الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

38/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

السيد الماتن (رحمه الله) قال: الثالث عشر: الخلوص ، فلو ضم إليه الرياء بطل، سواء كانت القربة مستقلة والرياء تبعا أو بالعكس، أو كان كلاهما مستقلا ، وسواء كان الرياء في أصل العمل، أو في كيفياته أو في أجزائه ، بل ولو كان جزءا مستحبا على الأقوى وسواء نوى الرياء من أول العمل، أو نوى في الأثناء، وسواء تاب منه أم لا، فالرياء في العمل بأي وجه كان مبطل له، لقوله تعالى على ما في الأخبار: " أنا خير شريك، من عمل لي ولغيري تركته لغيري ".هذا ولكن إبطاله إنما هو إذا كان جزءا من الداعي على العمل، ولو على وجه التبعية، وأما إذا لم يكن كذلك بل كان مجرد خطور في القلب من دون أن يكون جزءا من الداعي فلا يكون مبطلا، وإذا شك حين العمل في أن داعيه محض القربة أو مركب منها ومن الرياء فالعمل باطل ، لعدم الخلوص الذي هو الشرط في الصحة)[1] .

ذكرنا ما يتعلق بالرياء وذكرنا فيها جهات عشرة تقدم الكلام فيها مفصلا ، ولكن نرجع الى عبارة السيد الماتن رحمه الله فقال (سواء كانت القربة مستقلة والرياء تبعا أو بالعكس، أو كان كلاهما مستقلا) ، فقد تقدم بيان هذه العبارة في الجهة الخامسة.

اذن الرياء اصطلاحا فيه جهتان الاولى اراءة العمل للغير والثانية ان تكون هذه علة لاتيان العمل ولا يكفي اراءة العمل للغير بل لابد من الاثنين حتى يصدق عليه الرياء المحرم والا اذا انتفى احدهما لا يصدق عليه الرياء الاصطلاحي وان صدق عليه الرياء اللغوي العرفي.

ثم ذكر (رحمه الله) (وسواء كان الرياء في أصل العمل، أو في كيفياته أو في أجزائه) ، فان العمل وكل عمل عبادي لا يخرج عن هذه الثلاثة وهي اصل العمل كيفية العمل واجزاء العمل فكل واحد من هذه الثلاثة اذا تحقق مع الرياء اوجب بطلان العمل اطلاق صحيح زرارة و حمران ، عن أبي جعفر (عليه ‌السلام) قال : لو أن عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الاخرة وأدخل فيه رضى أحد من الناس كان مشركا)[2] ، فانه يصدق في جميع هذه الصورة عرفا انه مشركا فالصدق العرفي هو المناط ، فالعرف اذا حكم ان هذا الشخص ادخل رضى الناس كان مشركا ، اذن العرف يرى انه لا فرق بين ان يكون رضى الناس في اصل العمل او في كيفيات العمل او يكون في اجزاء العمل حتى اجزائه المستحبة واذا تحقق الصدق العرفي فينطبق عليه الحكم وهو حرمة العمل وبطلان العمل.

وهذا هو المشهور وهو انه لا فرق بين اصل العمل او كيفياته او اجزائه.

ولكن استشكلوا في الكيفية والاجزاء فقالوا ان الكيفية على قسمين ، فتارة تكون متحدة مع العمل بحيث لا يمكن الفصل بينهما كالصلاة في المسجد فهنا لا يمكن التمييز بين الكيفية واصل العمل فيمكن القول ان الرياء في الكيفية يوجب بطلان العمل لاتحاد الكيفية مع اصل العمل ، وتارة اخرى لا تكون الكيفية متحدة مع العمل فان الكيفية شيء والعمل شيء اخر كالصيام مع قراءة الادعية فلو صام قربة الى الله تعالى ولكن في اثناء الصيام قرأ الدعاء رياء ففي هذه الصورة الدعاء شيء والصيام شيء اخر فهل يوجب بطلان الصيام ام لا؟ ، وكذا الصلاة مع التحنك فان الصلاة شيء والتحنك شيء اخر فهل يوجب التحنك الريائي بطلان الصلاة اولا؟ فقد وقع الكلام في هذا القسم.

الجواب:- لا ريب انه في الصورة الاولى يوجب بطلان العمل ولكن في الصورة الثانية فقد ذهب بعض الفقهاء الى عدم بطلان العبادة فان العبادة حقيقتها كانت خالصة لله واما هذه الكيفية التي هي خارجة عن حقيقة العبادة وإن كان فيها رياء ولكن هي خارجة فلا يصدق على هذه العبادة انه ادخل فيه رضى احد من الناس.

ولكن يقال انه لابد من الرجوع الى العرف فان العرف هو الذي يعين ان هذا ادخل فيه رضى احد من الناس او لا؟ فالصلاة مع التحنك رياء يصدق عليه انه ادخل فيه رضى احد من الناس غير الله فاذا صدق هذا اوجب بطلان تلك العبادة ، اذن لا فرق بين الكيفية التي هي متحدة مع العبادة في الوجود او تكون الكيفية خارجة عن حقيقة العبادة ولكن انضمت هذه الكيفية الى اصل العبادة.

اما في الاجزاء فالمشهور بين الفقهاء ان الرياء في جزء من اجزاء تلك العبادة يوجب بطلان تلك العبادة فقد اعتبروا الرياء بمنزلة الحدث بالنسبة الى الصلاة فكما ان الحدث في اجزاء الصلاة يوجب بطلانها كذلك الرياء ولا قابلة لهذا الصلاة لان يتدارك الجزء الذي راءى فيه لأنه يصدق عليه انه ادخل فيه رضى احد من الناس فتبطل العبادة.

الا ان بعض الفقهاء قسم الاجزاء الى قسمين قسم لا يمكن تداركه او لم يتداركه المكلف ولا ريب ولا اشكال في بطلان العبادة لفساد جزء من العبادة واذا فسد الجزء فانه يوجب بطلان الكل كما اذا راءى في التشهد ولم يتدارك هذا التشهد ، والقسم الثاني ما اذا امكن تداركه وتداركه المكلف فان هذا التدارك يوجب الاخلال في العمل من ناحية اخرى مثل الاخلال بالموالاة ونحو ذلك فانه يوجب بطلان العبادة من هذه الناحية وهي الاخلال بالشرط او اذا لم يكن كذلك كما اذا غسل اليد اليسرى رياء وقد تداركه مباشرة من دون الاخلال بالموالاة فهل يوجب بطلان العبادة او لا؟ ذهب بعض الفقهاء الى الصحة لان هذا لم يصدق عليه ادخل رضى غير الله.

ولكن الجواب عنه هو ان هذه العبادة التي أتى فيها بهذا الجزء رياء وادخل فيه رضى احد من الناس تسمى عبادة ريائية وعبادة فيها شرك ولا دخل في كونه تداركه او لم يتداركه فان هذه العبادة عرفا انطبق عيها انه ادخل رضى غير الله فتبطل العبادة ولا قابلية لهذه العبادة لان يتدارك الجزء فيها.

الا ان الاشكال يظهر بوضوح في الجزء المستحب فلو اتى بجزء من اجزاء الصلاة المستحبة رياء فهل يوجب بطلان ذلك العمل او لا؟ وهذا سياتي بيانه ان شاء الله تعالى.


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي، ج1، ص432، ط جماعة المدرسين.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص67، ابواب النية، الباب11، ح11، ط آل البيت (عليهم السلام).