الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

38/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 50): إذا شك في وجود الحاجب وعدمه قبل الوضوء أو في الأثناء وجب الفحص حتى يحصل اليقين أو الظن بعدمه إن لم يكن مسبوقا بالوجود، وإلا وجب تحصيل اليقين ، ولا يكفي الظن وإن شك بعد الفراغ في أنه كان موجودا أم لا بنى على عدمه ، ويصح وضوؤه، وكذا إذا تيقن أنه كان موجودا وشك في أنه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا. نعم في الحاجب الذي قد يصل الماء تحته وقد لا يصل إذا علم أنه لم يكن ملتفتا إليه حين الغسل، ولكن شك في أنه وصل الماء تحته من باب الاتفاق أم لا، يشكل جريان قاعدة الفراغ فيه فلا يترك الاحتياط بالإعادة ، وكذا إذا علم بوجود الحاجب المعلوم أو المشكوك حجبه وشك في كونه موجودا حال الوضوء أو طرأ بعده فإنه يبني على الصحة، إلا إذا علم أنه في حال الوضوء لم يكن ملتفتا إليه فإن الأحوط الإعادة حينئذ)[1] .

هذه المسالة ذكرها على نحو التفصيل في بحث شرائط الوضوء وذكرنا ما يتعلق بها هنا مفصلا ، ولكنه في المقام اعادها لبيان امور سوف تظهر في ضمن الكلام ففي المسالة صور.

الصورة الاولى:- ما اذا تيقن بوجود الحاجب قبل الوضوء فانه يجب عليه الفحص وتحصيل اليقين بزوال ذلك الحاجب لقاعدة الاشتغال فلا بد من التيقن بزواله ولا يكفي الظن بزواله.

الصورة الثانية:- ما اذا لم يتيقن قبل الوضوء بوجود الحاجب ولكنه شك قبل الوضوء بوجود الحاجب او اثناء الوضوء ايضا شك في وجود الحاجب فهنا ايضا قال يجب الفحص لقاعدة الاشتغال حتى يحصل اليقين او الظن بعدم وجود الحاجب.

ولكن سياتي انه لا فرق بين هاتين الصورتين اذ المراد من العلم اليقين في الكتاب والسنة هو الاطمئنان سواء حصل هذا الاطمئنان من ناحية العلم ام من ناحية الظن.

اذن هاتين الصورتين تختلفان من هذه الناحية والمنصف انما ذكر هذه المسالة هنا لأجل هذا الفرق بين الصورتين.

ولا يمكن الرجوع في الصورة الثانية الى الاستصحاب أي نستصحب عدم وجود الحاجب فلا نجري الاشتغال باعتبار ان الاثر المترتب على الاستصحاب هو وصول الماء الى البشرة لان استصحاب عدم الحاجب لاثبات وصول الماء الى البشرة هو من الاصل المثبت وحينئذ قاعدة الاشتغال هي المحكمة في المقام.

قد يقال:- ان سيرة المتشرعة في الصورة الثانية جارية على عدم الفحص فيما اذا شك بوجود الحاجب قبل الوضوء او في اثناء الوضوء فان السيرة قائمة على عدم الفحص.

ولكن اشكل على هذه السيرة بانه هل موجودة او انها فقط عند الوسواسي فقط او انها اذا كانت موجودة عند المتشرعة مطلقا هل هي متصلة بزمان المعصوم او لا؟.

الا انه قد تقدم الكلام في هذه السيرة وقلنا انها معتبرة عند المتشرعة فانهم اذا شكو في وجود حاجب قبل الوضوء او بعد الوضوء فالسيرة قائمة على عدم وجوب الفحص وهذه السيرة يمكن الاعتماد عليها.

