الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

38/05/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 51): إذا علم بوجود مانع وعلم زمان حدوثه وشك في أن الوضوء كان قبل حدوثه أو بعده يبني على الصحة، لقاعدة الفراغ، إلا إذا علم عدم الالتفات إليه حين الوضوء فالأحوط الإعادة حينئذ)[1] .

ذكر ان قاعدة الفراغ تجري الا اذا علم بعدم الالتفات اليه حين الوضوء فالاحوط الاعادة ، وقاعدة الفراغ تجري ولا اشكال في الصحة لأنه شك بعد الصلاة في ان الوضوء كان قبل وجود المانع فيصح وضوئه وصلاته او بعده فوضوئه وصلاته باطلان فتجري قاعدة الفراغ واستثنى صورة واحد وهي ما اذا علم بعدم التفاته في اثناء الصلاة وذكرنا ان هذا هل هو شرط في جريان قاعدة الفراغ ام ان ادلة القاعدة لها من الاطلاق والشمول ما يشمل ذلك وقد تقدم الكلام فيه في المسالة السابقة ، والعجب من السيد الماتن انه هنا يقول بالاحتياط وكذا في المسالة السابقة وكذا في المسالة اللاحقة ولكن سياتي في المسالة السابعة من فصل الاوقات انه يفتي بوجوب الاعادة مع ان المسالتين من باب واحد.

وتقدم مناقشة ذلك وقلنا ان اطلاقات الادلة ومنها صحيح زرارة الذي تقدم يشمل ما اذا كان ملتفتا وما اذا لم يكن ملتفتا اثناء العمل ، وذكرنا ان من قال ان القاعدة تشمل الجاهل ولا تختص بالعالم قال ان هذه القاعدة إمتنانية تسهيلية ولا معنى لتخصيصها بالعالم وهو خلاف حكمة التشريع.

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 52): إذا كان محل وضوئه من بدنه نجسا فتوضأ وشك بعده في أنه طهره ثم توضأ أم لا بنى على بقاء النجاسة فيجب غسله لما يأتي من الأعمال، وأما وضوؤه فمحكوم بالصحة عملا بقاعدة الفراغ، إلا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة والنجاسة، وكذا لو كان عالما بنجاسة الماء الذي توضأ منه سابقا على الوضوء ويشك في أنه طهره بالاتصال بالكر أو بالمطر أم لا، فإن وضوئه محكوم بالصحة، والماء محكوم بالنجاسة، ويجب عليه غسل كل ما لاقاه، وكذا في الفرض الأول يجب غسل جميع ما وصل إليه الماء حين الوضوء، أو لاقى محل التوضؤ مع الرطوبة)[2] .

في هذه المسالة فرعان.

الفرع الاول:- وله حالتان.

الحالة الاولى:- ما اذا كان الوضوء كافيا في طهارة الاعضاء المتنجسة كأن يتوضا في الماء المعتصم إرتماسا فلا ريب في صحة وضوئه والصلاة التي اوقعها بعده صحيحة.

الحالة الثانية:- ما اذا لم يكن الوضوء كافيا في تطهير الاعضاء المتنجسة كما لو كان الوضوء بالماء القليل ونجس الملاقي ايضا ففي هذه الصورة يمكن ان نقول ان المسالة مبتنية على محور واحد وهو ان قاعدة الفراغ هل تجري في اللوازم والملزومات (أي هي أمارة) ام انها تجري في الملزومات فقط واما اللوازم فلا يمكن اثباتها (أي هي اصل وليس أمارة) ، فان قلنا انها تجري في اللوازم والملزومات كلتاهما فيمكن اجراء قاعدة الفراغ بالنسبة للصلاة فنحكم بصحة الصلاة ولازم هذا صحة وضوئه وطهارة بدنه وطهارة الملاقي لذلك البدن ، واما من قال انها اصل وليس بأمارة فلا يفرق بين قاعدة الفراغ وسائر الاصول العملية حيث اجمعوا على ان الاصول انما هي حجة في الملزوم ولا يثبت بها اللازم فهي انما تكون من الاصل المثبت ولا حجية للأصل المثبت فلا ثبت صحة الوضوء ولا طهارة الاعضاء لأننا نشك في النجاسة فيجري استصحاب النجاسة فيجب عليه اعادة الوضوء والتطهير للصلوات الاتية.

