الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

كان في اعتبار الموالاة في الوضوء وقلنا بان هذا الشرط لا يختص بالوضوء بل كل موضوع مركب من اجزاء متتالية لابد يكون بينها وحدة اعتبارية وهيئة اتصالية فان العقل يحكم به والمرتكز العرفي يقول بذلك ، ولذا قلنا بان اطلاقات الروايات والادلة الواردة في المقام اذا لم تشر الى الموالاة فإنها تنزل على هذا المرتكز العرفي ما دام ان الشارع جعل هذا الموضوع مركبا من افعال فيها الترتيب فان هذا معناه انه هناك وحدة اعتبارية وهيئة اتصالية كما في الصلاة والوضوء الا اذا دل دليل خاص على انه لا تعتبر الموالاة فنأخذ بالدليل الخاص ، فما ذكر من ان اطلاق ادلة الوضوء يدل على عدم اعتبار الموالاة خارج عن الفهم العرفي لهذه الروايات وغير صحيح.

الا ان الخلاف في ان هذه الوحدة الاعتبارية والهيئة الاتصالية المعبر عنها في لسان الفقهاء بالموالاة ما هو المراد منها؟ هل هي بمعنى الموالاة العرفية او هي بمعنى عدم جفاف العضو السابق قبل الشروع في غسل العضو اللاحق او الموالاة غير ذلك؟ وهذا الاختلاف لا يضر في اعتبار اصل الموالاة وتسالمهم على اعتبار الموالاة في الوضوء ولعل منشأه هذا الارتكاز العرفي الموجود عندهم.

فقيل ان الموالاة هي الموالاة العرفية وقيل ان الموالاة هو عدم جفاف العضو السابق قبل الشروع في العضو اللاحق وقيل بالجمع بينهما وهو المحكي عن الصدوق (رضوان الله عليه) وقيل في الاختيار هي الموالاة العرفية وفي الاضطرار هو عدم الجفاف وقيل غير ذلك.

الامر الرابع:- ذكر الروايات الموجودة في المقام.

الروايات في المقام على طائفتين.

الطائفة الاولى:- ورد فيها الامر بالمتابعة بين افعال الوضوء.

الطائفة الثانية:- ما ورد فيها جفاف العضو السابق وعدم الجفاف.

فهل هاتان الطائفتان تشيران الى معنى عرفي له مصداقان مصداق هو الموالاة العرفية أي التتابع ومصداق اخر هو عدم جفاف العضو السابق قبل الشروع في العضو اللاحق.

روايات الطائفة الاولى.

الرواية الاولى:- معتبرة الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قال: أتبع وضوئك بعضه بعضا))[1] .

فهنا امر بالاتباع.

الرواية الثانية:- معتبرة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): تابع بين الوضوء كما قال الله عز وجل، ابدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم امسح الرأس والرجلين، ولا تقدمن شيئا بين يدي شيء تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه وأعد على الذراع، وإن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثم أعد على الرجل، إبدأ بما بدأ الله عزوجل به))[2] .

الرواية الثالثة:- خبر حكم ابن حكيم قال: سألت أبا عبدالله ( عليه السلام )، عن رجل نسي من الوضوء الذراع والرأس؟ قال: يعيد الوضوء، إن الوضوء يتبع بعضه بعضا))[3] .

اذن هذه الروايات تدل على الاتباع.

ولكن الظاهر من هذه الروايات ان انها تدل على الترتيب أي شرطية الترتيب كما تقدم ذكر هذه الروايات والاستدلال بها على شرطية الترتيب في الوضوء وهي بمعزل عن الموالاة ، الا انهم ذكروا ان المتابعة ايضا تتضمن معنى الموالاة فلا اشكال في ان هذه الروايات مضافا الى انه يستفاد منها الترتيب في افعال الوضوء ايضا يستفاد منها المتابعة بين الافعال والمتابعة ايضا من مصاديقها هي الموالاة ، وعلى فرض ان نقول انها على الموالاة ايضا لكن انه هنا الموالاة والمتابعة العرفية اذ لم يشترط في الموالاة شيئا من قبل الشرع وواكل ذلك الى المعنى العرفي والقاعدة في ان الموضوع الذي ورد في نص اذا لم يرد من الشارع تحديد في ذلك الموضوع فهذا معناه اننا نستقيه من العرف حينئذ.