الصورة الثالثة:- ما اذا شك بعد الفراغ في وجود الحاجب وعدمه فلا اشكال في انه يبني على عدمه لقاعدة الفراغ ، الا انهم اختلفوا ايضا في جريان قاعدة الفراغ بعضهم خصص ذلك فيما اذا كان ملتفتا حين العمل فحينئذ تجري القاعدة واستفادة ذلك من موثقة ابن بكير قال عليه السلام ((هو اذكر حيننا يتوضأ)) اما اذا كان غافلا بالكلية فلا تجري قاعدة الفراغ ولذا الشيخ النائيني وغيره قالوا ان القاعدة تختص بالعالمين ولا تجري في الجاهلين كما لو كان جاهلا بالاحكام ثم عمل عملا عباديا او غير عبادي وشك بعد العمل ان هذا العمل هل كان واجدا للشرائط والاجزاء او لا؟ فلا تجري القاعدة لأنه حين العمل غير ملتف لذلك.

الا ان كثير من الفقهاء تمسكوا باطلاق دليل القاعدة لنفي هذا الشرط فقال ان الاطلاق يشمل ما لو كان ملتفتا حين العمل وكذا يشمل ما لو كان غافلا حين العمل ويكون المدار في انه اذا شك بعد العمل ان عمله صحيح او فاسد من ناحية فقد جزء او شرط او وجود مانع في البين ففي كل ذلك تجري قاعدة الفراغ سواء اكان ملتفتا او غير ملتفت ولذا ذهب جمع كبير من الفقهاء لجريان القاعدة في حق الجاهل ويكون قوله عليه السلام ((هو اذكر حيننا يتوضأ)) هو من باب الغالب فان غالب الناس حينما يدخل في العمل هو اذكر من بعد العمل لان همه منصب على اتيان العمل صحيحا ن وكذا ظهور حال العامل حين العمل انه يكون ملتفتا ، فليس هو من باب العلة التامة بل من باب الغالب بحيث انه اذا لم يكن ملتفتا في حال العمل فلا تجري القاعدة اذا شك في صحة العمل.

الصورة الرابعة:- ما اذا كان الحاجب مما قد يصل الماء تحته وقد لا يصل وشك بعد الوضوء انه وصل الماء تحت هذا الحاجب او لا؟ فقاعدة الفراغ تجري في المقام ، والشرط الذي ذكرناه سابقا وهو الالتفات حين العمل فان كان ملتفتا حين العمل يصح اجراء قاعدة الفراغ واما اذا لم يكن ملتفتا فلا مجرى للقاعدة ولكن بناء على راي من يقول ان دليل قاعدة الفراغ له اطلاق يشمل ما اذا كان ملتفتا او لم يكن ملتفتا.

ويدل على ما ذكرناه وهو كون اطلاق دليل القاعدة يشمل الجاهل الغافل حين العمل موثق ابي العلاء قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الخاتم إذا اغتسلت؟ قال: حوله من مكانه، وقال في الوضوء: تديره، فإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة)[2] . فانه اذا لبس الخاتم حين الوضوء ثم توضا ثم شك بعد الوضوء ان الماء وصل تحت الخاتم او لا؟ قال لا آمرك ان تعيد الوضوء ، اذن الوضوء صحيح ، حينئذ قاعدة الفراغ تجري لاطلاق دليله وهذه الموثقة ايضا تدل على صحة الوضوء وان نوقش في دلالة الموثقة ولكن اجبنا سابقا ولا حاجة الى الاعادة.

الصورة الخامسة:- ما اذا علم بعد الوضوء بوجود الحاجب المعلوم او المشكوك حجبه ولكن شك في كونه موجودا حال الوضوء او طرا بعده ، وفي هذه الصورة من اشترط في جريان قاعدة الفراغ ان يكون ملتفتا حين العمل تجري القاعدة اذا كان ملتفتا واما اذا لم نشترط ذلك فقاعدة الفراغ تجري ونحكم بالصحة.

ولكن السيد الماتن (رحمه الله) ذكر في جميع الصور الثلاثة الاخيرة ان الاحوط الاعادة نظرا الى هذا الشرط الذي ذكرناه.

 


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، ج1، ص457، ط جماعة المدرسين.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص468، ابواب الوضوء، الباب41، ح2، ط آل البيت (عليهم السلام).