الاقسام جعلوها في تعريفه لكن كل هذا لا حاجة له لانه في نفسه علم لابد من البحث عنه مستقلا لكي لا نقع في الخلط ثم بعد ذلك نبحث عن عوارضه .

فالاقتصاد : هو توزيع المواد واستخدامها على الطريقة المثلى لتحقيق اقصى الاهداف الممكنة، ومن هنا نعرف اننا اذا رجعنا الى اقوالهم نعرف اختلافهم في تحديد المسميات

اما موضوع : التدبير وادارة شؤون المال وتأمين وسائل تنميته وايجابه، وعلى ضوء ذلك يصح تعريفه بانه علم قوانين الانتاج فهو بحث علمي صرف لا ربط له بالعقيدة وليس بحث فكري وموضوعه ايضا معرفة الوسائل المؤدية لزيادة الانتاج وتحسينه .

اما النظام الاقتصادي فهو كل بحث يتعلق بالثروة وتملكها والتصرف بها وتوزيعها ومن هنا اختلف علم الاقتصاد عن النظام الاقتصادي لان كل بحث يتعلق بالاقتصاد وتحسينه وايجاد وسائله فهو من علم الاقتصاد وقد عرفت انه لا ربط له بالعقيدة فلربما يكون امر فطري، بينما النظام الاقتصادي هو كل بحث يتعلق بالثروة وتملكها والتصرف بها وتوزيعها فالنظام الاشتراكي[2] له طريقة معينة والرأسمالية [3] لها طريقة تخصها ايضا

وعليه يكون منهج علم الاقتصاد تحديد المشاكل والتغلب عليها بتوفير الثروة وايجادها في البلاد وهذا يتعلق بالوسائل

واما منهج النظام الاقتصادي هو توزيع المدبر ويتعلق بالفكر ويكون البحث عن النظام الاقتصادي باعتباره يؤثر على وجهة النظر ويتأثر بها

ومن اجل ذلك كان البحث عن النظام الاقتصادي اهم واكثر نفعا لان علم الاقتصاد له صفة علمية لا دخل له بخلاف العقائد ولان المشكلة الاقتصادية تكمن حول حاجات الانسان ووسائل اشباعها والانتفاع بها وهي موجودة في الكون فان انتاجها ليس بمشكلة اساسية بل ان اشباعها يدفع الانسان لإنتاج هذه الوسائل لكن المشكلة الاهم في المجتمع تتحقق من تمكين الناس من الانتفاع بهذه الوسائل او عدم تمكينهم وحيازتهم على هذه الوسائل التي هي اساس المشكلة الاقتصادية التي تحتاج الى علاج دقيق ومن جميع ذلك يظهر ان كثير من الباحثين وقوعوا في الخلط بين الموضوعين فكان الواجب التميز بينهما لكي لا يقعوا في الاخطاء التي تلازم المزج بين البحثين .

ثم انه ينبغي التنبيه على امور :-

الامر الاول : ان البحث في الاقتصاد يتمحور في كيفية التوزيع لكي نرفع المشاكل منه لكن لو عمقنا النظر نجدهم ينظرون في هذا البحث الى امور خارجة مثل فكرة التخطيط المركزي للإنتاج الذي اعطى للدولة حق في زيادة الانتاج والاشراف عليه وهذه الفكرة لها اساس عقائدي وهي من مقومات بعض المذاهب والانظمة الاشتراكية او ذات الاتجاه الاشتراكي بل من مهمات الفكر العلماني كما تقدم البحث وانها اتت عن طريق الدولة المركزية ورفض الحكومات الغير مركزية واستيلائها على جميع ما يتعلق بالعباد والبلاد مع انه في الواقع ان التخطيط المركزي في الانتاج واستمرار الدولة في ممارسة دورها في هذا التخطيط لا دخل له في عملية التوزيع وكذلك الامر في كثير من قضايا التوزيع في علم الاقتصاد بالرغم من صلتها في التوزيع دون الانتاج كنظام الاجور والحرية الاقتصادية وهذه ايضا ترجع الى التوزيع لكنها ترجع الى النظام والعقيدة التي اسست هذه الامور .

الامر الثاني : ان التطور الاقتصادي هو العنوان الاهم الذي عكس على حضارات الشعوب لاسيما الشبيبة منهم فهم اكثر تأثر بالتطور الاقتصادي من دون التميز بين علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي ومن دون التميز بين المدنية والحضارة فهم لو استطاعوا البحث عن الفرق بين النظام والمنهج ودرسوا انعكاساته واثاره في حياة المجتمع والافراد لتوصلوا الى المشكلات الاقتصادية والانسانية التي ادت اليها هذه النظم الاقتصادية واعادوا النظر في انبهارهم في تلك الحضارات الزائفة التي استخدمت العلم وسيلة للوصول الى غاياتهم المحدودة التي لا تخدم المجتمع

الامر الثالث : ذهب كثير من الباحثين الاسلاميين الى ان التعريف الاسلامي للاقتصاد يختلف اختلافا جذري عن التعريف العلمي فقالوا ان الاقتصاد في الاسلام بمعنى الوسط أي لا اقتار ولا اسراف، وبذلك قالوا ان حقيقة الاقتصاد الاسلامي يختلف عن الاقتصاد العالمي بالكلية، لكن لماذا هذا التدقيق حتى نجعل التفريق بينهم جذريا ، هو نظام وعلم فالعلم شيء والنظام شيء اخر الاسلام له نظام اقتصادي كما في الاشتراكية والرأس مالية اما علم الاقتصاد بحد نفسه هو بحث علمي ولا فرق بين الموردين العلم في الاسلام او في النظريات الحديثة .


[1] وهو الادخار وعدم التبذير.
[2] وهو نظام تنتهجه وتتبنى مبادئه الدولة للتنمية الشاملة، ويقوم على أساس مراقبة الدولة للنشاط الاقتصادي والتدخل فيه، للحدّ من الاستغلال الرأسمالي لمقدرات البلاد، التي تعمل على توفيرها للعامة، وتركّز الثروة في أيدي عدد محدود من الأفراد، وتوفير فرص العمل للمواطنين.
[3] هو نظامٌ اقتصادي ماليٌ يقوم على أساس الرفع من شأن المادة لتكون في طليعة الأولويات على الصعيد الاقتصادي، ويتخذ من فصل الدين عن الحياة مبدأً له، ويركز على الملكية الفردية الشخصية وتنمية رؤوس الأموال وزيادتها بكافة ومختلف الأساليب والطرق، من أجل تلبية احتياجات الإنسان بشقيها الكمالية والأساسية، ويركز هذا النظام على زيادة ثروات الإنسان بشكلٍ بعيدٍ عن تدخلات الدولة والنظام السياسي فيها، حيث إنه يستند على التملك والبيع والشراء والاستيراد والتصدير وغيرها من الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ويلغي حرية الآخرين إذا ما تطلب الأمر من خلال سن القوانين التي تحمي الأموال والممتلكات دون مراعاة الغير.