الموضوع:- شرائط الوضوء.

كان الكلام في اعتبار الموالاة في افعال الوضوء وقلنا بان شرطية الموالاة مما تسالم الفقهاء والادلة تدل على ذلك وقلنا بان الروايات الواردة في المقام على طائفتين فالاولى تدل التتابع والثانية على عدم جفاف العضو السابق فلو جف فقد بطل الوضوء.

الا انه قد استفدنا انهما انما يرجعان الى شيء واحد وهي الموالاة العرفية اذ ترك الموالاة العرفية انما تصدق بترك المتابعة بينهما والفصل الطويل كما يصدق بجفاف السابق قبل الشروع في العضو اللاحق ، اذن اما تتابع فعل او تتابع شرعي بمعنى عدم جفاف السابق قبل الشروع في اللاحق ، ولذا قلنا ان مقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين هو الجمع بينهما اذ نقول ان الموالاة انما تتحقق بالمتابعة والموالاة العرفية كما تتحقق بعدم جفاف العضو السابق قبل الشروع في العضو اللاحق ، وهذا ما ذهب اليه الشيخ الصدوق (رحمه الله) واشار اليه السيد الماتن واختاره جمع كثير باعتبار انهما من افراد الموالاة العرفية فلا تعارض بين هاتين الطائفتين من الاخبار.

ثم ذكرنا بانه بناء على انه لو توضا وتابع بين افعال الوضوء بالموالاة العرفية بحيث لم يتحقق الفصل بينها عرفا ولكن جف العضو السابق لأجل حرارة الجو او لأجل حرارة البدن فانه لا يضر ويصدق عليه ان وضوئه صحيح اذ الموالاة العرفية قد تحققت وان جف العضو السابق لأجل عارض وطارئ ، كما انه لو توضا وحصل الفصل الطويل بين الاعضاء بحيث ان الرطوبة باقية على العضو السابق حينئذ نقول بصحة الوضوء وان فصل بين الاعضاء اذ المدار على تحقق احد هذين الامرين اما تحقق الموالاة العرفية وقد تحققت في الصورة الاولى او لأجل عدم الجفاف في الصورة الثانية.

مضافا الى اننا يمكن لنا التمسك بإطلاقات ما ورد لتصحيح الوضوء من الكتاب والسنة في الصورة الاولى فيما اذا كان هنا موالاة عرفية ولكن قد تحقق الجفاف لأجل طارئ من الطوارئ فاطلاقات الادلة يمكن التمسك بها لتصحيح هذا الوضوء.

ومن هنا نستفيد بان من قال ان المدار على خصوص جفاف الاعضاء وليس على الموالاة العرفية واعتبر ان عدم الجفاف هو المدار في تحقق الموالاة فان الموالاة العرفية انما تتحقق بعد فيما اذا لم يجف العضو السابق فلا معنى لان نأخذ بالموالاة العرفية حينئذ ، فاعتمد على قوله (عليه السلام) في التعليل الذي ورد الصحيحة (ان الوضوء لا يتبعض)[1] أي لابد يكون العضو السابق باق على رطوبته حتى يلحقه هذا العضو اللاحق فلا يتحقق التبعيض بالوضوء حينئذ ، وهذا التعليل كبرى فنحكم بان كل مورد تحقق فيه جفاف العضو السابق يكون موردا لبطلان الوضوء وان لم تنتفي الموالاة العرفية.

لكن يمكن الجواب عن ذلك بان اصل الكبر مسلم لا اشكال فيه وهو ان الوضوء لا يتبعض وهذا واضح الا ان الاشكال في المصداق حينئذ فان الامام لم يبين المصداق والمصداق تارة يتحقق في الموالاة العرفية أي عدم الفصل الطويل بين الافعال واخرى يصدق فيما اذا لم يجف العضو السابق قبل الشروع في العضو اللاحق.

ويشهد لهذا الامر ايضا نفس المعتبرتين الموثقة والصحيحة فان في الصحيحة يقول (عرضت لي حاجة فجف وضوئي فناديت الجارية) فهنا عروض شيء به انتفت الموالاة العرفية أي صار فصل طويل فهذه الرواية تشير الى هذا المعنى فان الفصل انما جاء من ناحية الفصل الطويل لا من ناحية جفاف العضو .

الامر الخامس:- انه هل المدار على عدم جفاف الاعضاء السابقة باجمعها ام ان على عدم جفاف العضو السابقة الذي يلتحق به العضو اللاحق لا جميع الاعضاء.

ذهب الاسكافي (رحمه الله) الى ان المدار على عدم جفاف جميع الاعضاء فالوضوء انما يبطل اذا جف عضو من الاعضاء ، واما المشهور فعلى خلاف ذلك فإنما يبطل الوضوء اذا جفت جميع الاعضاء ، والظاهر من الحديثين السابقين من قوله (عليه السلام) ((حتى جف وضوئي)) هو ان البطلان يتحقق بجفاف جميع الاعضاء السابقة لا خصوص عضو من الاعضاء ، ويشهد لهذا انه لو نسي المسح ثم تذكر بعد ذلك قال يأخذ من لحيته او من حاجبة فلو كان جفاف بعض الاعضاء موجبا لبطلان الوضوء لما كان وجه للأمر باخذ الماء من الحاجب ومن اللحية فان جفاف بعض الاعضاء كاف في البطلان فلابد من اعادة الوضوء لا انه يأخذ من لحيته ويمسح.

اذن يستكشف من ذلك ان المدار في البطلان على جفاف جميع الاعضاء لا جفاف عضو واحد.

كذلك يظهر بطلان ما نسب الى المحقق الحلي (رحمه الله) في السرائر حيث جعل المدار في البطلان هو جفاف العضو السابق لا باقي الاعضاء.

ولكن قوله مخالف لظاهر الحديثين فان الظاهر من قوله (حتى جف وضوئي) ان معناه جفاف الاعضاء كلها لا جفاف بعض الاعضاء سواء كان العضو الذي جف هو أي عضو من الاعضاء كما ذهب اليه الاسكافي او خصوص العضو السابق كما نسب الى المحقق ، فلا فرق بين هذين القولين من مخالفتهما لظاهر المعتبرتين.

وهناك قول اخر اعتمد عليه جمع كبير نذكر القول وما يستدل به ان شاء الله تعالى.


[1] كتاب الطهارة، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج2، ص314.