الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

38/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله): (مسألة 47): التيمم الذي هو بدل عن الوضوء يلحقه حكمه في الاعتناء بالشك إذا كان في الأثناء، وكذا الغسل والتيمم بدله، بل المناط فيها التجاوز عن محل المشكوك فيه وعدمه، فمع التجاوز تجري قاعدة التجاوز ، وإن كان في الأثناء، مثلا إذا شك بعد الشروع في مسح الجبهة في أنه ضرب بيديه على الأرض أم لا يبني على أنه ضرب بهما، وكذا إذا شك بعد الشروع في الطرف الأيمن في الغسل أنه غسل رأسه أم لا لا يعتني به، لكن الأحوط إلحاق المذكورات أيضا بالوضوء.)[1] .

ذكرنا سابقا ان الشك اذا كان في اثناء الوضوء فيعتني بشكه فيجب عليه اعادة ذلك المشكوك ان كان في المحل وان تجاوز المحل فيعيد الوضوء ، ولكن في التيمم بدل الوضوء وفي الغسل وفي التيمم بدل الغسل هل يلحقها هذا الحكم ام يختلف؟

الجواب:- اما الوضوء فقد تقدم حكمه وهو ان قاعدة التجاوز لا تجري في الوضوء لوجود النص الصريح على ذلك والاجماع.

واما في التيمم بدل الوضوء والتيمم بدل الغسل وفي الغسل نزاع بين الفقهاء ، واصل النزاع هو في ان قاعدة التجاوز هل هي قاعدة عامة تجري في كل عمل مركب الا ما خرج بالدليل ـــ وهذا هو القول الاول ـــ كما خرج الوضوء بدليل خاص ام انها تختص بالصلاة فقط فلا تجري في كل عمل مركب فيكون خروج الوضوء على القاعدة فلا نحتاج الى نص صريح او اجماع.

واما القول الثاني وهو راي المحقق النائيني وقد ذكرت ذلك عند البحث قاعدة الفراغ والتجاوز وهو انه يقول ان قاعدة التجاوز تختص بخصوص الصلاة ولا تجري في العمل المركب ومقتضى القاعدة هو الاعتناء بالشك وعدم الاعتناء بالشك يحتاج الى دليل.

ولكن المعروف والمشهور هو الاول وهو جريان قاعدة التجاوز في اثناء كل عمل مركب الا ما خرج بالدليل خصوص الوضوء واستدلوا على ذلك.

اولاً:- عموم واطلاق ادلة قاعدة التجاوز فيشمل كل عمل مركب الصلاة وغير الصلاة حتى الوضوء ولكن الوضوء خرج عن هذا العموم بالنص الخاص.

ثانياً:- اصالة عدم الغفلة وعدم السهو التي ذكرناها وهي ان قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز من صغريات هذا الاصل العقلائي الذي بنى عليه العقلاء فهذا الاصل يجري في كل عمل مركب شك في اثنائه ولكن خرج عنه خصوص الوضوء.

ثالثاً:- سهولة الشريعة المقدسة تقتضي عدم الاعتناء بالشك الا اذا دل دليل خاص فمن شك في اثناء التيمم انه هل مسح وجهه او لا؟ فلا يعتني بشكه اذا تجاوز المحل وكذا لو شك في اثناء الغسل هل غسل راسه او لا؟ فلا يعتني بشكه عند الدخول في غسل اليد اليسرى لأنه تجاوز المحل وكذا في التيمم بدل الغسل فهذا موافق لسهولة الشريعة المقدسة ، وهذا الذي ذكروه هو الصحيح.

واما المحقق النائيني (رحمه الله) قال ان هذه القاعدة تختص باب الصلاة اذ الاخبار التي وردت بعدم الاعتناء بالشك في اثناء العمل وردت في الصلاة فلا تشمل غير الصلاة فعدم جريان قاعدة التجاوز في الوضوء على طبق القاعدة ولا يحتاج الى دليل خاص وحينئذ لا تجري قاعدة التجاوز لا في الوضوء ولا في التيمم الذي هو بدله ولا في الغسل ولا في التيمم الذي هو بدله فكل من شك في اثناء هذه الطهارة الثلاث فاذا كان المحل باقيا يعيده واذا تجاوز المحل فلا حاجة الى الاعادة.

