الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

38/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله): وكذا إن كان الشك في الجزء الأخير إن كان بعد الدخول في عمل آخر أو كان بعد ما جلس طويلا أو كان بعد القيام عن محل الوضوء ، وإن كان قبل ذلك أتى به إن لم تفت الموالاة، وإلا استأنف)[1] .

ذكر السيد الماتن (رحمه الله) انه يمكن الرجوع الى قاعدة الفراغ فيما اذا قام من محل الوضوء او جلس طويلا او اتى بعمل آخر فيمكن الرجوع الى قاعدة الفراغ في هذه الموارد والحكم بصحة وضوئه.

ولكن اختلف الفقهاء في هذا والمعروف المشهور هو الذي ذكره السيد الماتن (رحمه الله) وهو الرجوع الى قاعدة الفراغ ولكن بشرط الجلوس طويلا او قام من محل الوضوء او الدخول في عمل آخر لاطلاق قوله (عليه السلام) في صحيح زرارة المتقدم (اذا انتقل من حال الى حالة أخرى) فانه حينئذ يصدق عليه انه انتقل الى حالة أخرى.

ولكن ذهب بعض الفقهاء الى عدم الرجوع الى قاعدة الفراغ الا اذا صدق فوت الموالاة اما مع عدم فواة الموالاة فيجب عليه اعادة الجزء الاخير وهو الامور الثلاثة التي ذكرها السيد الماتن اذا صدق عليها فواة الموالاة فتجري القاعدة والا فلا يجوز الرجوع الى قاعدة الفراغ ويكون الرجوع حينئذ الى القاعدة تمسك بالعام في الشبهة المصداقية في اثبات الفراغ وعدم الفراغ ، وقالوا في توجيه ذلك وهو ان الرجوع الى قاعدة الفراغ يتحقق بأحد امور ثلاثة.

الاول: ما اذا تيقن بفراغه وكان هذا الفراغ مطابقا للواقع ثم شك بعد ذلك وهذا يقين بالفراغ وشك في الجزء الاخير فقال ان هذا قاعدة اليقين الذي ذكروه في بحث الاصول ففي هذا المورد نرجع الى قاعدة الفراغ.

الثاني: انه فراغ من الوضوء وكان هناك ظن نوعي بان هذا الفراغ الذي حصل منه مطابق للواقع بحيث تقول امارة على ان هذا الفراغ مطابق للواقع ففي هذه الصورة نقول بالرجوع الى قاعدة الفراغ.

الثالث: ان المراد من الفراغ ما هو؟

فتارة: يراد من الفراغ هو الفراغ الحقيقي الواقعي وانه فراغ من العمل صحيحا وهذا غير مراد في المقام لان من العمل حقيقية فلا معنى للشك بعد ذلك في انه اتى بالجزء الاخير او لم يأتي به.

وأخرى: يراد منه الفراغ الادعائي وهو يتحقق باتيان معظم الاجزاء فان من اتى بمعظم اجزاء العمل فهو عند العرف يسمى فارغا ولكن هذا الفراغ الادعائي لا تشمله الادلة ابداً فان الادلة التي ذكرناها في صحيح زرارة وغيرها لا يراد منه الفراغ الادعائي بل استصحاب وجوب الاتيان ببقية الاجزاء محكم فيجب عليه ان يأتي ببقية الاجزاء.

وثالثة: يراد منه الفراغ البنائي العقلائي أي ان هذا الشخص لما اتى بهذا الفعل وكمل منه فهنا فراغ بنائي عقلائي وهو يرجع الى في قاعدة الفراغ فلو شك في الجزء الاخير بعد الفراغ البنائي العقلائي يرجع الى قاعدة الفراغ لتصحيح عمله.

ولكن: كل ذلك غير صحيح فاما الوجه الاول وهو قاعدة اليقين بان تيقن آن ما بالفراغ ثم شك فيأخذ بيقينه ونرجع الى قاعدة الفراغ فقد ذكرنا في محله انه لا دليل على اعتبار قاعدة اليقين وادلة الاستصحاب لا تشمل قاعدة اليقين ابدا وانما هي تدل على ان المتيقن لابد ان يكون قبل المشكوك سواء كان اليقين سابقا ام كان اليقين لاحقا ام كان اليقين مقارنا اما الاخذ باليقين بما هو صفة نفسيه لا يشترط ان يكون سابقا او لاحقا بينما في قاعدة اليقين يشترط ان يكون اليقين سابقا والشك لاحقا.

واما: الوجه الثاني فان الظن النوعي لا اعتبار به فهو كالظن الشخصي فلو ظن شخصا ظنا شخصيا انه فرغ من العمل فهو لا اعتبار به والظن النوعي ايضا لا اعتبار به.

واما: الامر الثالث قان الفراغ البنائي العقلائي صحيح اذا كان هناك ما يصدق عليه انه فراغ وهو فيما اذا صدق فوت الموالاة اما اذا لم تفت فلا يصدق عليه عرفا انه فراغ بنائي عقلائي باعتبار ان الانسان لما تفوت الموالاة من العمل بعد ان يأتي بالعمل هنا يقولون عرفا يصدق عليه انه فرغ من عمله فيكون مورد جريان القاعدة.

اذن: هذه الامثلة الثلاثة التي ذكرها السيد الماتن من الجلو طويلا او الدخول في عمل او غير ذلك فان الجلوس طويلا لا يضر اذا لم تفت الموالاة.

ولكن: الحق في المطلب ان النزاع صغروي وليس كبروي فلا اشكال في ان الفراغ عن العمل يوجب الرجوع الى قاعدة الفراغ ، والفراغ الادعائي لا اعتبار به واما الحقيقي فلم يتحقق اذ كلامنا ليس فيه بل المراد ما يصدق عليه عرفا انه فارغ ، فالنزاع ان الجلوس طويلا هل يصدق عليه فراغ او لا؟ فذهب هذا الى انه اذا فاتت الموالاة من الجلوس طويلا فيصدق واذا لم تفت فلا يصدق ، اذن النزاع صغروي.

اذن: الحق ما ذكره السيد الماتن (رحمه الله) ان دخل في حالة اخرى من الجلوس طويلا او اتيان صلاة او انه قام من مكانه ومشى في الرواق او طالع في كتاب فهذه كلها حالات اخرى فنرجع الى قاعدة الفراغ ولا يعتني بشكه.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، ج1، ص453، ط جماعة المدرسين.