الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

38/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله): وأما سائر الضمائم فإن كانت راجحة كما إذا كان قصده في الوضوء القربة وتعليم الغير، فإن كان داعي القربة مستقلا والضميمة تبعا أو كانا مستقلين صح ، وإن كانت القربة تبعا أو كان الداعي هو المجموع منهما بطل، وإن كانت مباحة فالأقوى أنها أيضا كذلك، كضم التبرد إلى القربة، لكن الأحوط في صورة استقلالهما أيضا الإعادة، وإن كانت محرمة - غير الرياء والسمعة - فهي في الإبطال مثل الرياء ، لأن الفعل يصير محرما فيكون باطلا، نعم الفرق بينها وبين الرياء أنه لو لم يكن داعيه في ابتداء العمل إلا القربة لكن حصل له في الأثناء في جزء من الأجزاء يختص البطلان بذلك الجزء، فلو عدل عن قصده وأعاده من دون فوات الموالاة صح ، وكذا لو كان ذلك الجزء مستحبا وإن لم يتداركه بخلاف الرياء على ما عرفت ، فإن حاله حال الحدث في الإبطال)[1] .

اولاً لابد من تبيين حكم الضميمة فتارة تكون الضميمة مباحة بالمعنى الاعم الشامل للكراهة والاباحة بالمعنى المصطلح عليها في علم الفقه والاصول ، واخرى تكون الضميمة محرمة ولكن غير الرياء مثل الايذاء وهتك حرمة امام الجماعة ، وثالثة تكون الضميمة مرجوحة بالمعنى الاعم الشامل للحرمة وغيرها.

هذه الاقسام الثلاثة ليست كلها على وتيرة واحدة بحيث توجب كل ضميمة بطلان العبادة بل هي على اقسام اربعة.

القسم الاول:- ما اذا كانت داعوية القربى مستقلة في اتيان هذه العبادة والضميمة تبع في هذا المورد ، كما اذا كانت الضميمة مباحة بالمعنى الاعم ففي هذه الصورة قالوا بصحة العبادة لان العبادة قد استوفت جميع الشروط والتي منها داعوية القربى لاتيان العمل اذ لا موجب للبطلان والضميمة لا اثر لها في اتيان هذه العبادة فلا اشكال من احد في صحة هذه العبادة في هذه الصورة.

القسم الثاني:- ما اذا كانت الضميمة هي الداعي المستقل في اتيان هذا العمل وداعوية القربى هي التبع فقد ذهب المشهور ومنهم السيد الماتن الى بطلان العمل ، إذ ان هذه العبادة لم تستند الى داعوية القربى ولم يكن الانبعاث حاصلا عن الامر الالهي وانما هذه الداعوية القربية هي تبعية بمنزلة الشوق والحب.

القسم الثالث:- ما اذا كان مجموع المركب علة في اتيان هذه العبادة فالعلة هي مركبة من الداعوية القربية والضميمة غير المحرمة فالعمل مستند الى مجموع هذه العلة المركبة ففي هذه الصورة ذهب جمع من الاصوليين الى بطلان العمل اذ المناط ان يكون العمل مستندا الى داعي القربى والانبعاث نحو اتيان العبادة لابد ان يكون الامر الالهي والمفروض ان كلا الامرين علة في الانبعاث نحو هذا العمل لا ان الداعي القربي بوحده علة بل الضميمة والداعي القربي كلاهما جزء العلة في اتيان هذا العمل.

الا ان بعضهم استشكل فقال انه يمكن القول بالصحة في المقام وذلك لان المناط في صحة العبادة ان تكون هناك داع قربي سواء كان هذا الداعي القربي مستقلا في الداعوية او يكون جزء العلة وهو الذي تقتضيه سهولة الشريعة وسماحتها وان ذلك عبادة عامة السواد فلا موجب للبطلان بعد صدق الداعوية في البين قربا ، وقد تقدم في بحث الاصول ان الامتثال وكيفية الامتثال موكول الى العرف ونظير ذلك ما اذا امر شخصان شخصا واحداً وامتثل للامرين معا بحيث كان امر كل واحد منهما جزء العلة فصدق العبادة وصدق الامتثال عند العرف وسهولة الشريعة وسماحتها وان هذا هو عمدت عبادة العوام يقتضي ان نقول بصحة مثل هذه العبادة ما دام هناك داع قربي في البين ولو على نحو جزء العلة.

القسم الرابع:- ان يكون كل واحدا منهما على نحو الاستقلال بحيث لو لم يكن الداعي القربي لأتى بالعبادة بداعي الضميمة ولو لم يكن الضميمة لأتى بالعبادة بداعي القربي فهل تبطل العبادة او لا؟ ذهب المشهور بل ادعي عليه الاجماع الى صحة العبادة لما ذكرناه سابقا وهو كفاية ان يكون هذا العمل مستندا الى الداعي القربي وينطبق عليه هذا الشرط فيكون صحيحا.

ولكن ذهب بعض المتاخرين الى التفصيل بين ما اذا كانت الضميمة راجحة كتعليم الغير وبين ان لا تكون كذلك وانما تكون مباحة كالتبريد في الوضوء فقال بصحة العبادة في القسم الاول وبالبطلان في الثاني لعدم صدق ان العمل مستند الى الداعي القربي ، وحكم بالبطلان لاطلاق قول الفقهاء يجب ان يكون العمل مستندا الى الداعي القربي.

ولكن هذا الاطلاق غير تام اذ لو اريد من الاطلاق ان يكون الداعي القربي علة تامة منحصرة فهذا صحيح لأنه في هذا القسم الداعي ليس علة تامة منحصرة ، واما اذا اريد منه علة تامة واما الانحصار فنشك في اعتبار الانحصار في الداعي القربي فمقتضى الاصل عدم الانحصار فحينئذ يمكن القول بالصحة.

هذه اقسام الضميمة اذا كانت مباحة او راجحة ، واما اذا كانت الضميمة محرمة من غير ناحية الرياء مثل الايذاء وهتك الغير ففي هذه الصورة هل يوجب بطلان العبادة او لا؟ سياتي الكلام عنه ان شاء الله تعالى.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، ج1، ص434، ط جماعة المدرسين.