الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/07/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

كان الكلام في انه اذا عجز عن المباشرة فلا ريب ولا اشكال في انه يجب عليه ان يستعين بالغير في اجراء افعال الوضوء من الغسل والمسح.

ولكن الكلام في ان النية هل لابد ان تكون من المستعين به ام من المتوضي نفسه؟

فذكر السيد الماتن (رحمه الله) ان النية لابد ان تكون من المتوضي لأنه هو المكلف بالفعل وانه هو الذي يجب عليه ان يقصد القربى وانه هو الذي يثاب على فعله فلاجل هذه الامور لابد ان تكون النية من نفس المتوضي الا ان المعين انما هو بمنزلة الآلة ولا يفرق في المعين حينئذ بين ان يكون انسانا بالغا ام صبيا وبين ان يكون حيوانا معلما او يكون آلة جمادية فهذا المعين بمنزلة الآلة والمتوضي هو المقصود في المقام فهو الذي لابد ان ينوني حينئذ لأنه هو المأمور بالتوضي ولانه هو المتقرب به ولانه هو الذي يثاب على فعله.

هذا ما ذكروه وهو المعروف بينهم.

ولكن بعض الفقهاء ذكر ان في المقام تفصيلا وهو يرجع الى الوجوه الاربعة التي استدل بها على وجوب الاستعانة.

فان كان الوجه هو قاعدة الميسور حينئذ قاعدة تقتضي بانه اذا لم يقدر على الكل ومنه الفعل المباشري فلا تسقط البقية فيجب عليه ان يأتي بالبقية وهو المأمور بالنية حينئذ فتقتضي القاعدة ان النية من فعل المتوضي وان المعين انما يكون بمنزلة الآلة لا اثر لنيته في المقام.

واما اذا كان الوجه هو الاجماع والاخبار المتقدمة فلا يثبت الا وجوب النية من كليهما المعين والمتوضي وذلك لان الاجماع دليل لبي لا نعرف ان قصد المجمعين هل ان قصدهم ان النية من المتوضي وحده ام تكون النية من المعين ام تكون النية منهما فلابد حينئذ ان تكون النية من كليهما ، وكذا اذا كان الدليل هو الاخبار المتقدمة سواء كان فعل الامام الصادق عليه السلام او ما ورد في المجدور والكسير فانها مجملة من هذه الناحية ولا يستفاد منها على من تكون النية هل هي حصلت من الامام نفسه ام حصلت من كليهما وبما انهما أي نية المعين ونية المتوضي امران متباينان وتردد الامر بينهما فالاحتياط يقتضي الجمع بينهما فينوي المعين كما ينوي المتوضي ، هذا ما ذكره في المقام.

الا انه يمكن الاشكال عليه باننا لو استفدنا من ظواهر الخطابات وظواهر الادلة التي وردت في الواجبات ان الفعل لابد ان يستند الى المكلف فان كان متمكناً من اتيان الفعل فلابد ان يكون كل الفعل يأتي به مباشرة ونسبة الفعل اليه تكون نسبة حقيقة لأنه متمكن فيجب عليه ان يأتي بالفعل مباشرة واما اذا كان عاجزا فانه يكفي ان يأتي الفعل منسوبا اليه ولو باتيان شخص آخر كما تقدم تفصيله وذكرنا ان هذه الافادات استفادها المحقق الهمداني (قدس سره) من ظواهر الادلة والخطابات فان الفعل اذا صدر من معين فان العرف يرى نسبة هذا الفعل الى هذا الشخص ايضا لكن نسبته ضعيفة ليست تامة ، ففي الصورة التي يمكن ان يأتي بالفعل ولا يكون عاجزا النسبة تامة اذ انه مكلف باتيان الفعل مباشرة والنسبة حقيقة واما في صورة العجر وقد اتى بالفعل مع معين يعينه في هذا الفعل فالنسبة ايضا اليه نسبة حقيقة لا مجازية الا ان النسبة هنا بالنسبة الى النسبة الاولى ضعيفة ن وبناء على هذا المرتكز الموجود لعله كان موجود عند المجمعين فراوا ان هذا الفعل مسند ومنسوب الى هذا المتوضي لانهم قالوا انه هو المأمور بالوضوء ـــ كما يستفاد من ظاهر استلالهم ـــ وان الفعل منسوب اليه والنسبة نسبة حقيقة فيجب ان تكون النية من قبله ، كذا بالنسبة الى الاخبار التي تقدم ذكرها واستدللنا بها على وجوب الاستنابة ايضا هذا المركوز الموجود هو الذي اوجب رفع الاجمال فيها وحينئذ يتعين ان ينوي المتوضي نفسه وان الاحتياط استحباب ضم نية المعين مع نية المتوضي.

ثم قال السيد الماتن (قدس سره) : ((ولو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده ويصب الماء فيها ويجريه بها، هل يجب أم لا؟ الأحوط ذلك، وإن كان الأقوى عدم وجوبه، لأن مناط المباشرة في الإجراء، واليد آلة، والمفروض أن فعل الإجراء من النائب، نعم في المسح لا بد من كونه بيد المنوب عنه لا النائب، فيأخذ يده ويمسح بها رأسه ورجليه، وإن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده ويمسح بها ، ولو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بعض))[1] .