اذن هذه الطائفة تدل على ان المتابعة العرفية هي المناط في صحة الوضوء وهي الشرط في الوضوء سواء كان العضو السابق فيه رطوبة او قد جف قبل الشروع في العضو اللاحق.

روايات الطائفة الثانية.

 

الرواية الاولى:- معتبرة أبي بصير، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال: إذا توضأت بعض وضوئك وعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك فاعد وضوئك، فإن الوضوء لا يبعض))[4] .

فهذه الرواية صريحة في ان الموالاة لم تتحقق اذا يبس العضو السابق.

الرواية الثانية:- معتبرة معاوية ابن عمار قال: قلت لأبي عبدالله ( عليه السلام ): ربما توضأت فنفد الماء، فدعوت الجارية، فأبطأت عليّ بالماء، فيجف وضوئي؟ فقال: أعد))[5] .

فهاتان المعتبرتان تدلان على ان المراد من الموالاة هو عدم جفاف العضو السابق حتى تتحقق الموالاة الشرعية.

اذن بناء على هاتين الروايتين هو عدم جفاف العضو السابق قبل الشروع في اللاحق فيستفاد ان هذا خاص بالشارع اذ ان الشارع اعتبر الموالاة في الوضوء عدم جفاف العضو السابق قبل الشروع في العضو اللاحق سواء صدق على ذلك الموالاة العرفية او لم يصدق.

اذن هاتان الروايتان معارضات لتلك الروايات فيقع التعارض بينهما فتلك جعلت المناط هو الموالاة العرفية وهذه جعلت المناط هو الموالاة الشرعية.

الا ان الكلام في ان هذه الموالاة الشرعية هل يمكن ان تكون مخالفة للموالاة العرفية ام ان الموالاة الشرعية من مصاديق الموالاة العرفية؟

الجواب:- الظاهر ان الموالاة الشرعية من مصاديق الموالاة العرفية وهذا هو الصحيح ولا اختلاف بينهما ، فان هذه الموالاة التي اعتبر الشارع فيها عدم جفاف العضو السابق من مصاديق الموالاة العرفية اذ الموالاة اعم بين ان تكون متابعة عرفية بينهما او تكون هناك يتبع بعضا في الاثر أي يكون هناك اثر باق وفعل لاحق يتبع ذلك الفعل السابق في بقاء اثره ، فالموالاة التي اعتبرها الشارع الاقدس هي اخر حد للموالاة العرفية فلا اختلاف بينهما ولا تعارض بينهما.

ومقتضى الجمع بين هاتين الطائفتين هو ما ذكره الشيخ الصدوق (رحمه الله) من الجمع بينهما أي المراد بالموالاة هو الموالاة العرفية وعدم جفاف العضو السابق قبل الشروع في اللاحق وهذا هو الصحيح اذ لا تعارض بينهما.

الا ان هذه الروايات مطلقة من حيث ان عدم الجفاف فلو جف السابق فانه يبطل الوضوء فان اطلاقها يشمل ما اذا جف هذا بسبب اختياري او بسبب اضطراري كما اذا كان الجو حار شديدا او حرارة البدن شديدة ، فهل هذا الاطلاق يشمل كلا القسمين ام لابد من اخراج من اذا حصل الجفاف اضطرارا؟ سياتي بيانه ان شاء الله تعالى.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص446، ابواب الوضوء، الباب33، ح1، ط آل البيت.
[2] وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص449، ابواب الوضوء، الباب34، ح1، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص448، ابواب الوضوء، الباب33، ح6، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص446، ابواب الوضوء، الباب33، ح2، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة، العاملي، ج1، ص447، ابواب الوضوء، الباب33، ح3، ط آل البيت.