الموضوع:- شرائط الوضوء.

كان الكلام في اعتبار النية في الافعال لا خصوص الوضوء وانما ذكروا النية في الوضوء باعتبار ان الوضوء امر عبادي يحتاج الى نية التقرب الى الله تعالى وسياتي الكلام فيه والا فالنية امر ارتكازي يحتاج الى النية كل ذي شعور وارادة الى فعل معين وهذا واضح ، وقد تقدم في الامر الاول ان هذا امر تكويني لا حاجة ان يجعل الشارع له حكما معينا فاذا ورد في الشرع ما يدل على ذلك انما هو ارشاد الى هذه الفطرة والا فهو ليس تحديد شرعي.

الامر الثاني:- في تعريف النية.

ذكرنا ان النية من الامور التي يدركها الانسان كما يدرك كثيرا من الامور بحسب ذاته كما انه يدرك كيف يتكلم ويدرك كيف يتصور ويدرك الجوع والعطش وغير ذلك من الامر كذا يدرك انه ينوي ، اذن الانسان يدرك انه ينوي كما يدرك بقية الامور النفسانية التي عنده فهذه الامور من لوازم ذاته فاذا كانت من لوازم الذات فتصدر تلقائيا من دون ان يكون هناك حاجة الى شيء زائد وتمسى بالأمور البديهية ، هذه الامور البديهية تعريفها لا يمكن الا بما هو مرادف له ، فالشيء البديهي الذي يعرفه الانسان بوجدانه لا يمكن تعريف ذلك الشيء الوجداني البديهي الا ان يكون التعريف بالمساوي او يكون التعريف بالأخفى ولذلك اذا راجعنا الى كتب اللغو نراهم يفسرون النية بالإرادة والارادة والنية مترادفتان ليسا هما مختلفتان ، باعتبار ان النية والارادة امور ارتكازية بديهية للإنسان يدركها الانسان من دون حاجة الى تعريف ، والوجود والعدم من هذا القبيل لذا ترون الفلاسفة اذا ارادوا ان يفسرون الوجود ويعرفونه فاذا كان فارسيا فيعرفه باللغة الفارسية والا ليس للوجود تعريف خاص ، كما انهم اذا ارادوا ان يفسرونه فانهم يفسرونه بالضد لان الاشياء تعرف بأضدادها فيقولون الوجود هو عدم العدم او العدم عندما يريدون ان يفسروه فانهم يفسرونه بالضد ، فليس لهما معنى وتعريف معين بعد ان كان هذا الامر بديهيا مركوزا من لوازم ذات الانسان ويدركها تلقائيا من دون حاجة الى فكر.

هذه هي القاعدة في الامور البديهية.

واذا اتينا الى اللغويين في تعريف النية حيث انهم يعرفونها بانها هي الارادة والقصد لا اكثر من ذلك والارادة والقصد هما مترادفان ، فهذه الالفاظ الثلاثة وهي النية والارادة والقصد كلها مترادفة لا هي معاني متغايرة حتى نفسر احدهما بالآخر.

وكذا بالنسبة الى الفلاسفة حيث اذا راجعنا كلماتهم انما يفسرون النية بالإرادة وهذا معناه ان هاتين الكلمتين مترادفتين ، وعلماء النفس اليوم ايضا اخذوا هذا المعنى من الفلاسفة وايضا فسر النية في كتبهم بالإرادة.

وفي بعض الروايات التعبير عن النية بالإرادة كما ورد في الحج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : إني اريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج ، فكيف أقول؟ قال : تقول : اللهم إني اريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك ، وإن شئت أضمرت الذي تريد))[1] . فعبر عن النية بالإرادة.

نعم الجرجاني في كتاب التعريفات عرف النية بما يرجع الى هذا الا انه ذكر في تعريفه زيادة على ذلك مثل الهدف والوسيلة ونحو ذلك فطول في تعريفه لأجل بيان هذه الامور وان النية هي القصد يكون فيه هدف معين قبل ان يأتي بالفعل فقال: ((الإرادة صفة توجب للحي حالاً يقع منه الفعل على وجه دون وجه، فهي ميل يعقب اعتقاد النفع))[2] ، ولكن هذا التعريف لم يخرج عن التعريف اللغوي ايضا وان زاد في تعريفه بعض الامور لتبيان ان النية ليست كل نية هي معتبرة بل النية التي تكون معتبرة ويكون معتمد عليها هي ان تكون النية هادفة فاذا لم تكن هادفة فهذا الفعل عبثي.

اذن الكل متفقون على ان النية هي الارادة وهي القصد وهي الفاظ مترادفة وان اختلفت بعض التعريفات عن بعض.

واما الفقهاء فانهم عرفوا النية بهذا التعريف فقالوا ان النية هي ارادة ايجاد الفعل المطلوب شرعا على وجهه ، وايضا لم يخرجوا عن المعنى اللغوي الا انهم زادوا بان يكون الفعل المطلوب على وجهه شرعا ومنها التقرب الى الله.

الامر الثالث:- حكم النية ، فهل النية واجبة في كل فعل او في خصوص العمل العبادي اوليس كذلك؟


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج12، ص342، ابواب الاحرام، الباب17، ح1، ط آل البيت.
[2] التعريفات، للجرجاني، ج1، ص16.