الا ان الاشكال عليه ما ذكرناه في محله من ان ذلك غير صحيح لان اطلاقات الادلة التي وردت في قاعدة التجاوز نعم صحيح ان بعض الروايات وردت في الصلاة ولكن هناك روايات اخرى لها من العموم ومن الاطلاق ما يشمل الصلاة وغير الصلاة فيكون ذكر الصلاة في بعض الروايات من باب المثال او للأهمية وهذه الروايات هي.

الرواية الاولى:- صحيح زرارة قال : قلت : لأبي عبدالله ( عليه السلام ) : رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة ؟ قال : يمضي ، قلت : رجل شك في الاذان والاقامة وقد كبر ؟ قال : يمضي ، قلت : رجل شك في التكبير وقد قرأ ؟ قال : يمضي قلت: شك في القراءة وقد ركع ؟ قال : يمضي ، قلت : شك في الركوع وقد سجد ؟ قال : يمضي على صلاته ، ثم قال : يا زرارة ، إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشيء)[2] .

فهذه الرواية لها اطلاق وعموم يشمل الصلاة وغيرها.

الرواية الثانية:- صحيحة إسماعيل بن جابر قال : قال أبو جعفر (عليه السلام): إن شكّ في الركوع بعدما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعدما قام فليمض ، كل شيء شكٌ فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه)[3] .

هذه الصحيحة وان كان صدرها في الصلاة ولكن ذيلها له من العموم ما يشمل الصلاة وغيرها.

اذن الصحيح تعميم القاعدة ليشمل كل عمل مركب الا الوضوء للنص الخاص.

اما كلمات الاصحاب فهم مختلفون ايضا فقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) ((لم نجد قائلا بالحاق غير الوضوء من الطهارات بالوضوء غير صاحب الرياض)) ، اما المحقق الانصاري (قدس سره) في رسالته قال خلاف ذلك فقال ((ان جملة من الفقهاء ذهبوا الى عدم جريان القاعدة في الطهارات الثلاث بل نسب الاعتناء بالشك في الغسل الى الشهرة)) ، نعم الشهيدان والمحقق الثاني يذهبون الى ان الغسل والتيمم بدل الغسل والوضوء لا تجري فيهم قاعدة التجاوز كما ذكر المحقق الانصاري ، ومن هنا نستفيد انه لا توجد شهرة في البين اذ لو كانت شهرة في البين لما وق هذا الخلاف العظيم.

ولكن المرجع الادلة وقد ذكرنا ان عموم الادلة واطلاقاتها تشمل كل عمل مركب الا ما خرج بالدليل وكذا بناء العقلاء على ذلك وسهولة الشريعة على ذلك واصالة عدم السهو والغفلة جارية ايضا.

اذن الصحيح انه اذا شك في اثناء التيمم بدل الوضوء او شك في الغسل او شك التيمم بدل الغسل فلا يعتني بشكه مثل سائر اعمال المركب.

ان قلت:- ان عموم البدلية يقتضي ترتب احكام المبدل منه على البدل فحينئذ بما ان المبدل منه لا يجري فيه قاعدة التجاوز فلابد ان لا تجري القاعدة في التيمم ايضا.

قلت:- ان كون البدلية لها من العموم بحيث يشمل جميع احكام الوضوء هذا اول الكلام انما المنساق من ادلة البدلية ان التيمم بدل الوضوء في الطهارة وان التيمم بدل الغسل في الطهارة ، اما ان كل ما يثبت للوضوء من الاحكام تثبت للتيمم فلا نستفيد ذلك منها ، فليس لنا عموم للبدلية بحيث يشمل حتى هذا الحكم.

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله) مثالان في المقام ، مثال في التيمم وهو ما اذا شك بعد المسح على اليدين هل مسح وجهه او لا؟ فبناء على الالحاق تجب الاعادة وبناء على عدم وقلنا ان قاعدة التجاوز تجري فلا يعتني بشكه.

وكذا في الغسل فقال انه لو شك عند غسل اليمنى انه غسل راسه او لا؟ فيرجع الى قاعدة التجاوز فلا يعتني بشكه.

ثم قال والاحوط الاعتناء وذلك للخروج عن خلاف من ذكرناه من ان بعض الاساطين ذهبوا الى وجوب الاعادة وهم الشهيدان والمحقق الثاني ، والاحتياط استحبابي.

 


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، ج1، ص454، ط جماعة المدرسين.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج8، ص237، ابواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب23، ح1، ط آل البيت (عليهم السلام).
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج6، ص369، أبواب السجود، الباب15، ح4، ط آل البيت (عليهم السلام).