بعدما ذكرنا ان المستفاد من ظاهر الخطابات والاوامر ان الفعل لابد ان يستند وينسب الى المكلف سواء كانت هذه النسبة تامة اذا كان المكلف قادرا على اتيان الفعل تاما واما اذا كان عاجزا فان النسبة اليه ايضا نسبة حقيقة لا مجازية فهو بمقدار عجزه هو يكلف بان يجعل المعين ، هذا ما تقدم ونقول ان العجز له مراتب متفاوتة.

المرتبة الاولى:- ان يكون بحيث يكون المتوضي لم يكن قادرا على رفع يده واجراء اليد حينئذ كأن تكون يابسة فحينئذ لا يقدر المعين ان يرفع يد هذا المتوضي لصب الماء في يده واجراء هذا الماء على وجه المتوضي او يده فلا ريب ولا اشكال في انه يضع الماء على نفس يد المتوضي ويجري يده على نفس يد المتوضي حينئذ لان العجز بالنسبة اليه تام ، ونسبة الفعل اليه نسبة حقيقة فيتعين عليه ان يصب الماء في يد المعين ثم يجري الماء على يد المتوضي ويمسح حينئذ حتى يتحقق الغسل فهذه مرتبة من العجز.

المرتبة الثانية:- وهي ما اذا امكن رفع يد المتوضي فانه لم يكن عاجزا بهذا النحو بان يكون له شلل ولكنه اذا صب الماء في يده واجرى اليد على نفس موضع الغسل فانه يتعين ذلك بناء على قاعدة الميسور فهي تقتضي انه اذا سقطت المباشرة من المتوضي فلا تسقط بقية الامور والقيود حينئذ ن بان يصب الماء في يد المتوضي ويمسح هذا المعين بيد المتوضي على يده الاخرى وهذا يتعين حينئذ.

وهذا صحيح في المسح انه يتعين عليه لان اذا لم يتمكن من رفع يده لأجل مسح راسه فيستعين بالغير ليرفع يده ليمسح بها بالبلة الموجودة في يده اذ ان قاعدة الميسور اذا اوجبت سقوط المباشرة بهذه الكيفية الا انها لا توجب سقوط بقية القيود حينئذ ، اذن المسح لابد ان يكون بيد المتوضي وببلة يده.

واما في غسل الوجه واليد فقد تقدم سابقا في بحث افعال الوضوء في بحث غسل الوجه واليدين انه لا يعتبر اجراء الماء على الوجه واليين بمباشرة المكلف نفسه فيصح الوضوء منه اذ اجرى الماء بنفسه وايضا يصح منه الوضوء بالارتماس وايضا باجراء الماء من آلة على يده فكل ذلك صحيح لأجل ما ذكرناه هناك من عدم وجوب ان يكون اجراء الماء بيد المكلف نفسه ، وفي المقام نقول انه يصح للمعين ان يصب الماء على موضع الغسل ويضع يد المتوضي على موضع الغسل ويصح ان يجري الماء على نفس يد المتوضي من دون ان يكون هنا أي مانع.

الا انه في المسح لما كان لابد ان يكون بمباشرة المتوضي فيرفع يده على موضع المسح ويمسح ذلك بالبلة الباقية فان هذا اذا سقط لأجل العسر والعذر فلا يوجب سقوط بقية الواجبات وهي من انه لابد ان يكون بالبلة الباقية.

المرتبة الثالثة:- ما اذا كان في بعض معسور وفي بعض ليس معسورا كما اذا كانت يده اليمنى قد شلت ولكن يده اليسرى لم تكن مشلولة ففي اليد اليمنى يمكن ان يرفع اليسرى ويضعها على اليمنى ويمسح المكلف بنفسه واما في غسل اليسرى فانه يستعين في ذلك ، او ان يده مشلولة لا يمكنه ان يرفع يده الى المسح فيأخذ بيد المتوضي ويضعها على راسه.

هذا ما ذكره السيد الماتن (رحمه الله) وهو صحيح لا اشكال فيه.

ثم قال السيد الماتن (رحمه الله) : العاشر: الترتيب: بتقديم الوجه، ثم اليد اليمنى، ثم اليسرى، ثم مسح الرأس، ثم الرجلين . ولا يجب الترتيب بين أجزاء كل عضو، نعم يجب مراعاة الأعلى فالأعلى كما مر، ولو أخل بالترتيب ولو جهلا أو نسيانا بطل إذا تذكر بعد الفراغ وفوات الموالاة، وكذا إن تذكر في الأثناء، لكن كانت نيته فاسدة حيث نوى الوضوء على هذا الوجه ، وإن لم تكن نيته فاسدة فيعود على ما يحصل به الترتيب، ولا فرق في وجوب الترتيب بين الوضوء الترتيبي والارتماسي))[2] .


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص425، ط جماعة المدرسين.
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، ج1، ص425، ط جماعة المدرسين.