وكذا هذا النزاع مبني على ان الامارات هل هي حجة مطلقا في لوازمها وملزوماتها بخلاف الاصول فانه حجة في الملزومات دون اللوازم ام انهما سيان في عدم حجيتهما في اللوازم ، وذكرنا في الاصول انه لا دليل على ان الامارة حجة مطلقا في اللوازم والملزومات وان الاصول لا تكون حجة الا في الملزمات اما اللوازم فليست بحجة ، نعم في الكلام والمحاورات وفي الالفاظ انها حجة في الدلالة المطابقية والالتزامية فهذا في الالفاظ صحيح ولا اشكال فيه ، اما انه توجد قاعدة كلية وهي حجية الامارات في اللوازم والملزومات دون الاصول فلا توجد ن بل لابد من الرجوع الى دليل ذلك الاصل ودليل تلك الاماراة فان استفدنا من دليل تلك الاماراة ودليل ذلك الاصل ما يدل على التعميم وان لم نستفد منه ذلك فان القدر المتيقن ان الامارة حجة في الملزومات دون اللوازم ، ومقامنا من هذا القبيل فنجري قاعدة الفراغ ونحكم بصحة صلاته ولكن البدن وما لاقاه من الرطوبة نرجع الى استصحاب النجاسة ، والتفكيك في الاحكام الظاهرية كثير وواقع في الفقه ولا اشكال فيه.

ثم قال (رحمه الله) (إلا مع علمه بعدم التفاته حين الوضوء إلى الطهارة والنجاسة).

أي لم يكن عالما بشرطية طهارة المحل في الوضوء ونحو ذلك فاذا لم يكن ملتفتا الى ذلك فقاعدة الفراغ لا تجري ايضا ، والكلام الذي ذكرناه في المسالة السابقة يجري في المقام ، فاذا قلنا بعموم دليل قاعدة الفراغ فتجري القاعدة واذا قلنا ان القاعدة مختصة بما اذا كان ملتفتا حين العمل فلا تجري قاعدة الفراغ ونحكم بنجاسة البدن فيبطل وضوئه وتبطل صلاته ويجب عليه الاعادة.

الفرع الثاني:- اذا علم بنجاسة الماء الذي توضا منه ولكن شك بعد ذلك بانه هل طهر هذا الماء باتصاله بالكر او بالمطر او انه بقي على نجاسته؟

وهنا ايضا قاعدة الفراغ تجري بالنسبة الى الصلاة التي صلاتها بهذا الوضوء ولا تجري بالنسبة الى الملزومات فنحكم ان الماء نجس وتنجس ملاقي هذا الماء ايضا لاستصحاب نجاسة الماء.

وايضا قال شرط جريان قاعدة الفراغ ان يكون ملتفتا حين العمل اما معد عدم الالتفات فلا تجري والكلام نفس الكلام.

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله) : (مسألة 53): إذا شك بعد الصلاة في الوضوء لها وعدمه بنى على صحتها، لكنه محكوم ببقاء حدثه، فيجب عليه الوضوء للصلوات الآتية ولو كان الشك في أثناء الصلاة وجب الاستئناف بعد الوضوء، والأحوط الإتمام مع تلك الحالة ثم الإعادة بعد الوضوء)[3] .

اذا شك بعد الصلاة في انه توضأ لها او لا؟ فلا اشكال في جريان قاعدة الفراغ بالنسبة الى الصلاة ونحكم بصحتها ولكنه يبقى على حدثه فلابد من الضوء للصلوات الاتية لقاعدة الاشتغال ، فان اطلاق دليل شرطية الوضوء لأجل الصلاة تقتضي الوضوء للصلوات الاتية.

ولكن اذا كان الشك في اثناء الصلاة فالكلام نفس الكلام فلا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة الى جميع الصلاة وانما تجري بالنسبة الى الاجزاء التي صلاها اما اثبات صحة الاجزاء التي لم يأتي بها فهذا من اللوازم وقد ذكرنا انها لا تجري بالنسبة الى اللوازم.

واما الكون الذي وقع الشك فيه لا اشكال في عدم امكان التوضئ فيه لاشتراط الطهارة في جميع اجزاء الصلاة والاكوان المتخللة حينئذ يبطل هذا الكون وتبطل الاجزاء اللاحقة فالصلاة باطلة.

الا ان بعض الفقهاء قال يمكن التمسك بقاعدة التجاوز وذلك لان شرطية الطهارة محدودة بما قبل الصلاة بظاهر قوله الى تبارك وتعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾[4] ، حينئذ استفدنا من ظاهر هذه الآية المباركة ان الطهارة شرط محدود بما قبل الصلاة فاذا شككنا بعد ذلك ان هذا الشرط مجود او لا؟ فقاعدة التجاوز تجري.

ولكن استفادة ان تكون الطهارة مشروطة بوقت محدد ومعين بعيد بل الطهارة شرط واقعي يجب ان يكون من اول الصلاة الى آخرها في جميع اجزائها والاكوان المتخللة فيها فاذا وجد جزء من دونها بطلت الصلاة.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، ج1، ص459، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، ج1، ص459، ط جماعة المدرسين.
[3] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، ج1، ص459، ط جماعة المدرسين.
[4] المائدة/السورة5، الآية6.